هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الَّذي أقام في أزمنة الفترات من يكون ببيان سنن المرسلين كفيلا، واختصَّ هذه الأمَّةَ بأنَّهُ لا تزال فيها طائفةٌ على الحقِّ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتَّى يأتي أمره، ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلا، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بنور الله أهل العمى ويحيون بكتابه الموتى.

والصَّلاةُ والسَّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معلِّم الخير، وعلى آله وصحبهِ، متَّبعي الخير.

 

أمَّا بعدُ:

فقد قال الله - تعالى -في محكم التَّنزيل: (هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)

قال ابنُ كثير (2/ 460) - رحمه الله - تعالى-: (فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع ودين الحق هي الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة)

وقال (4/209): (فالهدى هو العلم النافع ودين الحق هو العمل الصالح)

قال ابن حِبَّانَ - رحمه الله - تعالى- في كتابه المجروحينَ (12) عند حديث النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (يتقاربُ الزَّمانُ، وينقصُ العلمُ، وتظهرُ الفِتَنُ، ويكثرُ الهرجُ. قيل يا رسولَ الله: أَيمَ هو ؟ قال: القتلَ القتلَ)

: (في هذا الخبرِ كالدَّليلِ على أنَّ ما لم ينقص من العلمِ ليس بعلمِ الدِّينِ في الحقيقةِ إذ أخبرَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنَّ العلمَ ينقصُ عند تقاربِ الزَّمانِ.

وفيه دليلٌ على أنَّ ضِدَّ العلمِ يزيدُ وكلٌّ شيءٍ, زاد مِمَّا لم يكن مَرجِعُهُ إلى الكتاب والسٌّنَّةِº فهو ضِدٌّ العلمِ)

قال شيخُ الإسلامِ ابن ُتيميَّةَ في الفتاوى(17/41): (لمَّا فُتِحتِ الإسكندرية وُجِدَ فيها كتبٌ كثيرةٌ من كتب الرٌّومِ، كتبوا فيها إلى قال عمر-رضيَ اللهُ عنهُ- فأمر بها أن تحرقَ، وقال: حسبنا كتابُ اللهِ)

قال الغزَّاليٌّ في المستصفى (3): (ثُمَّ العُلُومُ ثَلاثَةٌ: عَقلِيُّ مَحضٌ لا يَحُثٌّ الشَّرعُ عَلَيهِ وَلا يَندُبُ إلَيهِ كَالحِسَابِ وَالهَندَسَةِ وَالنٌّجُومِ وَأَمثَالِهِ مِن العُلُومِ فَهِيَ بَينَ ظُنُونٍ, كَاذِبَةٍ, لا ثقَةَ بِهَا، وَإِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إثمٌ ; وَبَينَ عُلُومٍ, صَادِقَةٍ, لا مَنفَعَةَ لَهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِن عِلمٍ, لا يَنفَعُ وَلَيسَت المَنفَعَةُ فِي الشَّهَوَاتِ الحَاضِرَةِ وَالنِّعَمِ الفَاخِرَةِ فَإِنَّهَا فَانِيَةٌ دَائِرَةٌ، بَل النَّفعُ ثَوَابُ دَارِ الآخِرَةِ)

قال شيخُ الإسلامِ ابن ُتيميَّةَ في الفتاوى(27/390): (لكن المقصود أن يُعرفَ أنَّ الصَّحابةَ خيرُ القرونِ وأفضلُ الخلقِ بعد الأنبياءº فما ظهر فيمن بعدهم مِمَّا يُظنٌّ أنَّها فضيلةٌ للمتأخِّرينَ، ولم تكن فيهم فإنَّها من الشَّيطانِ، وهي نقيصةٌ لا فضيلةٌ، سواءٌ كانت من جنسِ العلوم أو من جنس العبادات أو من جنس الخوارق والآيات أو من جنس السِّيَاسةِ والملكº بل خير النَّاس بعدهم أتبَعُهم لهم)

 

سبب عدم قَبُولِ الحقِّ:

قال ابن القيِّمِ - رحمه الله - تعالى- في إغاثَةِ اللَّهفانِ (1/55): (إنَّ العبدَ إذا اعتادَ سماعَ الباطلِ وقَبُولَهُ أكسبه ذلك تحريفًا للحقِّ عن مواضعِهِ، فإنَّهُ إذا قَبِلَ الباطِلَ أحبَّهُ ورَضِيَهُº فإذا جاء الحقٌّ بِخِلاَفِهِ ردَّهُ وكذَّبَهُ إن قَدِرَ على ذلكَ، وإلاَّ حرَّفَهُ)

وقال - رحمه الله - تعالى- في مفتاحِ دار السَّعَادةِ (2/122): (فإذا امتلأ القلب بالشٌّغلِ بالمخلوق، والعلوم الَّتي لا تنفعُ لم يبقَ فيه موضعٌ للشٌّغلِ بالله ومعرفةِ أسمائِهِ، وصفاتهِ، وأحكامهِ.

وسرٌّ ذلكَ إن إصغاءَ القلبِ كإصغاءِ الأُذُنِº فإذا أصغى إلى غيرِ حديثِ اللهِ لم يبقَ فيهِ إصغاءٌ ولا فهمٌ لحديثهِº كم إذا مال لغيرِ محبَّةِ الله لم يبقَ فيه ميلٌ إلى محبَّتِهِ. )

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا وسلَّمَ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply