الفرح في ضوء القرآن الكريم و السنة النبوية (1- 5 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تعريف الفرح لغوياً:

فرح به: سُرَّ. و الفرح: البَطر [مختار الصحاح: ص 521].

قال ابن منظور: الفرح: نقيض الحزن. و قال ابن ثعلب: \" هو أن يجد في قلبه خفةً \".

 

و لا تفرح: لا تأشَر. [لسان العرب، (2/541)]

 

قال الراغب الأصفهاني: الفرح: انشراح الصدر بلذة عاجلةٍ,، و أكثرُ ما يكونُ ذلك في اللذات البدنية و الدنيوية.

 

قال القرطبي: الفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب.

قال ابن القيم: و \" الفرح أعلى أنواع نعيم القلب ولذته وبهجته والفرح والسرور نعيمه والهم والحزن عذابه والفرح بالشيء فوق الرضى به فإن الرضى طمأنينة وسكون وانشراح والفرح لذة وبهجة وسرور فكل فرح راض وليس كل راض فرحا ولهذا كان الفرح ضد الحزن والرضى ضد السخط والحزن يؤلم صاحبه والسخط لا يؤلمه إلا إن كان مع العجز عن الانتقام\" [مفردات ألفاظ القرآن، العلامة الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داوودي، ص 628].

 

فرح الله بتوبة العبد المؤمن (1/5)

عن الحارث بن سويد حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر عن نفسه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه ثم قال لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده [صحيح البخاري، كتاب: كتاب الدعوات، باب: باب التوبة وقال قتادة توبوا إلى الله توبة ـ، رقم الحديث: 5949، (5/2324)].

 

قال ابن حجر في فتح الباري: \"إطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رضاه \".

و قال الخطابي: معنى الحديث أن الله أرضى بالتوبة وأقبل لها، والفرح الذي يتعارفه الناس بينهم غير جائز على الله، وهو كقوله - تعالى -: {كل حزب بما لديهم فرحون}ºأي راضون.

 

وقال ابن فورك: الفرح في اللغة السرور. ويطلق على البطر، ومنه: {إن الله لا يحب الفرحين}، وعلى الرضاº فإن كل من يسر بشيء ويرضى به يقال في حقه فرح به.

 

قال ابن العربي: \"كل صفة تقتضي التغير لا يجوز أن يوصف الله بحقيقتهاº فإن ورد شيء من ذلك حمل على معنى يليق به، وقد يعبر عن الشيء بسببه أو ثمرته الحاصلة عنهº فإن من فرح بشيء جاد لفاعله بما سأل وبذل له ما طلب، فعبر عن عطاء الباري وواسع كرمه بالفرح\".

وقال ابن أبي جمرة: كنى عن إحسان الله للتائب وتجاوزه عنه بالفرح لأن عادة الملك إذا فرح بفعل أحد أن يبالغ في الإحسان إليه.

 

وقال القرطبي في \" المفهم \": \" هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب، وأنه يقبل عليه بمغفرته ويعامله معاملة من يفرح بعمله، ووجه هذا المثل أن العاصي حصل بسبب معصيته في قبضة الشيطان وأسره وقد أشرف على الهلاك، فإذا لطف الله به ووفقه للتوبة خرج من شؤم تلك المعصية وتخلص من أسر الشيطان ومن المهلكة التي أشرف عليها فأقبل الله عليه بمغفرته وبرحمته، وإلا فالفرح الذي هو من صفات المخلوقين محال على الله - تعالى - لأنه اهتزاز وطرب يجده الشخص من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه ويسد به خلته، أو يدفع به عن نفسه ضررا أو نقصا، وكل ذلك محال على الله - تعالى - فإنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور، لكن هذا الفرح له عندنا ثمرة وفائدة وهو الإقبال على الشيء المفروح به وإحلاله المحل الأعلى، وهذا هو الذي يصح في حقه - تعالى -، فعبر عن ثمرة الفرح بالفرح على طريقة العرب في تسمية الشيء باسم ما جاوره أو كان منه بسبب، وهذا القانون جار في جميع ما أطلقه الله - تعالى - على صفة من الصفات التي لا تليق به، وكذا ما ثبت بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

و قال ابن القيم: \" إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فأوجبت هذه المحبة فرحا كأعظم ما يقدر من الفرح ولو كان في الفرح المشهود في هذا العالم نوع أعظم من هذا الذي ذكره النبي لذكره ولكن لا فرحة أعظم من فرحة هذا الواجد الفاقد لمادة حياته وبلاغه في سفره بعد إياسه من أسباب الحياة بفقده وهذا كشدة محبته لتوبة التائب المحب إذا اشتدت محبته للشيء وغاب عنه ثم وجده وصار طوع يده فلا فرحة أعظم من فرحته به.

 

فما الظن بمحبوب لك تحبه حبا شديدا أسره عدوك وحال بينك وبينه وأنت تعلم أن العدو سيسومه سوء العذاب ويعرضه لأنواع الهلاك وأنت أولى به منه وهو غرسك وتربيتك ثم إنه انفلت من عدوه ووافاك على غير ميعاد فلم يفاجئك إلا وهو على بابك يتملقك ويترضاك ويستعينك ويمرغ خديه على تراب أعتابك فكيف يكون فرحك به وقد اختصصته لنفسك ورضيته لقربك وآثرته على سواه.

 

هذا ولست الذي أوجدته وخلقته وأسبغت عليه نعمك والله - عز وجل - هو الذي أوجد عبده وخلقه وكونه وأسبغ عليه نعمه وهو يحب أن يتمها عليه فيصير مظهرا لنعمه قابلا لها شاكرا لها محبا لوليها مطيعا له عابدا له معاديا لعدوه مبغضا له عاصيا له والله - تعالى - يحب من عبده معاداة عدوه ومعصيته ومخالفته كما يحب أن يوالى الله مولاه - سبحانه - ويطيعه ويعبده فتنضاف محبته لعبادته وطاعته والإنابة إليه إلى محبته لعداوة عدوه ومعصيته ومخالفته فتشتد المحبة منه - سبحانه - مع حصول محبوبه وهذا هو حقيقة الفرح.

 

وفي صفة النبي في بعض الكتب المتقدمة عبدي الذي سرت به نفسي وهذا لكمال محبته له جعله مما تسر نفسه به - سبحانه -.

 

ومن هذا ضحكه - سبحانه - من عبده حين يأتي من عبوديته بأعظم ما يحبه فيضحك - سبحانه - فرحا ورضا كما يضحك من عبده إذا ثار عن وطائه وفراشه ومضاجعة حبيبه إلى خدمته يتلو آياته ويتملقه ويضحك من رجل هرب أصحابه عن العدو فأقبل إليه وباع نفسه لله ولقاهم نحره حتى قتل في محبته ورضاه.

 

ويضحك إلى من أخفى الصدقة عن أصحابه لسائل اعترضهم فلم يعطوه فتخلف بأعقابهم وأعطاه سرا حيث لا يراه إلا الله الذي أعطاه فهذا الضحك منه حبا له وفرحا به وكذلك الشهيد حين يلقاه يوم القيامة فيضحك إليه فرحا به وبقدومه عليه.

 

وليس في إثبات هذه الصفات محذور ألبتة فإنه فرح ليس كمثله شيء وضحك ليس كمثله شيء وحكمه حكم رضاه ومحبته وإرادته وسائر صفاته فالباب باب واحد لا تمثيل ولا تعطيل\".

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply