الرسول صلى الله عليه وسلم أُعطي خمساً لم يعطهن أحد قبله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أرحم الأمة، وعمر أشدهم في دين الله، وعثمان أصدقهم حياءً، وعلي أقضاهم، وأبي بن كعب أقرأهم، ومعاذ أعلمهم بالحلال والحرام، وأبو عبيدة أمين الأمة.. وكان لكل نبي خصوصية عند الله يختص بها دون غيره من البشر.. كما كان لبعض الصحابة خصوصيات لا تكون لغيرهم، فمن منا له خصوصية أو \"حال\" عند الله تبارك وتعالى؟ وفي السطور التالية نستعرض خصوصيات بعض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وبعض الصحابة رضوان الله عليهم.

 

خصوصية سليمان - عليه السلام -: قال - تعالى -على لسان سليمان - عليه السلام – \"قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب\" (35)(ص).

قال القرطبي - رحمه الله - \"قيل إن سؤاله مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده، ليكون محله وكرامته من الله ظاهراً في خلق السموات والأرض، فإن الأنبياء - عليهم السلام - لهم تنافس في المحل عنده، فكلُّ يحب أن تكون له خصوصية يُستدل بها على محله عنده، ولهذا لما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العفريت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته وأمكنه الله منه، أراد ربطه ثم تذكر قول أخيه سليمان: \"رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي\" فرده خاسئاً. فلو أعطي أحد بعده مثله ذهبت الخصوصية، فكأنه كره - صلى الله عليه وسلم - أن يزاحمه أحد في تلك الخصوصية، بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من سخرة الشياطين، وأنه أجيب إلى ألا يكون لأحد بعده\".

 

خصوصيات محمد - صلى الله عليه وسلم -:

عن جابر بن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"أعطيت خمساً، لم يعطهن أحد قبلي:

1- نُصرت بالرعب مسيرة شهر.

2- وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل.

3- وأُحلت لي المغانم ولم تُحل لأحد قبلي.

4- وأُعطيت الشفاعة.

5- وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة\". (1)

6- وأُعطيت جوامع الكلم.

7- وخُتم بي النبيون.

8- وجُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة.

9- وأُعطيت الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش (يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به ورفع الخطأ والنسيان).

10- وأُعطيت مفاتيح الأرض.

11- وسُميت أحمد.

12- وجُعلت أمتي خير الأمم.

13- وغُفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.

14- وأُعطيت الكوثر.

15- وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه.

16- وكان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه فأسلم\"(2).

وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد ما اختص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن الأنبياء ستون خصلة.

 

قال ابن حجر: ومن الفوائد:

مشروعية تعديد نعم الله.

وإلقاء العلم قبل السؤال.

وأن الأصل في الأرض الطهارة.

وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبنى لذلك.

 

خصوصيات الصحابة:

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.

وأشدهم في دين الله عمر.

وأصدقهم حياء عثمان.

وأقضاهم علي بن أبي طالب.

وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب.

وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل.

وأفرضهم زيد بن ثابت.

ألا وإن لكل أمة أميناً. وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح\"(3).

 

 

خصوصية أبي بكر:

قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \"إِنّ أَمَنّ النّاسِ عَلَيّ فِي مَالِهِ وَصُحبَتِهِ أَبُو بَكرٍ,. وَلَو كُنتُ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاَتّخَذتُ أَبَا بَكرٍ, خَلِيلاً. وَلَكِن أُخُوّةُ الإِسلاَمِ. لاَ يَبقَيَنّ فِي المَسجِدِ خَوخَةٌ إِلاّ خَوخَةَ أَبِي بَكرٍ,\"(4).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر\" قال العلماء: معناه أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب، ولأن المنة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - في قبول ذلك وفي غيره. قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام\" وفي رواية: \"لكن أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً\" قال القاضي: قيل أصل الخلة الافتقار والانقطاع، فخليل الله المنقطع إليه، وقيل لقصره حاجته على الله - تعالى -، وقيل الخلة الاختصاص، وقيل الاصطفاء، وسمي إبراهيم خليلاً لأنه والى في الله - تعالى -وعادى فيه، وقيل سمي به لأنه تخلق بخلال حسنة وأخلاق كريمة، وخلة الله - تعالى -له نصره وجعله إماماً لمن بعده. وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة بتخلل الأسرار، وقيل أصلها المحبة ومعناه الإسعاف والإلطاف، وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله، ومعنى الحديث أن حب الله - تعالى -لم يبق في قلبه موضعاً لغيره\"(5).

 

خصوصية سعد بن معاذ:

عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ\"(6).

قال الإمام النووي: \"قالت طائفة من العلماء: اهتزاز العرش تحركه فرحاً بقدوم روح سعد، وجعل الله - تعالى -في العرش تمييزاً حصل به هذا، و لا مانع منه\"(7).

 

خصوصية عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله:

عن جابر قال: لقيني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي يا جابر، ما لي أراك منكسراً؟ فقلت: يا رسول الله، استُشهد أبي وترك عيالاً وديناً فقال: ألا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله قال ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وإن الله أحيا أباك فكلمه كفاحاً فقال: يا عبدي، تمنّ أعطك قال تحييني فأُقتل قتلة ثانية، قال الله إني قضيت أنهم لا يرجعون. ونزلت هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 (آل عمران)(8).

 

خصوصية خزيمة بن ثابت(9):

عن عمارة بن خزيمة عن عمه وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - ابتاع من أعرابي فرساً فاستتبعه ليقضيه ثمن الفرس فأسرع النبي - صلى الله عليه وسلم - المشي وأبطأ الإعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي يساومونه في الفرس حتى زادوه على ثمنه فذكر الحديث قال فطفق الإعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني قد بعتك، فمن جاء من المسلمين يقول: ويلك، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليقول إلا الحق، حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع المراجعة فقال: أنا أشهد أنك قد بايعته، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بم تشهد؟ قال بتصديقك، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة بشهادة رجلين\"(10).

 

من فوائد هذا الحديث:

فضيلة الفطنة في الأمور وأنها ترفع منزلة صاحبها. لأن السبب الذي أبداه خزيمة حاصل في نفس الأمر يعرفه غيره من الصحابة، إنما هو لما اختص بفطنة لما غفل عنه غيره مع وضوحه جوزي على ذلك بأن خُص بفضيلة من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه.

 

خصوصية خديجة - رضي الله عنها -:

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما غرت على امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن. (11)

وقوله: ببيت من قصب، قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف.

وقيل: قصب من ذهب منظوم بالجوهر.

قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف، قالوا: ويقال لكل مجوف قصب، وقد جاء في الحديث مفسراً ببيت من لؤلؤ محياة وفسروه بمجوفة.

قال الخطابي وغيره: المراد بالبيت هنا القصر.

خصوصية حنظلة بن عامر(12)

 

(غسيل الملائكة):

عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده قال: وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى بعضهم إلى دون الأعراض على جبل بناحية المدينة، ثم رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود فعلاه شداد بالسيف حتى قتله، وقد كاد يقتل أبا سفيان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة فسلوا صاحبته\"، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"فذاك قد غسلته الملائكة\"(13)

 

__________________

الهوامش:

(1) صحيح البخاري، كتاب التيمم، رقم الحديث (328).

(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري.

(3) سنن ابن ماجه، رقم (154).

(4) صحيح مسلم بشرح النووي.

(5) صحيح مسلم بشرح النووي.

(6) صحيح مسلم، باب فضائل سعد بن معاذ، (ج 1-404)، رقم الحديث (2466).

(7) صحيح مسلم بشرح النووي.

(8) صحيح ابن حبان، فضائل الصحابة (ج1-747)، رقم الحديث(7022).

(9) وهو ذو الشهادتين جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين. وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى في المنام كأنه سجد على جبهة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاضطجع له النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سجد على جبهته. قال ابن إسحاق: قتل مع علي رضي الله - تعالى -عنه بصفين بعد قتل عمار بن ياسر.

(10) فتح الباري في شرح صحيح البخاري.

(11) صحيح البخاري، فضائل الصحابة، باب: تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة، وفضلها - رضي الله عنها -، رقم (3605-3607).

(12) حنظلة: هو حنظلة بن الراهب، سمع هيعة الخروج إلى أحد، فخرج جنباً لم يغتسل وذلك لإسراعه بالخروج فاستشهد فغسلته الملائكة فأسماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - حنظلة غسيل الملائكة.

(13) صحيح بن حبان، فضائل الصحابة، حنظلة بن أبي عامر، غسيل الملائكة رضوان الله عليه. (7025).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply