بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قال - تعالى -: ((إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقّاً فِي التَّورَاةِ وَالإنجِيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ)) (التوبة: 111).
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: إستهم يوم بدر سعد بن خيثمة وأبوه، فخرج سهم سعد، فقال له أبوه: يا بني! آثرني اليوم!! فقال سعد: (يا أبت! لو كان غير الجنةº فعلت).
فخرج سعد إلى بدر، فقتل بها، وقتل أبوه خيثمة يوم أحد) (الإصابة2/23) (يا أبت!! لو كان غير الجنة فعلت)
الله أكبر، كلمات تهتز منها القلوب المؤمنة، نعم والله إنها صور مشرقة من ذلك الجيل في تنافسهم وتسابقهم على الجهاد في سبيل الله - تعالى -، فهذا الوالد وهذا الابن لا يستطيعان الخروج كليهما مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في القتال لاحتياج أسرتهما لبقاء أحدهما: فلم يتنازل أحدهما عن الخروج رغبة في نيل الشهادة، نعم نيل الشهادة، حتى اضطروا إلى إجراء القرعة بينهما، فكان الخروج من نصيب الابن سعد - رضي الله عنه -، فضل الوالد يتحسر إلى ذلك الخروج وهم يواجهون فيه جيوش الكفر!! يقترعون لنيل الشهادة
يا سبحان الله!! أي جيل ذلك الجيل الذي رباه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!
أي جيل ذلك الجيل الذي غرس في قلبه الشوق إلى بيع النفس في سبيل الواحد الديان؟! فكان سعد الابن في غاية الأدب مع والده المشتاق لنيل الشهادة: لكن الابن كان مشتاقا إلى الجنة، فأجاب بهذا الجواب البليغ: (يا أبت لو كان غير الجنة فعلت)!
والله أنني توقفت طويلاً عند كلام سعد، وتصيبني الدهشة من أولئك الأبطال: تضحيات عظيمة، تعلقت قلوبهم بالآخرة، كانوا حريصين على مرضاة الله وفي معركة بدر خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس فحرضهم، ونفل كل امرئٍ, منهم ما أصاب، وقال: (والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)، فقال عُمير بن الحمام أخو بني سلمه وفي يده تمرات يأكلهن بخٍ, فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول:
ركضاً إلى الله بغير زاد
إلى التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
وعن عاصم بن عمر بن قتادة، أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال يا رسول الله: (ما يضحك الرب من عبده)؟ قال (غمسه يده في العدو حاسرا) فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل) (صحيح السيرة)
إن هذه الأخبار العظيمة لتدلل على قوة ارتباط الصحابة بالآخرة، وحرصهم على رضوان الله - تعالى -.
نعم الجهاد ذروة سنام الإسلام كما قال - صلى الله عليه وسلم -، فباع ذلك الجيل نفسه لله - سبحانه -، وتسابقوا لنيل شرف الشهادة، نعم أيها الإخوة: لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه على أن يكونوا أصحاب إيرادات قوية راسخة ثابتة، ثبات الجبال الرواسي، فيملأ قلوبهم شجاعة وجرأة وأملا في النصر على الأعداء، وكان - صلى الله عليه وسلم - يرغبهم في الجهاد وهو يذكر لهم ما أعده الله للمجاهدين.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يرهبهم من التولي يوم الزحف والفرار من ساحات الوغى، فلقد كان رسول الله يحث أصحابه على القتال، ويحرضهم عليه امتثالاً لقول الله - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ حَرِّضِ المُؤمِنِينَ عَلَى القِتَالِ)) (الأنفال: من الآية65).
وقوله - تعالى -: ((فَقَاتِل فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفسَكَ وَحَرِّضِ المُؤمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدٌّ بَأساً وَأَشَدٌّ تَنكِيلاً)) (النساء: 84).
وفي غزوة بدر الكبرى وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمام أصحابه وقال: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)) (رواه مسلم).
الله أكبر، لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشر المؤمنين بالنصر والجنة، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: (أبشر يا أبا بكر)، ووقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول للصحابة - رضي الله عنهم -: ((والذي نفس محمد بيده! لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)) (ابن هشام).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله! قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن يكن في الأخرى تر ما أصنع؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ويحك! أهبلت! أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنَّه في جنة الفردوس)) (البخاري).
نعم ((إنها جنان كثيرة))، تشويق من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم الشهيد، وتشويق من النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين جميعاً بما أعده الله للمجاهد.
هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث المسلمين على القتال والتضحية، وبيع النفوس في سبيل الله - تعالى -، وهكذا قدم الصحابة أنفسهم في سبيل الله.
فعن ابن إسحاق قال: (إن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهم البكاءون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير وعلبة ابن زيد أخو بن حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وأخو بني مازن بن النجار، وعمرو بن البغوي بن الجموح أخو بني سلمه عبد الله ابن المغفل المزني وبعض الناس، فاستحملوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا أهل حاجة فقال: ((لاَ أَجِدُ مَا أَحمِلُكُم عَلَيهِ تَوَلَّوا وَّأَعيُنُهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)).
قال ابن إسحاق: فبلغني أن ابن يامين بن عمر بن كعب النضري لقي- أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان، فقال ما يبكيكما: قالا جئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه، فأعطاهما ناضجا له فارتحلاه، وزوداهما شيئا من تمر، فخرجا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ابن هشام.
نعم كان الواحد من الصحابة تفيض عينيه من الدمع عند عدم قدرته على الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد كان الواحد منهم يطعن في سبيل الله فيقول: (فزت ورب الكعبة)!!
هكذا كانوا يتسابقون إلى الجهاد،، وقس أولئك الرجال بحالنا اليوم! قسهُ بحالنا اليوم وقد توالت الضغوطات من قبل الكفار وبعض من ينتسب للإسلام على بعض الدعاة، نعم هجمواً هجوما كبيراً على الدعاة والعلماء الذين وقفوا على المنبر وتحدثوا عن الجهاد، هجمواُ على الدعاة الصالحين الذين ينادون برفع الظلم عن المظلومين، نعم سمعناهم وهم يدّعون أن بعض مساجد البلاد الإسلامية تحث على (الإرهاب).
نعم على الإرهاب، صار من يقول كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفس محمد بيده! لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابرا محتسبا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)) إرهابيا!!
صار من يقول: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض) إرهابيا!! كما أطلقه الكفار على بعض الدعاة والعلماء الذين أفتوا بجهاد المحتل في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان
نعم أيها المسلمون: صار من يدافع عن دينه إرهابيا،، صار من يدافع عن أعراض المسلمات إرهابياً!!
صار من يدافع عن القرآن إرهابياً!!
صار من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إرهابياً!
صار من يحرض المسلمين على الجهاد الذي أمرنا به الله - تعالى -صار إرهابياً ومتطرفاً!!
نعم صار من يقف فوق المنبر ويبكي على شهداء المسلمين: حماسياً ومتطرفاً!
نعم والله سمعنا تلك الكلمات الجارحة من الكفار والمنافقين، وحتى من بعض طلاب العلم والمشايخ!
صار من يقول من شبابنا: (يا أبت! لو كان غير الجنةº فعلت) متهوراً وجاهلا!!
صار أولئك المنافقون والمخذولون يضحكون على أؤلئك الأبطال الذين باعوا نفوسهم لله وهم يقاتلون دول الكفر في البلدان المحتلة، صاروا يستهزئون بهم عندما يقول أؤلئك الأبطال (فزنا ورب الكعبة).
وبعض أؤلئك الكفار وأتباعهم من المنافقين والمخذولين يصف المجاهدين بأنهم في حالة نفسية، مع أنهم يقفون مندهشين أمامهم وهم يبيعون أنفسهم في سبيل الله.
فيا شباب الجهاد: يا من بعتم الأنفس في سبيل الله وأنتم تقاتلون قوى الكفر في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان: سيروا على ما سار عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته،، سيروا على ذلك الدرب المشرق، سيروا على درب التضحية، إنه درب بيع النفوس لرب العزة والجلال، إنه درب حطَّم الأحلام الصليبية واليهودية، نعم إنكم أعدائهم الحقيقيين! كيف لا وأنتم تسيرون على ما سار عليه نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الأبطال وأتباعهم، كيف لا وهو طريق الأنبياء والشهداء، نعم إنه طريق الأنبياء، إنه طريق أبو بكر والفاروق، وعثمان وعلي، وحمزة ومصعب، وأسامة بن زيد وجعفر والبراء، وزيد، نعم إنه طريق العزة الذي يرهب الأعداء، طريق الجهاد والتضحية إنه الطريق الذي أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابة إليه، وحرضهم عليه، وبشرهم به عندما قال لهم: (والذي نفس محمد بيده! لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)
سيروا فأنتم لستم إرهابيون ولا خوارج ولا منحرفون كما ينعق بذلك الكفار وأتباعهم، والمنافقون وأهل التخذيل، والمنهزمون من أبناء جلدتنا، نعم سيروا على طريقٍ, هو ذروة سنام الإسلام.
أسأل الله أن يرد كيد الكائدين، وأن ينصر إخواننا المجاهدين في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد