بسم الله الرحمن الرحيم
التقوى هي فضيلة أراد بها القرآن إحكام ما بين الإنسان والخلق، وإحكام ما بين الإنسان وخالقهº ولذلك تدور هذه الكلمة ومشتقاتها في أكثر آيات القرآن الأخلاقية والاجتماعية، والمراد بها: أن يتقي الإنسان ما يغضب ربه، وما فيه ضرر لنفسه أو إضرار لغيره.
فالتقوى في أصل معناها: جعل النفس في وقاية، ولا تجعل النفس في وقاية إلا بالنسبة لما يخاف، فخوف الله أصلها، والخوف يستدعي العلم بالمخوف، ومن هنا كان الذي يعلم الله هو الذي يخشاه، وكان الذي يخشاه هو الذي يتقيه.
فالمتقون هم الذين يقون أنفسهم عذاب الله وسخطه في الدنيا والآخرة وذلك بالوقوف عند حدوده وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهو لا يأمر إلا بما فيه خير للإنسانية ولا ينهي إلا عما يضرها.
عني القرآن الكريم بالتقوى عناية كبرى، وأكثر من توجيه النفوس إليها، وكانت له في ذلك أساليب مختلفة.
أمر بتقوى الله: \"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون\" (102) {آل عمران: 102}. وذلك يكون بالتوجه إلى الله وحده في العبادة، واجتناب ما يأباه من الشرك والخروج عن شرائعه وأحكامه العادلة.
ووصف القرآن الكريم التقوى: بأنها صيانة النفس عن كل ما يضر ويؤذي، والابتعاد عن كل ما يحول بين الإنسان والغايات النبيلة التي بها كماله في جسمه وروحه، ولهذا وصف الله المتقين بأنهم الذين تحلوا بالفضائل الإنسانية الحقة، حيث يقول - تعالى -: \"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على\" حبه ذوي القربى\" واليتامى\" والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177 {البقرة: 177}.
فالمتصفون بهذه الصفات السامية هم الذين وصفهم الله بصفة التقوى.
ولا تقتصر التقوى في القرآن الكريم على هذه الصفات، بل يضاف إليها الصفات التالية:
فالعدل من التقوى، قال - تعالى -: اعدلوا هو أقرب للتقوى\" 8 {المائدة: 8}.
والعفو من التقوى، قال الله - تعالى -: \"وأن تعفوا أقرب للتقوى\"237 {البقرة: 237}.
والاستقامة مع الأعداء من التقوى، لقوله - تعالى -: \"فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين\"{التوبة: 7}.
ثمرات التقوى:
وذكر القرآن الكريم أن التقوى تجعل الإنسان في أمن من الخوف والحزن يوم القيامة، والنصر والتوفيق في هذه الحياة، لقوله - عز وجل -: \"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62 الذين آمنوا وكانوا يتقون 63 لهم البشرى\" في الحياة الدنيا وفي الآخرة 64 \" {يونس: 62 64}.
ومن ثمراتها الثواب العظيم والنعيم في الآخرة، كما في قوله - تعالى -: \"للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار 15\" {آل عمران: 15}.
ومن ثمراتها أيضاً، نيل رحمة الله، لقوله - تعالى -: \"ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون 156 \" {الأعراف: 156}.
ويذكرها القرآن الكريم في معرض تفريج الأزمات وحل المشكلات، حيث يقول - تعالى -: \"ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب \"{الطلاق: 2، 3}.
وقال - عز وجل -: \"ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا \" {الطلاق: 4}.
وفي معرض النصر والتأييد، يقول - تعالى -: \"إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين 128\" {الأعراف: 128}.
وفي معرض تنوير البصيرة، قال - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا 29 \"{الأنفال: 29}.
فالفرقان ما يفرق به بين شيئين ملتبسين، أو أشياء مشتبهة، فثمرة التقوى هي نور البصيرة الذي يفرق بين الحق والباطل، واختيار طريق النجاة.
هذه هي التقوى وهذه صفات المتقين، وثمراتها في الأفراد والجماعات، وهذا ليس بمستغرب أن يوليها القرآن الكريم عناية فائقة ويدعو إليها كما جاء في هذه الآية البليغة، التي تدل على عمق الروحية الإسلامية، قال - تعالى -: \"وتزودوا فإن خير الزاد التقوى\"197\" {البقرة: 197}.
ولو أن العالم عرف التقوى وقام بواجبها لانطفأت ثورة الشر وساد السلام في ربوعه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد