بسم الله الرحمن الرحيم
يمر الإنسان في هذه الحياة بالرخاء والشدة، بالسعادة والحزن، بالسراء والضراء، والمؤمن في كل هذا تجده معلقا بالله لا يبغي إن أصابه خير، بل يشكر ويحمد مولاه ويسأله المزيد في الدنيا والآخرة، ولا يجزع إن أصابه شر بل يسارع إلى ربه داعيا راجيا ومستغيثا.
فالدعاء من أعظم الأسباب لحصول مقصود الإنسان، سواء أكان المراد منه جلب منفعة أم دفع مضرة، وقد فطر الله الناس على التوجه له والتضرع إليه، ولا أدل على ذلك من أن كفار قريش كانوا إذا نزل بهم الضر أو وقعوا في محنة اتجهوا إلى الله وأفردوه بالدعاء ولم يشركوا معه في هذه الحالة أحدا، يقول - سبحانه - \"قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون\".
الدعاء دأب الأنبياء
ولذا كان الدعاء هو دأب الأنبياء في كل أوقاتهم وفي كل أمورهم، ومن تتبع القرآن الكريم عرف كيف كان إقبال الأنبياء على الدعاء وحرصهم عليه.هذا وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدعاء من أفضل العبادات التي يتقرب بها إلى الله، قال - عليه الصلاة والسلام - (الدعاء مخ العبادة) وفي رواية (الدعاء هو العبادة) وبين أن الله - جل وعلا - يحب سؤال عباده له فقال (سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل) وقال أيضا (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) بل إن الله - سبحانه - توعد الذين يستكبرون عن الدعاء ويتركونه بالعذاب الأليم يوم القيامة، قال - سبحانه - \"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين\" وقال - صلى الله عليه وسلم - \"من لم يسأل الله يغضب عليه\".
الله - جل وعلا - وعد عباده بالإجابة
وإذا كان الله - جل وعلا - قد حث عباده كلهم على الدعاء والتضرع إليه، فإنه قد وعدهم بالإجابة وهو - سبحانه - لا يخلف وعده كما مر في الآية السابقة وقوله - تعالى -\"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون\" وقال - صلى الله عليه وسلم - (ما عبد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من السوء مثله - ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم- أو ادخر له في الآخرة خيرا منه).
وإذا كان الدعاء بهذه المنزلة، بل وأعظم من ذلك، فاعلم أن له مقتضيات وآدابا وموانع، فإذا حصلت تلك المقتضيات والآداب وانتفت الموانع، حصل المطلوب بإذن الله، وإذا تخلف شيء منها فربما يتخلف المطلوب، وهكذا كل الأدعية والأذكار المعلق عليها جلب منفعة أو دفع مضرة.
مقتضيات إجابة الدعاء وآدابه
1- الاستقامة على شرع الله والالتزام بأوامره والبعد عن نواهيه يقول - صلى الله عليه وسلم - (رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره) وكلما كان العبد قريبا من ربه كان ذلك أدعى للإجابة، حتى لا تكاد تخطئه دعوة يقول الله - جل وعلا - في الحديث القدسي (من عادى لي وليا آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) وهذا سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - كان مستجاب الدعوة حتى عرف بذلك واشتهر أمره.
2- أن يكون كسبه من حلال فلا يدخل الكسب الحرام إلى بيته وأهله أيا كان، واسمع لما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص- لما سأله أن يدعو الله له بأن يجعله مستجاب الدعوة- قال له النبي - عليه الصلاة والسلام -:يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) فانظر كيف علق - عليه الصلاة والسلام - إجابة الدعوة على الكسب الحلال ورتبه عليه.
3- العزم في المسألة وهذا أمر مهم فلا يدعو الإنسان بشيء وهو لا يجزم به، بمعنى لا يقول رب أعطني كذا إن شئت أو ادفع عني كذا إن شئت ونحو ذلك، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له)
تحري أوقات الإجابة
4- اختيار أوقات إجابة الدعاء التي ورد الشرع ببيانها ومنها:
أ الثلث الأخير من الليل إلى صلاة الفجر، يقول - صلى الله عليه وسلم - (ينزل ربنا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له)
ب- دعاء الصائم حين يفطر، يقول - عليه الصلاة والسلام - (إن للصائم دعوة مستجابة عند فطره)
ج- الدعاء بين الأذان والإقامة، فقد قال - عليه الصلاة والسلام - (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد)
د- الدعاء حال السجود في الصلاة، فإن العبد في هذه الحالة يكون أقرب إلى الله، يقول - صلى الله عليه وسلم - (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء قمن أي حري أن يستجاب لكم)
5- المسافر حتى يعود إلى منزله، وكذا الوالد ودعوة المظلوم، يقول - عليه الصلاة والسلام - ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده)
حضور القلب وتيقن الإجابة وعدم التعجل
6- أن يكون الإنسان حاضر القلب حين الدعاء، مقبلا على الله بكليته مبتعدا عن كل ما يشغله أثناء الدعاء، يقول - عليه الصلاة والسلام - (واعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاه)
7- أن يوقن بالإجابة كما قال - صلى الله عليه وسلم - (أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة)
8- أن لا يتعجل الإجابة بل يدعوا الله ويكثر ويصبر على ذلك، يقول - عليه الصلاة والسلام - (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل قالوا وكيف يعجل قال: يقول دعوت، دعوت فلم أر يستجاب لي فيترك الدعاء ويستحسر).
9- أن يتوسل إلى الله بصالح الأعمال التي عملها لله، كما فعل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار، فتوسل كل واحد بعمل صالح من أعماله فكان ذلك سببا في التفريج عنهم كما أخبر بذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
10- رفع اليد حال الدعاء، يقول - عليه الصلاة والسلام - (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا)
الثناء على الله والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -
11- أن يبدأ الدعاء بحمد الله والثناء عليه، ثم يعقب ذلك بالصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع رجلا يدعو في صلاته، فلم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: عجل هذا. ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليدع بعد ما شاء)
12- أن يختم الدعاء بقول آمين، فقد أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل قد ألح في المسألة فوقف - صلى الله عليه وسلم - يسمع منه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أوجب إن ختم. فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم يا رسول الله؟ قال: بآمين. فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب، فانصرف الرجل الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى الرجل وقال: يا فلان اختم بآمين وأبشر.
وأما موانع الإجابة فمنها:
1- الوقوع في المعاصي، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وقال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي
2- أكل المال الحرام وقد نبه على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله (رب أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يقول يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)
3- ترك الواجبات التي شرعها الله ورسوله وارتكاب المحرمات المنهي عنها من أسباب عدم إجابة الدعاء، فقد جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)
4- الاستعجال في الإجابة: وقد مر الحديث الدال على ذلك.
5- الاعتداء في الدعاء: قال - تعالى -(ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) والاعتداء كما ذكر ابن القيم يكون تارة بأن يسأل مالا يجوز سؤاله من الإعانة على المحرمات، أو أن يدعوه غير متضرع بل دعاء مستغن، ونحو ذلك. وقد ورد أن سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يقول في دعائه: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال له: يا بني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.
تلك بعض أسباب وآداب الدعاء، وتلك بعض موانعه وإن المسلم الحق إذا علم ما يترتب على الدعاء من الثواب الجزيل، ورضى الرب - جل وعلا - وحصول المطلوب ودفع المكروه، لجدير به أن يهتم بهذا الأمر كل الاهتمام ويحرص عليه كل الحرص ففضل الله واسع وكرمه لا يوصف وعطاؤه لا يحد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد