بسم الله الرحمن الرحيم
{الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلاَّ المُتَّقِينَ} [الزخرف:67]
{وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يلَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيلَتَا لَيتَنِي لَم أَتَّخِذ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَد أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذ جَآءَنِي} [الفرقان:27 - 29]. حذر الإسلام المسلمين من سوء اختيار الصحبة وبالذات رفقاء السوء، الذين يجاهرون بالمعاصي ويباشرون الفواحش دون أي وازع ديني ولا أخلاقي لما في صحبتهم من الداء، وما في مجالستهم من الوباء، وحث المسلم على اختيار الصحبة الصالحة والارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.
ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصديق حتى يكون صديقاً صالحاً: الوفاء - الأمانة - الصدق - البذل - الثناء - والبعد عن ضد ذلك من الصفات. والصداقة إذا لم تكن على الطاعة فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة، كما توضح الآيات والأحاديث. {الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلاَّ المُتَّقِينَ} [الزخرف:67] و{وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ} الآية. نزلت هاتين الآييتين الكريمتين في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي مُعَيط، وذلك أن عقبة كان يجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي معيط، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك، فنذر النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله، فقتله يوم بدر صبرا، وقتل أمية في المعركة. وقال ابن عباس في تفسيرها {الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ,} يريد يوم القيامة.
{بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ} أي أعداء، يعادي بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً.
{إِلاَّ المُتَّقِينَ} فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة، نرجوا من الله أن نكون منهم. وذكر الثعلبي - رضي الله عنه - في هذه الآية قال: كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب، إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك، وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر. ويخبرني أني ملاقيك، يا رب فلا تضله بعدي، واهده كما هديتني، وأكرمه كما أكرمتني. فإذا مات خليله المؤمن جمع الله بينهما، فيقول الله - تعالى - (لِيُثنِ كل واحد منكما على صاحبه)، فيقول: يا رب، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول الله - تعالى - (نعم الخليل ونعم الأخ ونعم الصاحب كان)، قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا رب، إن فلاناً كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك يا رب ألا تهده بعدي، وأن تضله كما أضللتني، وأن تهينه كما أهنتنيº فإذا مات خليله الكافر قال الله - تعالى - لهما (لِيُثنِ كل واحد منكما على صاحبه)، فيقول: يا رب، إنه كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك أن تضاعف عليه العذابº فيقول الله - تعالى - (بئس الصاحب والأخ والخليل كنت).
فيلعن كل واحد منهما صاحبه. والآية عامة في كل مؤمن وكافر ومضل. وجاء عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أحاديث عديدة تحثُ المسلمين لاختيار الصحبة الصالحة ومنها: حَدَّثَنِي مُوسَى بنُ اِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا اَبُو بُردَةَ بنُ عَبدِ اللَّهِ، قَالَ سَمِعتُ أبَا بُردَةَ بنَ أبِي مُوسَى، عَن أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الجليس الصَّالِح والجَليس السَّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسكِ، وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعدَمُكَ مِن صَاحِبِ المِسكِ إِمَّا تَشتَرِيهِ، أَو تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحرِقُ بَدَنَكَ أَو ثَوبَكَ أَو تَجِدُ مِنهُ رِيحاً خَبِيثَةً » . متفق عليه، واللفظ للبخاري. وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ,، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ,، وَأَبُو دَاوُدَ قَالاَ حَدَّثَنَا زُهَيرُ بنُ مُحَمَّدٍ,، حَدَّثَنِي مُوسَى بنُ وَردَانَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الرَّجُلُ عَلَى خَلِيله فَليَنظُر أَحَدُكُم مَن يُخَالِلُ » قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وأبو داوود. وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا علي بن هاشم بن البريد، عن مبارك بن حسان، عن عطاء عن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله، أي جلسائنا خير؟ قال: « من ذكَّركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله ». رواه أبو يعلى الموصلي.
اعلموا إخواني بأن المسلم مطلوب منه أن يحسن اختيار أصدقائه، لأنه يتأثر بعملهم وأخلاقهم، فإن كانوا أصدقاء سوء تأثر بهم وبأخلاقهم السيئة، وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة، فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه، ويصنف تبعاً لهم. وصدق من قال:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ***فكل قرين بالمقارن يقتدي
وإن كانوا أصدقاء خير تأثر بأخلاقهم الحميدة وأعمالهم المرضية لله عزوجل، وكانوا له عوناً على طاعة المولى - عز وجل - ويبينون له مواطن العلل فيعمد إلى إصلاح نفسهº لأن هناك من يذكره بتقوى الله ويذكره بالموت وأجله، والقبر وظلمته والقيامة وأهوالها، والنار وعذابها والجنة ونعيمها. وفي حديث رواه أبو داوود قال: حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا بن وهب عن سليمان يعني بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفٌّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه\" رواه أبو داود.
وتخيل أخي المسلم كم من فائدة تجنيها من مجالسة الأخيار، وكم من معصية وضرر يصيبك من مجالسة الأشرار. وأفضل ما يمكن ذكره هنا أن مجالسة الأخيار جالبة لمحبة الله كما في الحديث الذي رواه الأمام مالك في موطأه: َحَدَّثَنِي عَن مَالِكٍ,، عَن أَبِي حَازِمِ بنِ دِينَارٍ,، عَن أَبِي إِدرِيسَ الخَولاَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ دَخَلتُ مَسجِدَ دِمَشقَ فَإِذَا فَتًى شَابُّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اختَلَفُوا فِي شَيءٍ, أَسنَدُوا إِلَيهِ وَصَدَرُوا عَن قَولِهِ فَسَأَلتُ عَنهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ,. فَلَمَّا كَانَ الغَدُ هَجَّرتُ فَوَجَدتُهُ قَد سَبَقَنِي بِالتَّهجِيرِ وَوَجَدتُهُ يُصَلِّي - قَال - فَانتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ ثُمَّ جِئتُهُ مِن قِبَلِ وَجهِهِ فَسَلَّمتُ عَلَيهِ ثُمَّ قُلتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبٌّكَ لِلَّهِ. فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلتُ آللَّهِ. فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلتُ آللَّهِ . فَقَالَ آللَّهِ؟ فَقُلتُ آللَّهِ . قَالَ فَأَخَذَ بِحُبوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيهِ وَقَالَ: أَبشِر فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَت مَحبِتي لِلمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ». رواه مالك وصحح إسناده ابن عبد البر والمنذري والنووي.
واعلموا إخواني أنه من الفوائد الأخرى التي يجنيها المسلم في مجالسة الأخيار أيضاً، حصوله على بركتهم كما في الحديث الذي رواه الأمام مسلم: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ مَيمُونٍ,، حَدَّثَنَا بَهزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجلِسًا فِيهِ ذِكرٌ قَعَدُوا مَعَهُم وَحَفَّ بَعضُهُم بَعضًا بِأَجنِحَتِهِم حَتَّى يَملَئُوا مَا بَينَهُم وَبَينَ السَّمَاءِ الدٌّنيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ - قَالَ - فَيَسأَلُهُمُ اللَّهُ - عز وجل - وَهُوَ أَعلَمُ بِهِم مِن أَينَ جِئتُم فَيَقُولُونَ جِئنَا مِن عِندِ عِبَادٍ, لَكَ فِي الأَرضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحمَدُونَكَ وَيَسأَلُونَكَ، قَالَ وَمَاذَا يَسأَلُونِي قَالُوا يَسأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ وَهَل رَأَوا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَى رَبِّ، قَالَ فَكَيفَ لَو رَأَوا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَستَجِيرُونَكَ، قَالَ وَمِمَّ يَستَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِن نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ وَهَل رَأَوا نَارِي؟ قَالُوا لاَ، قَالَ فَكَيفَ لَو رَأَوا نَارِي؟ قَالُوا وَيَستَغفِرُونَكَ - قَالَ - فَيَقُولُ قَد غَفَرتُ لَهُم فَأَعطَيتُهُم مَا سَأَلُوا وَأَجَرتُهُم مِمَّا استَجَارُوا - قَالَ - فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِم فُلاَنٌ عَبدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُم، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرتُ هُمُ القَومُ لاَ يَشقَى بِهِم جليسهم » رواه مسلم وقد قال ابن الجوزي: رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر، مهر الآخرة يسير، قلبٌ مخلص، ولسانٌ ذاكر، إذا شبت ولم تنتبه، فاعلم أنك سائر.
وأنشدوا قول الشاعر:
تجنب قرين السوء واصرم حباله *** فإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه *** تنل منه صفو الود ما لم تماره
وقال مالك بن دينار: إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار، خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار. وأنشد:
وصاحب خيار الناس تنج مسلما *** وصاحب شرار الناس يوما فتندما
نوصيكم إخواني بالدعاء إلى الله عزوجل بأن يوفقنا وإياكم بصحبة صالحة تدلنا على الخير وتُعينُنا على الطاعات، وأن يصرف عنا أهل السوء ومجالستهم والتأثر بأعمالهم وأخلاقهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
رائع جدا ❣❣❣
-سهام
11:22:47 2020-12-08