والنصر آت ... ولكنكم تستعجلون ...


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لما سُقت خبراً عن حاملة لواء الصليب، وأثار ذلك الخبر ما أثار من غَيظ القلب، وكَمَد الصدر، وحُرقة النفس، فجاءت الكلمات تُـعـبِّـر عن نفثات مصدور !

لما كان ذلك جاءتني رسالة عتاب رقيق مَفَادها:

لماذا شغلت نفسك بلعن الكفّار؟

وهل كان ذلك من هَدي النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

أو كان ذلك من ردود أفعال أصحابه - رضي الله عنهم -؟

وكان مما تضمنته رسالة العتاب: (إني لأحسب لو ناديت : \" حيّ على الجهاد \" لهبّ خَلفك أُناس تتلهّف نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله وإلى ساحات الوغى)

 

فقلت وأقول:

أولاً: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لعن الكفار وسبّهم.

فقال يوم الخندق: ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس. رواه البخاري ومسلم.

وقال أيضا: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا، أو قال: حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا. رواه البخاري ومسلم.

وجاء عمر بن الخطاب يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسبّ كفار قريش. رواه البخاري ومسلم.

 

وثبت عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يدعو بهذا الدعاء في القنوت: اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين. رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي.

وقال عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: ما أدركت الناس إلا وهم يَلعنون الكَفَرة في رمضان.

وسبّ الكفار قُربة وطاعة إلا إذا أفضى إلى مفسدة، كما في قوله - تعالى -: (وَلا تَسُبٌّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبٌّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ,)

وقد نقم المشركون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يَعيب دينهم وآلهتهم!

فقد قالت قريش لأبي طالب: يا أبا طالب بن أخيك يشتم آلهتنا، يقول ويقول، ويفعل ويفعل، فأرسِل إليه فانهه. رواه الإمام أحمد وغيره.

قال الحافظ ابن حجر: الكفار مما يُتقرّب إلى الله بسبِّـهم. اهـ.

وثانياً: أما قول المعاتِب: لو ناديت \" حي على الجهاد \" فأقول: لست خيالياً، ولا آيسا أو مؤيِّساً!

ولست من يقول: هلك الناس!

ولا ممن يقول:

اكسر مجدافك

ولكني أحب أن أكون واقعياً

فلو نظرنا نظرة سريعة لصفوف الناس في صلاة الفجر لعلِمنا قدر الدِّين في نفوس الناس.

وصلاة الفجر هي مقياس الإيمان

وإني لأخرج إلى صلاة الفجر فأتوهّم أن الحي مهجور!

والله يشهد أني أخرج إلى صلاة الفجر في بعض الأيام فلا أرى أحداً يمشي إلى صلاة الفجر، وربما رأيت الرجل أو الرجلين!

فكيف نطمع في النصر على العدو وهذا حالنا مع صلاتنا؟

لا يُصنـع الأبـطـال إلا *** فـي مساجدنـا الفِسـاح

فـي روضـة القـرآن فـي *** ظل الأحاديـث الصحـاح

شعـب بغـيـر عقـيـدة *** وَرَقٌ يُـذّرِّيِـه الـريـاح

من خان \" حي على الصلاة\" *** يَخون \" حي على الكفاح \"

كيف نطمع في النصر ونحن لم نكسب الجولة الأولى مع العدو المبين؟

كيف نُريد النصر وأكثر الناس يسهرون على ما حرّم الله ثم لا يُصلّون الفجر؟!

كيف.. وكيف.. ؟

ونحن نرى أن اهتمام الناس بدنياهم أضعاف أضعاف اهتمامهم بدِينهم

بل لا يُكاد يُذكر الاهتمام بالدِّين إلى جانب الاهتمام بالدنيا

لننظر إلى حال الناس عند بداية يوم دراسي!

أو مساهمة مالية ولو كانت محرّمة

كيف يتهافت عليها الناس

وكيف يزدحمون عليها

وما مدى إقبالهم عليها غير آبهين بحلال أو حرام

وكيف نرى إقبال الناس على التخفضيات! وعلى اغتنام الفُرص واستغلالها

وهم قد أعرضوا عن فرص الآخرة إلا من رحم الله

ولا ترى من يرفع بالدِّين رأساً إلا القليل

فالله المستعان

 

أكرر:

لست آيسا ولا قانطاً، فالنصر قريب ولكننا نستعجل النصر قبل انتصارانا على شهواتنا وحظوظ أنفسنا

جاء خباب بن الأرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قال: قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟

قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يَصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون. رواه البخاري.

هكذا نحن.. نستعجل

نُريد قطف الثمرة قبل نضجها

نريد النصر قبل أن ننتصر في أول خطوة

نريد التمكين ولم نُحقق الإيمان

نريد أن ينصرنا الله ولم ننصر دينه

(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم)

 

\" ولكنكم تستعجلون \"

روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنـهما قالا في قوله - تعالى -: (قَد أُجِيبَت دَّعوَتُكُمَا): كان بينهما أربعون سنة. وقال ابن جريج: يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة.

قال مرزوق العجلي: دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي، ولم أيأس منها!

والنّصر آتٍ,، ولكنه يحتاج إلى انتصار على الأنفس والشهوات.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply