صويحبات أم زرع ( 2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرضا والصبر ... مفتاح جنتك

مازلنا مع صويحبات أم زرع نعرض مشكلاتهن وهمومهن، لعل الله ييسر لنا أمر إيجاد حل لها عن طريق قصص ذكرها لنا - سبحانه - لنساء تعرضن لمشكلات مشابهة.

فهذه أخت يبدو عليها الأسى والحزن، وكلما أرادت الابتسامة أن تعانق ثغرها أشاحت بوجهها مبتعدة عنها، فقد تعانق ثغرها مع العبوس، وأصبح صديقه الحميم، تراها فلا تكاد تصدق عمرها، فهي تبدو أكبر في شكلها وهيئتها سنوات عديدة، مشكلة ليس لها أي تدخل فيها، وأيضاً ليس لزوجها، ولكنها إرادة الله - سبحانه وتعالى - التي إن رضيت أنفسنا بها، سعدت وأسعدت من حولنا، وإن لم ترض ذبلت وحزنت القلوب، وخمدت الهمم، ولا يغير ذلك من الأمر شيئاً..

 

عقيم..

تشكو أختنا من عدم الإنجاب فهي عقيم، وقد نظرت إليَّ بعين منكسرة، قائلة: بالطبع ليس هناك حل لمشكلتي، حتى زوجة إبراهيم - عليه السلام - وزوجة زكريا - عليه السلام - انتهت مأساتهما بسعادة غامرة ببشرى الله لهما بالولد الصالح. ودفنت وجهها بين كفيها باكية منتحبة.

قلت لها: ألم تسمعي ما رواه البخاري في كتاب بدء الخلق عن عائشة - رضي الله عنها -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال لها: \"يا عائشة، هذا جبريل يقرأُ عليك السلام\" فقالت: و- عليه السلام - ورحمة الله وبركاته. ترى ما لا أرى: (تريد النبي – صلى الله عليه وسلم-.

 

قطرات الندى

وكأن الحديث نزل على قلبها كقطرات الندى على الزهرة المتعطشة. ثم قلت لها: هل رأيت قدر عائشة - رضي الله عنها-؟ هل تدرين أن السيدة عائشة لم تنجب، ولو كانت فعلت كما تفعلين، ربما ما وصلنا هذا الحديث وغيره من الأحاديث؟

فقد روت لنا السيدة عائشة - رضي الله عنها - وأرضاها، الكثير من الحكمة وتفاصيل رائعة من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. هل تدرين حبيبتي أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - توفي وعمر عائشة - رضي الله عنها - قد قارب العشرين عاماً، وليس لها أي من الأبناء أو البنات، وليس لها أن تتزوج بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؟، إن نساء النبي قد ذكرن في كتاب الله - سبحانه -، وعائشة - رضي الله عنها - وأرضاها ذكرها - سبحانه - وكانت تبرئتها من حادثة الإفك آيات تُتلى إلى يوم الدين.

فقد حُرمت السيدة عائشة - رضي الله عنها - وأرضاها من الإنجاب وهي الصغيرة الجميلة الحبيبة إلى قلب من يحب الله.. إلى قلب خليل الرحمن إلى قلب محمد – صلى الله عليه وسلم - . فهل قلل ذلك قيد أنملة من قدر السيدة عائشة - رضي الله عنها - وأرضاها؟

 

بصيص من النور:

نظرت إليَّ الأخت بعين فيها بصيص من نور الأمل، وبأذن تحب أن تسمع المزيد عن السيدة عائشة، فأهديت لها كتاباً يتحدث عن هذه الشخصية الفذة، زوجة نبينا – صلى الله عليه وسلم- ، وقلت لها: هل تحفظين حبيبتي كتاب الله؟ أجابت: بالنفي، هل قرأتِ في البخاري أو مسلم؟، أجابت بالنفي، هل تقدمين خدمة لمن حولك بعمل يصلح لك كأنثى تستفيدين فيه وتفيدين من شهادتك العليا؟، أجابت بالنفي، هل تأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر؟ أجابت بالنفي، هل وهل وهل؟، وتجيب بالنفي. قلت لها: سبحان الله، إذن أنت سجينة عند الهم، والغم، وقد ألقيت بمفتاح باب سجنك، وتركتهما ينهلان من صحتك النفسية والجسدية، وقد استسلمت لهما، وأخضعت لهما حياتك التي هي فرصتك لدخول جنات تجري من تحتها الأنهار، هي فرصتك الوحيدة للسعادة الأبدية، والتي تأمرين فيها بما تشتهين، فيجيبك الرحمن.

حبيبتي.. نحن في حاجة إلى فراغك لتسدي به نقص أخواتك المنشغلات بهمومهن مع الأولاد، ومددت يدي لها فأمسكت بها وبقوة وكأنها في بحر متلاطم يقذف بها الموج في كل مكان.

هذه الأخت الفاضلة أصبحت من أنشط الأخوات في العمل الدعوي من أجل الله، وأصبحت في انشغال متواصل لا يكاد يبقى لها وقت ليطل عليها الحزن أو حتى يقابلها الهم صدفة، وأصبحت مبتسمة الثغر، سعيدة النفس، حتى مَنَّ عليها الخالق بتقنية طبية حديثة جعلها الله سبباً لترزق بطفلة عمرها الآن قريباً من العام، ملأت عليها حياتها بفرحة وجعلت لسانها وقلبها لا يتوقفان عن حمد الله.

 

عبء الحياة.. ومرض الزوج:

ومع صويحبات أم زرع كانت أخت فاضلة كريمة تجلس في زاوية من المكان لو قُدر للحزن الذي تشعر به أن يُبسط في المكان لكساه، وعندما أباحت بسبب هذا الوجوم علمنا أن زوجها مريض منذ عدة سنوات، وهي التي تقوم بتمريضه والعناية به وتقوم على رعاية الأولاد وحمل عبء الحياة، وما أدراك ما عبء الحياة! هكذا، قالت، قلت لها مشفقة: وبالتأكيد حقوقك كزوجة مهدرة، ولأول مرة أرى في حياتي ابتسامة حزن وألم ترتسم على وجه امرأة، ففهمت بدون إفصاح، ثم قلت لها: رحم الله زوجة أيوب، فإنك تذكرينني بها، مع معافاة الله لك بكثير من ابتلاءات زوجة أيوب - عليه السلام - فأنت مازلت في سكن يؤويك وزوجك وأولادك، ومازال أولادك أحياء ولكنها - عليها السلام - ابتليت بضياع المال والأولاد وصحة الزوج، وتحملت وصبرت ورجت الله بصبرها، وقوة تحملها، وليتك تعيدين قراءة قصتها الرائعة، وتسيرين على دربها لعل الله يمن عليك بصحة الزوج وهدوء الخاطر والبال، لعل ذلك لا يطول، ولعل لقاءك مع الله لا يطول، ففي الحالتين سيجزيك الله خير الجزاء، إن تحملت مرض زوجك بصبر، فلا تقولي إلا خيراً، وارضي بما قدَّر الله لك، بلا تحسر وحزن على قديم، فلعل ثوابك الآن سيبدأ، لعل جنتك الآن تفتح، لعل قصورك الآن تبنى، لعل ملابسك في الجنة الآن تنسج مع قليل من صبر أيام معدودة ليست خالدة، فيكون خلودك في جنة أبدية، فيها السعادة والحبور، قالت: لأول مرة أشعر بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم- : رضيت بالله رباً، وقد رضيت رضيت رضيت به رباً، لم أفهم ما تقصد في أول الأمر، ولكن انعكاسات حياتها بعد ذلك، وضحت المغزى من وقولها، فقد استشعرت ما قالت وتحرك قلبها وجوارحها به، فهون الله عليها أمرها، وأعانها على أن تواجه بابتلاءها بنفس راضية مطمئنة، فجعلها الله - سبحانه - ترى المشكلة من سم الخياط، وليس من أكبر التلسكوبات، وكسبنا أختاً فاضلة، وبيتاً كاملاً مكوناً من زوج وأولاد.

تسلط الرجال: أما الأخيرة، فقد كانت تشكو من تسلط الرجال وتحكمهم في النساء في الصغيرة والكبيرة، وأخذت تشرح وتفيض في الشرح، أن هذا الرجل الذي يتسلط على أهل بيته مريض في نفسيته، وعنده كثير من العقد التي لابد أن تقابلها زوجته بمطرقة أو بسيف بتَّار يفصل هذه العقد عنه فيسهل التعامل معه، تركت أختنا تقول كل ما أرادت وأنا أسمع لها. وتلح عليَّ ذكرى هاجر - عليها السلام - وذكرى زينب بنت جحش - عليها السلام -، هي تحكي بانفعالاتها، وتسعفني ذاكرتي بصورة جميلة رائعة لامرأة صالحة مؤمنة مما يخفف عليَّ وقع كلماتها التي تلقيها على علاتها. وبعد أن فرغت قلت لها: حبيبتي إن التسلط الفوضوي مرفوض، أما التسلط التنظيمي فهو مطلوب، فإن اختلفت مع زوجك في أمر وكل من الأمرين فيه طاعة لله - سبحانه -، فقوامة زوجك إن أراد أن يُمضي رأيه تجعل في البيت نظاماً، وتبعد عنه الفوضى، وطاعتك لزوجك حباً وكرامة لله، تجعل في البيت نظاماً وتبعد عنه الفوضى فبيدك أنت فقط أن يمضي زوجك بتسلطه، أو أن تكون حياة رغدة سعيدة في طاعة الله، فإن أصررت أنت على موقفك ولم تتنازلي لزوجك طاعة لله - سبحانه - فسيصر هو على رأيه.

 

 

لين العشرة

أما إن لنت في عشرتك معه، وأمضيت ما أراد حباً لله، ثم حباً لزوجك، فسيلوح لك برأيه المودة والحب، ولن ينسى لك موقفك، فأنت من علمت زوجك التسلط، هذا أمر، وأسألك: هل أمرك زوجك أن تخرجي من بيتك، ثم حملك معه إلى الصحراء ودخل إلى قلبها ثم تركك وذهب، قالت محتدة: هذا هو ما ينقصني بالفعل، ألا يكفي ما أعانيه؟!.

قلت لها: هوِّني على نفسك حبيبتي واسألي نفس هل أنت أفضل من السيدة هاجر - عليها السلام -، قالت: سبحان الله، هل قلت ذلك؟ وبدأت تصب حدتها عليَّ وليس على تصرفات زوجها التي لا تروق لها، قلت لها بجدية: هل يُضيرك أن نتحدث قليلاً عن نساء فضليات قد مررن بتجارب لعلها تكون لك عبرة ولعلها تغيِّر لك مسار حياتك، إن اتخذتيهن قدوة فهن بالفعل أن يكن القدوة، فالسيدة هاجر أمرها إبراهيم - عليه السلام - أن تتبعه فأطاعت، وأخذها إلى صحراء ممتدة الأطراف، وتركها مع رضيع وذهب، ومما يزيد من الضغوط الملقاة على هاجر - عليها السلام - أن إبراهيم - عليه السلام - كانت له زوجة أخرى، وكان نبياً أي إن لم يعدل هو فمن يعدل! ولكنه كان لا يتحرك إلا بأمر الله، فأطاعت السيدة هاجر بالرغم من قسوة الظروف المحيطة بها، ولم يضيعها الله - سبحانه -، ويكفيها فخراً أن يجعل الرحمن من ذريتها النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم -.

قالت: إنه سيدنا إبراهيم وليس فلاناً، ذاكرة اسم زوجها.

قلت لها: وهل يمضي أمر في هذه الدنيا إلا بإذن الله! حنت عيونها لذكر الله، وهدأت قليلاً تريد الاستماع.

قلت لها: وعندما رأى موسى - عليه السلام - النار في هذه الليلة الظلماء الباردة وأمر زوجته: إذ رأى\" نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا (طه: 10).

ألم تستجب بالطاعة؟، فماذا في ذلك، فنساء ذكرن في القرآن يرضى عنهن الرحمن، أطعن فأفلحن وفزن.

 

مفتاح جنتك

اصرفي عن نفسك تفاهات الأقوال وتخلفات الأفعال، فالرقي كل الرقي في طاعة الله، الرقي كل الرقي في اتباع الصالحات، وليس ترديد أقوال الطالحات المعذبات في الأرض، بإتباع الهوى، فزوجك معه أختاه مفتاح جنتك.. معه مفتاح القصور الشامخة، والحدائق الغناء لترى قوارير الفضة والفاكهة غير المقطوعة ولا الممنوعة، لتزيني عينك بأنهار الجنة وأزهارها وظلالها، لترتدي الإستبرق وتتزيني بالذهب والفضة، لتكحلي عينيك برؤية هاجر - عليها السلام -، وامرأة موسى.

وستجدين في عبادتك تلك حلاوة وراحة وطمأنينة وسكينة عندما تنجحين في أخذ مفتاح جنتك طواعية برضا زوجك، فقد فزت في الدارين، ومن يومها كادت تغيب عنها غمامة عصبيتها وحدتها، وتضييع الأوقات وهدرها فيما لا يفيد ولا يُغني، بل وتلميحها لي أكثر من مرة أنها فعلت كذا من أجل زوجها ولن تفعل هذا لأن زوجها لم يوافق.

وليست هذه هي الخاتمة، فمادام على الأرض حياة، فإن مؤتمر أم زرع لن ينفض أبداً فستغادره نساء لتجلس نساء أخريات بهموم مختلفة، وأحزان مختلفة، وتكاد الابتلاءات تكون متشابهة، لعلنا نتذكر أو نعتبر.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply