بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أخوة الإسلام: إن رب العزة والجلال - تبارك وتعالى -أخبر في كتابه الكريم أنه يخلق ما يشاء و يختار وهو الولي الحميد يجتبي إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس يداول الأيام بين الناس ليعلم الذين آمنوا وليتخذ منهم شهداء، أعد الجنة عرضها كعرض السماء والأرض لمن آمن به و برسله ثم بين أن ليس كل واحد جدير بهذا الاختيار وبذلك الاصطفاء أو بتلك المنزلة والمحبة والرضوان بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
علمتم هذا فاذكروا فضل الله عليكم إذ جعلكم من خير أمة أخرجت للناس أمة اصطفاها على الأمم و جعلها شاهدة عليها (وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيداً)
أمة الإسلام إن العالم اليوم يحتوى آلاف الملايين من البشر يقول العادون إنهم قد جاوزوا ستة آلاف مليون نسمة (وَمِن آيَاتِهِ خَلقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ, وَهُوَ عَلَى جَمعِهِم إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) - تأمل منة الله عليك يا عبد الله أن هداك لدينه القويم ووفقك لسلوك صراطه المستقيم فتعيش مؤمنا عبدا لله وحده لا تستعبدك دنياك ولا يستعبدك هواك فتحيا حياة طيبة مغمورا بالسعادة والسرور راضيا عنك مولاك محبا لإخوانك بارا بوالديك رحمة للعالمين فإذا ما مت نعمت بالرضا ووضعت رحلك في الجنة العليا أكلها دائم و ظلها تلك عقبى الذين اتقوا ألا وإن ما يجب أن تحرص عليه أخ الإسلام أن تعلم يقينا أنك على الحق وأنك من يحمل مشعل الهداية للناس أجمعين وأن طريقك الذي تسلكه هو الطريق الوحيد الموصل للنهاية السعيدة والعيشة الرغيدة في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر..ولا يغررك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل و لهم عذاب أليم والذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم فإن زعم زاعم أن الكفرة و الملحدين والفسقة و المعرضين هم من يملك الدنيا و يسبر غورها و يتنعم بخيراتها و هم ملوكها وأربابها فقل لهم بكل ثقة ويقين (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) و قل لهم بكل ثقة و يقين إن هؤلاء الكفرة الذين ترونهم و هم أكثر العالم في شرقه و غربه وإن كانوا قد اخترعوا التقنيات وصنعوا الطائرات وغزوا الفضاء بالمكوكيات فهم في ميزان الحقيقة لا وجود لهم (وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ) (يَعلَمُونَ ظَاهِراً مِن الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غَافِلُونَ) (كُلاًّ نُمِدٌّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُوراً - انظُر كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ, وَأَكبَرُ تَفضِيلاً)
أيها المسلمون إن العاقل الحقيقي من عرف ربه واتقاه وسار على نهج نبيه وأطاعه وما عصاه تأمل يا رعاك الله ذلك المشهد الرهيب ونار الجحيم تكاد تميز من الغيظ والملائكة تلقي فيها أهلها فوجا فوجا يسوقونهم إليها زمرا يتلاعنون بينهم و يعضون أصابع الندم يتحسرون ويتمنون الرجوع إلى الدنيا التي عمروها وبنوها وملأوها اختراعات و تقنيه يريدون العودة إليها لا لإكمال البناء ولا لغزو الفضاء ولا لتطوير المركبات ولكن ليسلموا ويعملوا صالحا ويطيعوا الله والرسول (وَلَو تَرَى إِذ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيتَنَا نُرَدٌّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِن المُؤمِنِينَ بَل بَدَا لَهُم مَا كَانُوا يُخفُونَ مِن قَبلُ وَلَو رُدٌّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنهُ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ) - (وَهُم يَصطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخرِجنَا نَعمَل صَالِحاً غَيرَ الَّذِي كُنَّا نَعمَلُ أَوَلَم نُعَمِّركُم مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُم النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ,) وإنهم لكاذبون ولو ردوا لعادوا - وإن من العجيب أنهم في النار مقرون بما يحاولون نفيه في الدنيا فاستمع يا رعاك الله إلى حوارهم مع أنفسهم يبلغك بهذا الحوار أصدق القائلين (وَقَالُوا لَو كُنَّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصحَابِ السَّعِيرِ) وصدقوا ورب الكعبة إن العاقل الحق من يسمع آيات الله عليه تتلى ودعوة الدين الحق إليه تترى فيتبع أمرها و يجتنب نهيها موقن بصدقها و يعمل بمقتضاها و إلا كان من الموصوفين بقوله - تعالى -(وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ) فيا أخي المسلم إن نظرتك إلى الكفرة بعين الإعجاب ينبغي أن تصحح لئلا تغتر بحالهم فتهلك مثل ما هلكوا فليس عاقلا وإن كان عالم ذره من يسجد لغير الواحد الأحد أو يدعو غيره أو يخاف من غيره أو يجعل له صاحبة أو ولدا وهم يزعمون أن الله ثالث ثلاثة - تعالى -الله عن ذلك فقد يكونون أذكياء (بما أصابوا من الدنيا) لكنهم بالتأكيد ليسوا عقلاء فالعاقل الحق من وحد الله وعبده واتقاه ولو كان أكثر الناس بلادة وجهلا في دنياه وأعلم أيها الكريم أن لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربه ماء فوالله لم يكن الله - تعالى - ليزوي الدنيا عن خير خلقه وأحبهم إليه ويبسطها كل البسط على أعدائه الكافرين به إلا لأنها لا قيمة لها البته ولكي تعلم صدق ما أقول لك أنظر إلى حال نبيك وحبيبك وقرة عينك محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فقد خرج - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير رواه البخاري وما أكل خبزا مرققا حتى مات وما كان يجد من الدقل ما يملأ بطنه والدقل هو وضيع التمر... في وقت كان فيه كسرى و قيصر يتنعمان بزهرة الحياة الدنيا وزينتها وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا الجوع يا رسول الله قال وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما) رواه مسلم.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت قال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة.
أخي الحبيب هل تظن أن خير من وطئ الثرى و خير من مشى تحت أديم السماء هو وأصحابه الكرام الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا أترى ذلك الجيل الكريم تطوى عنهم الدنيا وتبسط على غيرهم لأن غيرهم أفضل منهم أو أحق منهم بالإكرام والإنعام - لا - فما بسطت الدنيا للكفرة لأنهم خير من المسلمين ولكن كما قال - جل وعلا - (وَلا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَيرٌ لأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوا إِثماً وَلَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ) و ما كانت الدنيا لتطوى عن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - و عن صحبه الكرام وتبسط علينا هذا البسط لانا خير منهم نعوذ بالله أن نكون ممن أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها.
أيها المسلمون أن معرفة حقيقة الحياة الدنيا و منزلتها عند المولى جل جلاله يحمي المرء من أن يعمل لها أو ينشغل بها لو علم المسلم حقيقة الدنيا وحقارتها لما عادى فيها أحدا من المسلمين ولما حسد أحدا أو حقد على أحد أو قاتله أو أبغضه وما ترون في انتشار السحر والسحرة والحقد والحسد والتباغض والتانفر والتحاسد والتفاضل أحيانا مرده إلى عدم معرفة حقيقة الحياة الدنيا وإلا كيف يغتر مغتر بما منح أهل الكفر من خيرات وخضرة ومياه ليغفل عن ما هو أهم من كل ذلك حلاوة الإيمان وبرد اليقين ولذة المناجاة لرب العالمين - كيف يذهب المسلم إلى كاهن أو عراف أو ساحر لينال قلب فلانة أو فلان أو يوقع العداوة بين فلان وفلان ليلج النار من اجل دنيا قد لا يتمتع بها إلا قليلا وقس على هذا كل من كانت الدنيا أكبر همه و مبلغ معلمه ولا يذكر الله إلا قليلا وعليها ومن أجلها يحب ويعادي يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل
إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر
غضب لكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر
وما أكثر هؤلاء في زماننا هذا يفقد دينه كله أو بعضه فلا يحس ولا يدرك من أمره شيئا وترتفع الأسهم ريالا أو تنخفض ريالا فيصاب بأزمة قلبيه ربما مات بها أو كاد.
لقد كان فراش حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - من أدم وحشو الليف يقول ابن عمر كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من الأنصار فسلم عليه ثم أدبر الأنصاري فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أخا الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة فقال صالح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يعوده منكم فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السباخ حتى جئناه فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه
ثم تأمل ما رواه الترمذي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصفة حتى يقول الأعراب هؤلاء مجانين أو مجانون فإذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف إليهم فقال لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة.
وعن عمرو بن عوف الانصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين فقالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم متفق عليه.
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال (قد أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه) رواه مسلم وصدق الله - تعالى -إذ يقول (فَأَعرِض عَن مَن تَوَلَّى عَن ذِكرِنَا وَلَم يُرِد إِلاَّ الحَيَاةَ الدٌّنيَا (29) ذَلِكَ مَبلَغُهُم مِن العِلمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِمَن اهتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ لِيَجزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجزِيَ الَّذِينَ أَحسَنُوا بِالحُسنَى)
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد