هل أنت حقاً سعيد؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

من الأسئلة ما قد لا يكون الجواب عنها بالنفي أو الإثبات مقصوداً، بل المقصود منها تحريك الذهن الخامل أو المتخامل للتفكير فيها بما يدفع إلى اتخاذ الخطوات الصحيحة السريعة، ولأني أثرت معك ما هو من جنس هذه الأسئلة فاسمح لي أن أساعدك ـ وأنت أولى من يُساعَد ـ ببعض الحقائق لكي تعينك على أن تحسم مع نفسك ـ ولو نظرياً ـ جواب هذا السؤال، ولتحدِّد على ضوئه ما يلزمك من إجراء لإدراك المتعة والسعادة  بما بقي من شبابك.

ولعلك تسلِّم معي -أخي- بأن السعادة الأخرويَّة لا تكون إلا بإحسان علاقتك بربِّك -سبحانه-، ولعل هذا ما يجعلك تقرِّر في نفسك الصلاح والإقبال على الله بعد إنجاز أهدافك الدنيويَّة من تخرٌّجٍ, وعملٍ, وزواجٍ, وبناءِ بيتٍ, واستقرارٍ, ماليٍّ, وأُسريٍّ,...، لكني أكاد أجزم أنه يغيب عنك كليًّا أو جزئيًّا أن نفس هذا الإيمان والإقبال على الله هو سببٌ لسعادتك الآن، بل وللتوفيق في كل خططك المستقبليِّة.

وأنت إذا تأمَّلت معي آيات القرآن تبيَّن لك هذا الأمر، فتأمَّل معي في قوله -تعالى-: ((مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ))(97) سورة النحل تجد أن الحياة الطيبة أي السعيدة إنما المقصود بها سعادة الدنيا لأن الكلام عن الآخرة جاء مستقلاًّ بعدها، وقوله -عز وجل-: ((وَأَن استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُمَتِّعكُم مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ, مُسَمًّى ـ أي في الدنيا وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٍ, فَضلَهُ))(3) سورة هود، بل تكفَّل الله -تعالى- بالسعادة حتى لمن وقع عليهم الظلم واضطُرٌّوا إلى ترك بلدانهم -وهذه من أسباب التعاسة عند الكثيرين- في قوله -سبحانه-: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُم فِي الدٌّنيَا حَسَنَةً وَلَأَجرُ الآخِرَةِ أَكبَرُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ))(41) سورة النحل. وإنما أكثرت معك من ذكر الآيات لأن هذه الحقيقة تكاد تكون غائبةً حتى عن بعض العقلاء من أمثالك.

وبما أن بعض الشباب قد لا يقتنع إلا بناءً على التجرِبة فإننا ندعوهم ـ وندعوك إن كنت منهم ـ إلى البدء الجادِّ في دروب الاستقامة لا على سبيل التجرِبة للتأكٌّد من صدق الأمر إذ كلام الله لا يتطرق إليه الشكٌّ، ولكنها دعوةٌ أخويَّةٌ لتذوٌّق هذه السعادة للقطع بكونها أعظمَ من كل نعيم البدن الظاهري من مأكل ومنصب ومركب قطعاً يدعوك للتمسٌّك بها عن حبٍّ, وقناعةٍ, رغم كثرة المغريات ودواعي الفساد في هذا العصر خاصة لمن هم في مرحلتك.

ويكفينا نحن في باب التجربة ما حكاه ابن القيِّم -رحمه الله- عن بعض العارفين من قولهم: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه -أي من السعادة والسرور- لجالدونا عليه بالسيوف" وقول الآخر: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله -تعالى- ومعرفته وذكره".

ونحن وإن لم نصل إلى تذوَّق هذه السعادة كما ذاقوها فإننا نجزم بصدق هؤلاء في قولهم، وكمال إدراكهم وذوقهم بعد جزمنا التامِّ بصدق خبره -سبحانه وتعالى-.

وكلٌّ ما أرجوه منك -أخي- وقد صبرت معي إلى آخر المقال ألاَّ يكون هذا آخرَ عهدك به، واسمح لي بأن أثقل عليك بطلب منك أن تستصحب في ذهنك هذه النقاط عند أخذك لفراشك قُبيل خلودك للنوم، وأن تنظر في حقيقة حالك التي لا يعلمها من البشر سواك، وأن تسأل نفسك بكلِّ صدق وتجرٌّد: هل أنت - حقًّا - سعيد.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply