كيف تطيل عمرك بالحسنات؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

 

أما بعد: فاعلموا إخواني في الله، أن هدف المسلم في الحياة  الدنيا يختلف عن غيره من الناس، فليس هدفه الأكل والشرب وقضاء  الشهوة كما هو حال الحيوان والكفار، ولكن هدفه أن يعبد الله الذي خلقه، وأن يستغل حياته ووقته في الأعمال الصالحة، وبمصطلح تجاري أدق أن يجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات في هذه الحياة قبل حلول الأجل، والانتقال من هذه الدار، لينال  رحمة الله ورضوانه، ولترتفع درجته في جنات النعيم...

ولكن المشكلة الكبرى التي تواجهنا هي أن حياتنا محدودةٌ ومعدودةٌ بسنواتٍ, وأيام، بل بثوان ولحظات لا نستطيع أن نزيد فيها لحظة واحدة، فعمرنا قصير مقارنة بأعمار الأمم السابقة التي كانت تعمر مئات السنين، كان أحدهم يعيش 100 سنة أو أكثر إلى 1000 سنة، أما هذه الأمة فأعمارها كما قال نبيها -صلى الله عليه وسلم- : (أَعمَارُ أُمَّتِي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبعِينَ، وَأَقَلٌّهُم مَن يَجُوزُ ذلِكَ) حديث حسن رواه الترمذي.

 

أخي في الله: خبرني بربك: كم من الطاعات والحسنات تكسِب كل يوم؟ مئات، أم آلاف، أم ملايين، أم بلايين، أم مليارات؟!! وكأني بك تقول في الجواب: الله أعلم، نعم الله أعلم، لكنك أنت أيضا تعلم إذا كنت قريبا من ربك اليوم أم كنت بعيدا؟ وتعلم إذا كنت أكثرت من الحسنات اليوم أم أقللت؟ كل ذلك تعرفه.

 

أخي: هل لك أن تخبرني بالطاعات التي تتقرب بها إلى الله -تعالى- يوميا؟

ولو أُذن لك بالكلام الآن لقلت ولصدقت: أصلي الصلوات الخمس، مع السنن الرواتب، وأحيانا أقرأ ما تيسر من القرآن، أو أعود مريضا، أو أشيع ميتا، أو أرد سلاما، أو أشمت عاطسا، أو أساعد محتاجا، أو أنفس عن مسلم كُربة، أو ألبي دعوة، أو أصوم لله يوما، أو أزور أخا، هذا هو برنامجي اليومي، أما برنامجي السنوي فأصوم شهر  رمضان، وأخرج  الزكاة إن كنت غنيا، وأحج بيت الله الحرام مرة في العمر إن كنت مستطيعا، والسلام....

 

أخي: هل تظن أن هذه الطاعات والحسنات تمحو السيئات الصغيرة والكبيرة التي تقترفها يوميا بلسانك وسمعك وبصرك ويدك ورجلك، إن لم نقل وبفرجك أيضا؟

وهل تظن أن هذه العبادات تؤهلك لنيل الدرجات العلا في  الجنات؟!

أخي: ما العمل الذي امتزت به عن إخوانك المسلمين ونافستهم فيه وزدت عليهم بالدرجات العلا في  الجنات؟.

أخي إن النتيجة المرة التي سمعتها في الجمعة الماضية وهي أن 22 ساعة تذهب يوميا من حياتك بين اتصالات وتنقلات وزيارات ولقاءات وترفيهات وأخبار وعمل وأكل وشرب ونوم وراحة ولهو، وهي تساوي من عمرك الافتراضي 64 سنة، وأنه ما بقي لك يوميا إلا 2 ساعتين للصلاة، أي ما معدله 6 سنوات وهي التي بقيت لك من السبعين سنة، ومع ذلك تريد أن تدخل بها جنة عرضها السموات والأرض....

إذاً لم يبق أمامك أخي إلا أن تبحث عن أعمال شرعية تطيل بها عمرك، وتضاعف بها من حسناتك في هذا العمر القصير الذي ضاع أكثره في الأمور الدنيوية كما سمعت  الجمعة الماضية.

وفي هذه  الخطبة التي لا غني لمسلم عنها، سنتكلم بمشيئة الله -تعالى- عن مفهوم إطالة العمر، وعن بعض الأعمال المطيلة للأعمار، ثم كيفيةِ المحافظة على الطاعات والحسنات من محبطات الأعمال، فأقول وبالله التوفيق:

 

أما مفهوم إطالة العمر:

فقد جاء ذكره في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: (مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ، وَيُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَليَصِل رَحِمَهُ) متفق عليه وقد اختلفت آراء العلماء حول مفهوم إطالة العمر:

فمنهم من يري أن هذه الإطالة هي البركة في عمره والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ما يفيد، وهو رأي الإمام النووي وابن حجر -رحمهما الله-، وزاد الإمام ابن تيمية بأن البركة في العمر: أن يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا في الزمن الكثير.

ومن  العلماء من يري أن الإطالة في العمر حقيقة، فالله -سبحانه وتعالى- يكتب للعبد أجلا في صحف  الملائكة أو اللوح المحفوظ، فإذا وصل رحمه زاد عمره، وهو رأي الإمامين النووي و ابن تيمية  رحمة الله عليهما.

والآن سأدلك أخي على أعمال من خلالها يمكن أن تزيد في عمرك وحسناتك....

وأولها: أن تحتسب الأجر في كل قول وعمل تقوم به، أحتسب الأجر في نومك وأكلك وشربك وعملك تؤجر عليه إن شاء الله - تعالى -.

وثانيها: هناك أعمال كثيرة تطيل في عمرك وتزيد من حسناتك منها:

-       صلة الرحم: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: (صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي العُمُرِ) صحيح الجامع، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ، وَأَن يُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَليَصِل رَحِمَهُ) رواه  البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. وأدني درجة في  صلة الرحم هو الصلة بالسلام من خلال الهاتف، قال -صلى الله عليه وسلم- : (بُلٌّوا أَرحَامَكُم وَلَو بِالسَّلاَمِ) صحيح الجامع عن ابن عباس -رضي الله عنه-.

-       ومنها: حسن الخلق، والإحسان إلى الجار: فعن  عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (صِلَةَ الرَّحِمِ، وَحُسنُ الخُلُقِ، وَحُسنُ الجِوَارِ، يَعمُرَانِ الدِّيَار، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعمَار) صحيح الجامع. وإذا حسنت خلقك مع الناس حصلت على ثواب الصائم النهار، القائم الليل، لقولـه -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ المُؤمِنَ لَيُدرِكُ بِحُسنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصّائِمِ القَائِمِ) صحيح سنن أبي داود عن  عائشة -رضي الله عنها -.

ثالثها: زيادة الحسنات بالأعمال ذات الأجور المضاعفة:

تستطيع أخي زيادة حسناتك من خلال قيامك بأعمال صالحة ذات ثواب وأجر مضاعف، ومنها:

1-              الصلاة: وذلك بالمواظبة عليها جماعة مع الإمام في المسجد، لقولـه -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاَةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِن صَلاَةِ الفَردِ بِسَبعٍ, وَعِشرِينَ دَرَجَة) متفق عليه. فلو توفي رجلان مثلا في عمر واحد، وأحدهما تعوَّد أن يصلي الفرائض في البيت بمفرده طوال حياته، والآخر يصليها جماعة في المسجد، لكان مجموع ثواب الرجل الثاني يزيد على ثواب الأول بسبع وعشرين مرة.

2-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال خروجك من بيتك متطهرا لأداء الصلاة المكتوبة في المسجد: لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (مَن خَرَجَ مِن بَيتِهِ مُتَطَهِّراً إِلَى صَلاَةٍ, مَكتُوبَةٍ, فَأَجرُهُ كَأَجرِ الحَاجِّ المُحرِمِ) رواه أبو داود وصححه  الألباني. فالأولى بك أخي أن تخرج إلى المسجد متطهرا من بيتك، لا من حمامات المسجد، إلا لحاجة أو ضرورة.

3-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال الصلاة في الصف الأول: لقول العرباض بن سارية -رضي الله عنه- : (إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  كَانَ يَستَغفِرُ لِلصَّفِ المُقَدَّمِ ثَلاَثاً، وَلِلثَّانِي مَرَّةً) رواه النسائي وابن ماجة، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ) رواه أحمد بإسناد جيد. أما  النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن من صلاتهن في المسجد، فعن أمِّ حميد الساعدية أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبٌّ الصَّلاَةَ مَعَكَ، قَالَ: قَد عَلِمتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاَةَ مَعِي، وَصَلاَتُكِ فِي بَيتِكِ خَيرٌ لَكِ مِن صَلاَتِكِ فِي حُجرَتِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي حُجرَتِكِ خَيرٌ مِن صَلاَتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي دَارِكِ خَيرٌ لَكِ مِن صَلاَتِكِ فِي مَسجِدِ قَومِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي مَسجِدِ قَومِكِ خَيرٌ لَكِ مِن صَلاَتِكِ فِي مَسجِدِي، قَالَ: فَأَمَرَت فَبُنِيَ لَهَا مَسجِدٌ فِي أَقصَى شَيءٍ, مِن بَيتِهَا وَأَظلَمِهِ، فَكَانَت تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ -عز وجل-. رواه الإمام أحمد.

4-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين، خاصة أثناء  الحج أو العمرة، فالصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في أي مسجد آخر بمائة ألف صلاة كما أخبر بذلك  النبي فركعتان تؤديهما في المسجد الحرام لا تستغرقان منك دقائق معدودة، يضاعِفَانِ لك ثواب صلواتٍ, من المفترض أن تؤديها في [46] سنة تقريبا. ولو صليت عشر ركعات في المسجد الحرام بمكة المكرمة لا يستغرق أداؤها ثُلثي ساعة، كُتب لك ثواب [مليون ركعة] تؤديها في بلدك.

5-               وتستطيع زيادة حسناتك من خلال حرصك على صلاة النوافل في بيتك: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاَةُ الرَّجُلِ تَطَوٌّعاً حَيثُ لاَ يَرَاهُ النَّاسُ تَعدِلُ صَلاَتَهُ عَلَى أَعيُنِ النَّاسِ خَمساً وَعِشرِينَ) صحيح الجامع، عن صهيب -رضي الله عنه- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَفضَلُ صَلاَةِ المَرءِ فِي بَيتِهِ إِلاَّ المَكتُوبَةَ) متفق عليه.

6-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال صلاة الضحى: وعن فضلها يقول  النبي -صلى الله عليه وسلم- : (يُصبِحُ عَلَىَ كُلِّ سُلاَمَىَ -أي مفصل- مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ، فَكُلٌّ تَسبِيحَةٍ, صَدَقَةٌ، وَكُلٌّ تَحمِيدَةٍ, صَدَقَةٌ، وَكُلٌّ تَهلِيلَةٍ, صَدَقَةٌ، وَكُلٌّ تَكبِيرَةٍ, صَدَقَةٌ، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجَزِئُ مِن ذَلِكَ رَكعَتَانِ يَركَعُهُمَا مِنَ الضٌّحَىَ) رواه مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه-.

7-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال حضور دروس  العلم في المساجد: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن غَدَا إِلَى المَسجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَن يَتَعَلَّمَ خَيراً أَو يُعَلِّمَهُ (يَعمَلَهُ) كَانَ لَهُ كَأَجرِ حَاجٍّ, تَامّاً حَجَّتُهُ) رواه الطبراني وصححه  الألباني.

8-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال التحلي ببعض الآداب يوم  الجمعة: فعن أوس ابن أوس -رضي الله عنه-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابتَكَرَ، وَمَشَى وَلَم يَركَب، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، وَاستَمَعَ وَأَنصَتَ، وَلَم يَلغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ, يَخطُوهَا مِن بَيتِهِ إِلَى المَسجِدِ عَمَلُ سَنَةٍ,، أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) رواه أهل السنن وصححه  الألباني، ومعنى "غسَّل" أي: غسل رأسه، وقيل: أي جامع امرأته ليكون أغض لبصره عن الحرام في هذا اليوم، ومعنى "بكَّر" أي: راح في أول  الوقت، و"ابتكر" أي: أدرك أول  الخطبة.

9-              وتستطيع زيادة حسناتك من خلال الحرص على الإكثار من الحج: فقد حرص كثير من السلف الصالح على الإكثار منهما استجابة لدعوة  النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... ولَيسَ للحَجَّةِ المبرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجنَّةِ) صحيح سنن الترمذي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، وقد حج التابعي سعيد بن المسيب [40] حجة.

10-         وتستطيع زيادة حسناتك من خلال أداء عمرة في  رمضان: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (عُمرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقضِي حَجَّةً مَعِي) يعني: يعني ثواب  العمرة في  رمضان يعدل ثواب حجة مع  النبي -صلى الله عليه وسلم-. رواه  البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه -.

 

11-         وتستطيع زيادة حسناتك من خلال مساعدة فقراء المسلمين على أداء فريضة  الحج من مالك إذا كنت ميسورا، فإن الله -تعالى- يكتب لك مثل ثواب حجهم.

12-         وتستطيع زيادة حسناتك من خلال الصلاة في مسجد قباء: فعن سهل بن حنيف -رضي الله عنه-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن تَطَهَّرَ فِي بَيتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسجِدَ قُبَاءٍ,، فَصَلَّى فِيهِ صَلاَةً، كَانَ لَهُ كَأَجرِ عُمرَةٍ,) سنن ابن ماجه، وصححه  الألباني.

13-         وتستطيع زيادة حسناتك إذا كنت مؤذنا أو قلت كما يقول المؤذن: قال -صلى الله عليه وسلم-: (...وَالمُؤَذِّنُ يُغفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوتِهِ، ويُصَدِّقُهُ مَن سَمِعَهُ مِن رَطبٍ, وَيَابِسٍ,، وَلَهُ مِثلُ أَجرِ مَن صَلَّى مَعَهُ) صحيح سنن النسائي عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-. فلو كنت في مسجد فيه مائة مصل مثلا، وكنت مؤذنا أو مجيبا للأذان، فلك ثواب مائة مصل فضلا عن صلاتك، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-  أَنَّ رَجُلاً قال: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ المُؤَذِّنِينَ يَفضُلُونَنَا، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (قُل كَمَا يَقُولُونَ، فإِذَا انتَهَيتُ فَسَل تُعطَهُ) صحيح سنن أبي داود. أي يتقبل الله منك  الدعاء.

14-         وتستطيع زيادة حسناتك من خلال الإكثار من صيام النفل: ومن أهمه: صيام ستة أيام من شوال بعد  رمضان: لقول  النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صَامَ رَمَضَانَ ثم أتبَعَهُ سِتّا مِن شَوّالٍ, كَانَ كَصِيَامِ الدَّهرِ) رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-. وصيام الأيام البيض الثلاثة من كل شهر هجري: وهي 13-14-15، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ, مِن كُلِّ شَهرٍ, فَذَلِكَ صَومُ الدَّهرِ) صحيح سنن ابن ماجه عن أبي ذر -رضي الله عنه-  فإذ صمت ستة أيام من شوال، سُجِّلَ لك ثوابُ صيامِ [1] سنةٍ, كاملةٍ,، وإذا صمت ثلاثة أيام من كل شهر، سُجِّلَ لك ثوابُ صيام [1] سنةٍ, أخرى. وصيام عرفة لغير الحاج يكفر ذنوب سنتين، وصيام عاشوراء يكفر ذنوب سنة.

وتفطير الصائمين يزيد الحسنات أيضا: قال -صلى الله عليه وسلم- : (مَن فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثلُ أَجرِهِ غَيرَ أنَّهُ لاَ يَنقُصُ مِن أجرِ الصَّائِمِ شَيئاً) صحيح سنن الترمذي عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- ، فلو فطَّرت خمسا من الصائمين في كل يوم من  رمضان، لسُجِّلَ لك في نهاية  رمضان ثواب صيام [5] أشهر بدل شهر واحد.

15-         وقيام ليلة  القدر يزيد الحسنات أيضا: وهي أفضل عند الله من عبادة [1000] شهر، كما قال -تعالى-: (لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهر) أي ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة [83] عاما تقريبا.

16-         والجهاد في سبيل الله يزيد الحسنات: وهو أفضل عند الله من عبادة رجل [60] سنة، لقولـه -صلى الله عليه وسلم-: (مقام الرجل في الصف في سبيل الله، أفضل عند الله من عبادة رجل ستين سنة) رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط  البخاري، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -.  والمرابطة وحراسة يوم في سبيل الله لثغر من ثغور الإسلام، يعتبر في الأجر كصيام [1] شهر وقيامه، لقولـه -صلى الله عليه وسلم-: (مَن رَابَطَ يَوماً وَلَيلَةً فِي سَبِيلِ اللهِ كَانَ لَهُ كَأَجرِ صِيَامِ شَهرٍ, وَقِيَامِهِ،....) صحيح سنن النسائي عن سلمان الخير -رضي الله عنه-.

17-         تكرار قراءة بعض السور مثل: سورة  الإخلاص، التي تعدل ثلث القرآن، والكافرون، التي تعدل ربع القرآن، فأنت في ظل مشاغلك اليومية قد لا تستطيع ختم القرآن مرة في الأسبوع أو اليوم، ولكنك تستطيع ختمه عشرات المرات في دقائق معدودات لو قرأت سورة  الإخلاص عشرات المرات. فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-  أن  النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَيَعجِزُ أَحَدُكُم أَن يَقرَأَ فِي لَيلَةٍ, ثُلُثَ القُرآنِ؟ "قَالُوا: وَكَيفَ يَقرَأُ ثُلُثَ القُرآنِ؟ قَالَ: (قُل هُوَ الله أَحَدٌ)(تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ) رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم- : (قل يا أيها الكافرون)(تعدل ربع القرآن) أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، عن ابن عمر -رضي الله عنه-.

18-         والذكر المضاعف بحر عظيم من الحسنات، غفل عنه كثير من المسلمين اليوم، رغم سهولة قوله، ومن أنواعه:

التسبيح المضاعف: فعن جويرية أم المؤمنين -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  خَرَجَ مِن عِندِهَا بُكرَةً حِينَ صَلَّىَ الصٌّبحَ، وَهِيَ فِي مَسجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَىَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا زِلتِ عَلَىَ الحَالِ الَّتِي فَارَقتُكِ عَلَيهَا؟) قَالَت: نَعَم، فَقَالَ النَّبِيٌّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ,، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ,، لَو وُزِنَت بِمَا قُلتِ مُنذُ اليَومِ لَوَزَنَتهُنَّ: سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، عَدَدَ خَلقِهِ، وَرِضَا نَفسِهِ، وَزِنَةَ عَرشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) رواه مسلم. أي أنها لو قالت هذه الكلمات ثلاث مرات لكان ثوابها أكثر من ثواب ما أجهدت نفسها بالساعات الطوال في  ذكر الله -تعالى -.

والاستغفار المضاعف يزيد الحسنات: فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنِ استَغفَرَ لِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤمِنٍ, وَمُؤمِنَةٍ, حَسَنَةً) رواه الطبراني وإسناده جيد. فتخيل أخي: أنك باستغفارك للمؤمنين والمؤمنات، تنال كل يوم مليار حسنة، باعتبار أن عدد المسلمين اليوم أكثر من مليار و 200 مليون مسلم، منهم مليار موحِّد مؤمن بالله -تعالى-، وإذا أضفت إليهم الأموات فأكثر وأكثر، فلا تتردد أخي أن تدعو للمسلمين قائلا: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

19-         وقضاء حوائج الناس يزيد الحسنات: فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (...وَلأَن أَمشِي مَعَ أَخِي المُسلِمِ فِيِ حَاجَةٍ, أَحَبٌّ إِلَيَّ مِن أَن أَعتَكِفَ فِي هَذَا المَسجِدِ شَهرًا) أي مسجد المدينة، رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع. فثواب قضائك لحاجة أخيك المسلم تعدل ثواب من يعتكف في المسجد النبوي ل ذكر الله لمدة [1] شهر.

 

رابعها: تستطيع زيادة حسناتك من خلال أعمال يجري ثوابها إلى ما بعد الممات:

أخي: إن صلاتك وصيامك وحجك وعمرتك وقضاءك لحوائج الناس سينقطع ثوابها بموتك، فعليك أن تبحث عن أعمال يجري ثوابها لك ولو مت، ومن أهم هذه الأعمال:

أولا:  الموت في  الرباط:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (كلٌّ ميِّتٍ, يُختَمُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللهِ، فإنَّهُ يُنَمَّى لهُ عَمَلُهُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، وَيَأمَنُ فِتنَةَ القَبرِ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه-.

ثانيا:  الصدقة الجارية:

كالوقف الخيري، وحفر الآبار، وبناء الملاجئ للأيتام، وغرس الأشجار، وبناء المساجد والمدارس وطباعة الكتب ووقفها لله -تعالى-، وغير ذلك من أعمال البر، كل هذا مما تستمر حسناته لك في حياتك وبعد مماتك، قال -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ: عِلمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصحَفًا وَرَّثَهُ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ، أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَو نَهرًا أَجرَاهُ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ) أخرجه ابن ماجه وحسنه  الألباني عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

ثالثا: تربية الولد على الصلاح تستمر حسناته لك في الحياة وبعد الممات:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاَثَةٍ,: وذكر منها:.... أَو وَلَدٍ, صَالِحٍ, يَدعُو لَهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

رابعا: تعليم الناس الخير من الأعمال الجاري ثوابها لك في الحياة وبعد الممات:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إَلاَّ مِن ثَلاَثٍ,: صَدَقَةٍ, جَارِيَةٍ,، أَو عِلمٍ, يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ, صَالِحٍ, يَدعُو لَهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

فأنت إذا دللت أخاك المسلم على طاعة الله أو على خير، فإنك تأخذ مثل أجره وثوابه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلَ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ لاَ يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا..) رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

خامسها: إطالة العمر باستغلال  الوقت في العمل الصالح:

أخي في الله: إذا كانت الوسيلة الأولى لإطالة العمر وزيادة الحسنات: هي احتساب الأجر في كل قول وعمل... والوسيلة الثانية لذلك: هي التحلي ب الأخلاق الفاضلة ك صلة الرحم والإحسان إلى الجار... والوسيلة الثالثة لذلك: هي المثابرة على الأعمال ذات الأجور المضاعفة كالصلاة في جماعة.... والوسيلة الرابعة: هي المبادرة للأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الممات ك الصدقة الجارية... فإن الوسيلة الخامسة: هي الاستفادة من  الوقت في زيادة العمل.

فاستغل يومك أخي بما يعود عليك نفعه، فقد كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-  يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي).

ومن حسن الاستفادة من  الوقت في وقتنا المعاصر سماع الأشرطة الإسلامية أثناء قيادة السيارة، أو أثناء عمل  المرأة في البيت، كل هذا مما يزيد في الحسنات.

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

أخيرا: بعد أن سجلت أخي في سجلك مليارات الحسنات يوميا، لابد لك أن تحافظ عليها وإلا لم تستفد شيئا، ولمعرفة ذلك لابد أن تحذر من أربعة أمور أساسية وهي:

 

1-              المعاصي و الذنوب:

فإنها من أكثر الأمور التي تحبط الحسنات، وترجح كفة السيئات، فاقتراف ذنب واحد مثل:  الزنا مثلا، أو انتهاك محارم الله، كفيل بإحباط الحسنات ولو كانت كالجبال، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لأَعلَمَنَّ أَقوَاماً مَن أُمَّتِي يَأتُونَ يَومَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ, أَمثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجعَلُهَا اللهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنثُورا) قَالَ ثُوبان: يَا رَسُولَ اللهِ! صِفهُم لَنَا، جَلِّهِم لَنَا، أَن لاَ نَكُونَ مِنهُم وَنَحنُ لاَ نَعلَمُ، قَالَ (أَمَا إِنَّهُم إِخوَانُكُم وَمِن جِلدَتَكُم، وَيَأخُذُونَ مِنَ اللَّيلِ كَمَا تَأخُذُونَ، وَلَكِنَّهُم أَقوَامٌ إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللهِ انتَهَكُوهَا) صحيح سنن ابن ماجه عن ثوبان -رضي الله عنه-.

2-              العجب والغرور بالأعمال الصالحة:

فإنها تحبط ثوابها، لأن صاحبها ظن أنه سيدخل  الجنة بعمله فقط.

لذلك على المسلم أن يعلم أن قيامه بالأعمال الصالحة هو بفضل الله وتوفيقه أولا، وألا يغتر بكثرة عمله، لأنه لا يعلم أقَبِلَ الله منه أم لا؟ والله -تعالى- لا يتقبل الأعمال الصالحة إلا من المتقين، كما قال: (إنما يتقبل الله من المتقين) المائدة 27

ويجب أن يعلم أن أعماله الصالحة كلها لا توازي نعمة واحدة من نعم الله، كنعمة البصر، كما أن هناك الكثير من عباد الله أكثر منه عملا وثوابا.

3-              الاعتداء على حقوق الناس وإيذائهم:

 بغيبةِ أو شتم أو سب أو نميمة، أو أخذِ حقوقهم بغير حقٍ, كل ذلك يسلب من الإنسان حسناته  يوم القيامة، وتعطى لمن آذاهم أو اعتدى على حقوقهم، فيأتي يوم القيامة وقد أصبح مفلسا من الحسنات، بعد أن كان لديه مليارات، وقد وصف  النبي -صلى الله عليه وسلم-  المفلسَ بأنه من يأتي  يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في  النار) رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

4-              السيئات الجارية تأكل الحسنات ولو بعد الممات: ومنها:

إغواء المسلمين وإفسادهم، كالفتوى بغير علم، وإبعاد مسلم عن الالتزام، وتوزيع أشرطة إباحية وجنسية على الأصدقاء، أو شراء دش أو إنترنت لمشاهدة الأفلام  الجنسية وليشاهدها أبناؤه من بعده.

وقد صح عن  النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (....وَمَن سَنَّ فِي الإِسلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيهِ وِزرُهَا وَوِزرُ مَن عَمِلَ بِهَا مِن بَعدِهِ مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أَوزَارِهِم شَيءٌ) رواه مسلم عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

رفحاء

-

ابو حامد الشمري

13:40:50 2021-03-04

نسيت عملا مهما جدا وقد يعدل هذا العمل كل ماقلته سابقا وهذا العمل الذي يطيل من عمرك الى قيام الساعة وهو ان يسلم على يديك اشخاص فكل اعمالهم واعمال ذررياتهم ومن اهتدوا بهم وقد يكونوا بالملايين بعد مرور سنين عديدة قد تصل الى يوم يبعثون مادامت ذريات هؤلاء موجودة