الجوع وخشونة العيش


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

* عن ابن سيرين قال: إن رجلاً قال لابن عمر: اعمَلُ لك جوارش. قال: وما هو؟ قال: شيء إذا كظك الطعام فأصبت منه سهل قال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذلك أن لا أكون له واجداً، ولكني عهدت قوماً يشبعون مرة ويجوعون مرة.

 

* قال الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهداً ازدريته متبذلاً كأنه خربندج ضل حمارَه وهو مغتنم.

 

* عن أبي سعد قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر غليظاً كأنه حمال، وقيل: كان على سمت أبيه في عدم الرفاهية.

 

* عن أبي حمزة السكري قال: ما شبعت منذ ثلاثين سنة إلا أن يكون لي ضيف.

 

* عن إبراهيم بن أدهم قال: أخاف أن لا أؤجر في تركي أطايب الطعام، لأني لا أشتهيه، وكان إذا جلس على طعام طَيبٍ, قدم إلى أصحابه وقنع بالخبز والزيتون.

 

* عن أبي حمدون الطيب بن إسماعيل يقول: ذهبنا إلى المدائن على شعيب بن حرب، وكان قاعداً على شط دجلة، قد بنى له كوخاً، وخبز له معلق في شريط، ومطهره، يأخذ كل ليلة رغيفاً يبله في المطهرة، ويأكله، فقال بيده هكذا، إنما كان وعظماً، فقال: أرى هنا بعد لحماً، والله لأعملن في ذوبانه حتى أدخل إلى القبر وأنا عظام تتقعقع، أريد السمن للدود والحيات؟ فبلغ أحمد قوله، فقال: شعيب بن حرب حمل على نفسه في الورع.

 

[وليس ذلك الصنيع من هذي سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، الذي كان يستعيذ من الجوع، ويقول: إنه بئس الضجيع، ويأكل ويشرب من الأطايب وما قاربها مما تيسر له، ويتعاطى الأدوية التي يصح بها الجسم، ويأمر بذلك أصحابه، وينكر على من يصوم الدهر، ويقول الليل كله، ويعرض عن الزواج، ويقول: (إني أخشاكم لله وأتقاكم له أما إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي، فليس مني)].

 

* أبو عوانة الإسفراييني: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرة، فأدخلت يدي فتقيأتها.

 

* رواها ابن أبي حاتم عن الربيع، وزاد: لأن الشبع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة النوم، ويضعف عن العبادة.

 

* ابن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: أصل كل خير الخوف من الدنيا، ومفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع.

 

* سمعت أبا سليمان الداراني يقول: قدم إلي أهلي مرة خبزاً وملحاً، فكان في الملح سمسمة، فأكلتها، فوجدت رانها على قلبي بعد سنة.

 

* قال أبو بكر المروزي: سمعت بشر بن الحارث يقول: الجوع يصفي الفؤاد، ويميت الهوى، ويورث العلم الدقيق.

 

* وعن بشر بن الحارث قال: المتقلب في جوعه كالمتشحط في دمه في سبيل الله.

 

* وعن بشر بن الحارث: لا يفلح من ألف أفخاذ النساء.

 

* قال عبد الله بن خبيق: سمعت شعيب بن حرب: أكلت في عشرة أيام وشربت شربة.

 

* أبو إسحاق الجوزجاني، قال: كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق، فسها، فسأل عنه عبد الرزاق، فأخبر أنه ما أكل منذ ثلاثة أيام شيئاً.

 

* عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر، ينقض الغبار عنها، و يصيرها في قصعة، ويصيب عليها ماء ثم يأكلها بالملح. وما رأيته اشترى رماناً ولا سفرجلاً ولا شيئاً من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخير وعنباً وتمراً.

 

* وقال أحمد بن حنبل لي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلاً دقيقاً، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا، وكنا إذا اشترينا الشيء نستره عنه كي لا يراه فيوبخنا، وكان ربما خبز له، فيجعل في فخارة عدساً وشحماً وتمرات شهريز، فيجيء الصبيان، فيصوت ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون، وكان يأتدم بالخل كثيراً.

 

* ذكر المروذي عن أحمد، أنه بقي بسمراس ثمانية أيام، لم يشرب إلا أقل من ربع سويق.

 

* قال أبو زرعة: ما رأيت بمصر أصلح من محمد بن عمرو الغزي. وكان يأتي عليه ثمانية عشر يوماً لا يأكل فيها ولا يشرب.

 

* وقال إبراهيم بن أبي أيوب: حدثنا محمد بن عمرو - وكان يأكل في شهر رمضان أكلتين - سمعت عمر بن حفص الأشقر قال: كنا مع البخاري بالبصرة نكتب، ففقدناه أياماً، ثم وجدناه في بيت وهو عريان، وقد نفذ ما عنده، فجمعنا له الدراهم، وكسوناه.

 

* سمعت الجنيد يقول: ما أخذنا التصوف عن القال والقيل، بل عن الجوع، وترك الدنيا، وقطع المألوفات.

 

قال الذهبي: هذا حسن ومراده: قطع أكثر المألوفات، وترك فضول الدنيا، وجوع بلا إفراط. إما من بالغ في الجوع كما يفعله الرهبان، ورفض سائر الدنيا، ومألوفات النفس، من الغذاء والنوم والأهل، فقد عرض نفسه لبلاء عريض، وربما خولط في عقله، وفاته بذلك كثير من الحنيفية السمحة، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، والسعادة في متابعة السنن، فَزِنِ الأمور بالعدل، وصم وأفطر، ونم وقم، والزم الورع في القوت، وارض بما قسم الله لك، واصمت غلا من خير، فرحمة الله على الجنيد، وأين مثل الجنيد في علمه وحاله؟

 

* سمعت الفرغاني، يقول: دخلت دير طور سيناء فأتاني مطرانهم بأقوام كأنهم نشروا من القبور. فقال: هؤلاء يأكل أحدهم في الأسبوع أكلة (يفخرون بذلك)، فقلت: كم صبر كبيركم هذا؟ قالوا: ثلاثين يوماً. فقعدت في وسط الدير أربعين يوماً لم آكل ولم أشرب. فخرج إلي مطرانهم وقال: يا هذا قم، أفسدت قلوب هؤلاء فقلت: حتى أتم ستين يوماً، فألحوا فخرجت.

 

[لا يعقل أن يبقى الإنسان حياً إذا امتنع أربعين يوماً عن الطعام والشراب، وقد شاهدنا في عصرنا غير واحد قد صام أربعين يوماً عن الطعام دون الشراب طلباً للاستشفاء، وتحت إشراف الأطباء، وسواء أصحت هذه الحكاية أم لم تصح، فليس هذا ما يحمده الإسلام ويرغب فيه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ويفطر].

 

* وحكى أبو حيان التوحيدي، قال:رأيت المعافى بن زكريا قد نام مستدير الشمس في جامع الرصافة في يوم شأت، وبه من أثر الضر والفقر والبؤس أمر عظيم مع غزارة علمه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply