ر
بسم الله الرحمن الرحيم
فعندما نعرف الله في الرخاء، ونعرِّف الناس بالدين الصحيح، وبالسنة والبدعة، ولو أن العلماء من أهل السنة عموماً عندما كانوا يعيشون في الرخاء عرَّفوا الناس بخطر التشيع والرافضة الذين دائماً وعلى مرِّ التاريخ يقفون مع أعداء الإسلام في كل موقف، ولو اغتنموا تلك الفرصة وحذروا من أولئك لكان الأمر على خلاف ما هم عليه من الوضع الآن، ولو أن العلماء والدعاة إلى الله يغتنمون ما في أيديهم وما في حوزتهم من علم وإمكانيات مادية أو معنوية في نشر العلم والفهم والمنهج السليمº لما رأيت الأمة تتخبط في مثل هذه التخبطات، ولكن جهود وطاقات وأموال تصرف في غير طائل وغير نفع، وأموال عظيمة تصرف في أشياء ليست هي صلب العلم ولا لبه، وليست هي من العلوم النافعة والواجبة التي تجب على المسلمين أن يتعلموها، تصرف أموال في أشياء أخرى أكثر ما يقال فيها إنها جائزة وعلى أحسن الأقوال مستحبة، خلافاً لبعض العلماء الذي يقول في بعضها إنها محرمة أو مكروهة، فيجب علينا أن نعرف الله في الرخاء ليعرفنا في الشدة.
وفي مثل هذه الأيام فرصة أيضاً ينبغي لنا أن نتكلم عما يدور في الساحة من مذاهب وأفكار قبل أن يأتي يوم تكمم الأفواه، فيتحدث المسلم بالحق اليوم عن الوضع فإذا لقي الله - تعالى- يلقاه وقد بيَّن للناس ما نزل إليهم، وبيَّن للناس حقيقة الأمور، وقد أزال من ربقته اللعنة إن لم يفعل ذلك ((إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيهِم وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))(159-160: سورة البقرة).
قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: (إِذَا سَأَلتَ فَاسأَل اللَّهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِن بِاللَّهِ) ولا يعني هذا أن نترك الأسباب الصحيحة، وعندما نسأل الله - تعالى- فإننا نأتي بالأسباب من مطعم حلال، ومشرب حلال، وملبس حلال، ونتخير أوقات الدعاء، الدعاء الذي ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم، ونتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى، وتكون الدعوة صالحة وعامة، وهكذا فالله - تعالى- يستجيب لنا دعاءنا ( إِذَا سَأَلتَ فَاسأَل اللَّهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِن بِاللَّهِ)) واحذر أن تستعين بأشياء أو بأمور تحارب وتضاد الله - تعالى- في أمره.
وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -:(جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ) فما علينا إلا أن نستقيم (جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ) ما وقع وما قدره الله فسيقع بمجالسنا، ومهما تغيرت ألواننا فإن ما قدره الله - تعالى- سيقع، فلا بد أن نكون كما أمرنا الله ظاهراً وباطناً في الشدة وفي الرخاء، في العسر وفي اليسر، حاكمين أو محكومين، وأن نبين للناس حكم الله - عز وجل - وشرع الله - عز وجل -، وهدي الله - عز وجل -، والدين الذي أنزله الله - تعالى-.
قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَاعلَم أَنَّ فِي الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيراً كَثِيراً، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً ) فهذه حقائق يحتاج لها المسلمون اليوم، ويحتاج لها الدعاة بل هم في أمسِّ الحاجة إليها، فإنه كلما أحاطت بهم الأمور، وكلما تكاشفت وتعددت الأحزاب المنحرفة عليهمº كلما أحسوا بالخطورة، فيبدأ التنازل، ولكن ((وَاعلَم أَنَّ فِي الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيراً كَثِيراً، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ)) وكلما ازداد الكرب فالفرج من خلاله ينبع منه قال - تعالى-: ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ, مِن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرٌّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ))(51-52: سورة المائدة) وعسى من الله واجبة كما يقول أهل العلم.
يقول - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ )) انظروا إلى هذا الكلام البليغ، فإن الصبر نصف الدين، ويرجع إليه معظم أمور الدين، وإذا كان عن إجابة الدناءة وشراهة النفس يسمى الصبر شرف النفس، وضده الدنيء الشره الذي لا يبالي ما وقع في يده من دينار أو درهم، وحلال أم حرام، وإذا كان الصبر عن زخرف الحياة الدنيا وزينتها فإذا بالحياة الدنيا تناديه وتتزخرف له ليتراجع عن دينه لا ليستعين بها على طاعة الله، والمؤمن يقول: يا دنيا غري غيري فإني طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا، فيسمى والحالة هذه زاهداً، وهو الصبر أصلاً، وإذا كان الصبر عن إجابة داعي الانفعال والغضب والتعجل يسمى حِلماً، وهكذا ما أكثر ما يصيبنا في هذه الأيام من العجلة والتهور عندما نرى منكرات، أو عندما نرى من هذه الأمور الباطلة فنسعى لإزالتها بطرق ربما لا يزيدها إلا ثباتاً ورسوخاً، فلهذا يسمى هذا النوع من الصبر حلماً، وإذا كان الصبر عن إجابة داعي الطيش يسمى صاحبه وقوراً، وإذا كان عن إجابة داعي الجبن يسمى صاحبه شجاعاً، فإذا جبن عن قول الحق عن الأمر بالمعروف وعن النهي عن المنكر يسمى جباناً، وضده الشجاعة، ولكن الشجاعة أيضاً هي وسط بين التهور وبين الجبن، وإذا كان الصبر عن إجابة داعي الانتقام والانفعال يسمى عفوّاً قال تعالى: ((وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى ))(237: سورة البقرة)، وقد جاء ((عَن ابنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ عَوفٍ, وَأَصحَاباً لَهُ أَتَوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ, وَنَحنُ مُشرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرنَا أَذِلَّةً!!، فَقَالَ: إِنِّي أُمِرتُ بِالعَفوِ، فَلَا تُقَاتِلُوا!! فَلَمَّا حَوَّلَنَا اللَّهُ إِلَى المَدِينَةِ أَمَرَنَا بِالقِتَالِ فَكَفٌّوا، فَأَنزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (( أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُم كُفٌّوا أَيدِيَكُم وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ))(رواه النسائي)، وأبلغ الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وهكذا إذا كان الصبر عن إجابة داعي البخل يسمى الصبور جواداً، وإذا كان عن إجابة داعي الكسل يسمى عادلاً، وإذا كان عن إجابة داعي الخيانة يسمى أميناً، فلهذا يتبين لنا أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ )) أننا إذا صبرنا فيكون الصبر على جميع أوامر الله، ولا نرتكب ما حرم الله، ونصبر عن إجابة داعي الزنا، وعن إجابة داعي البخل والظلم، فإذا صبرنا فإن الله ينصرنا قال - تعالى-: ((وَإِن تَصبِرُوا)) ثم قال: ((وَتَتَّقُوا)) أي تتقوا الله ولم يقل: تتقوا الله في كذا ولكن قال: ((وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا)) فيشمل جميع أنواع التقوى، ونستقيم على أمر الله كما قال بعض السلف في تفسير التقوى: \"أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تبتعد عن ما حرم الله على نور من الله تخشى عقاب الله\".
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفهم في دينه، والعمل بكتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد