بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر محاسبة النفس من موجبات التربية الروحية لتقويمها لتلتزم بالصراط المستقيم، صراط الصالحين الرابحين، ولقد أشار الله - عز وجل - إلى ذلك في كتابه الكريم فقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (18) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19) (الحشر).
كما أمر الله - عز وجل - عباده المؤمنين بضرورة الخشية والخوف منه، وتقويم ما قدموه من الأعمال قبل الوقوف بين يديه فقال - سبحانه وتعالى - : \"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون \" 105 (التوبة)، وقد ورد هذا المعنى في قول رسول الله ص: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني (الإمام أحمد).
للمسلم وقفة مع الله يوم القيامة:
ويجب أن يوقن المسلم أن له وقفة مع الله يوم القيامة ليحاسبه عن البيعة التي في عنقه عندما دخل الإسلام ونطق بالشهادتين وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم عاهد الله على الالتزام بفرائض الإسلام وأركان الإيمان، وفي هذا المقام يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به (الترمذي)، ولقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذه التربية الروحية للنفس والمحاسبة أمام الله فكانوا أشد الناس محاسبة لأنفسهم. والنموذج المتميز لذلك هو عمر بن الخطاب.. القوي في الحق الذي قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيؤوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.
لماذا محاسبة النفس قبل المحاسبة من الله؟ يقول العلماء: من شق عليه حساب نفسه في الدنيا خف عليه حساب الله في الآخرة، فعندما يحاسب الإنسان نفسه فورياً، ويومياً، وأسبوعياً، وسنوياً، يعرف مقدار التوفيق في الأعمال الصالحات التي ترضي الله - عز وجل - وهذا يحفزه إلى الإكثار منها ويزداد إيماناً مع إيمانه، وعندما يعرف كذلك مقدار التقصير في جنب الله، فإن عليه أن يعاقب نفسه، ويتوب ويستغفر، ويجدد البيعة والعهد مع الله على ألا يعود إلى الذنوب مرة أخرى، كي يكثر من الأعمال الصالحات تكفيراً للسيئات، كما أن محاسبة النفس هي عبادة لله، ودعاء إلى الله، وتربية روحية حتى يلقى المسلم ربه بقلب سليم وبنفس راضية ترحب بها الملائكة وتقول لها \"يا أيتها النفس المطمئنة 27 ارجعي إلى ربك راضية مرضية 28 فادخلي في عبادي 29 وادخلي جنتي 30 \" (الفجر).
وجوب إعداد كشف الحساب عن عام أدبر: نحن نودع عاماً هجرياً قد أدبر ونستقبل عاماً هجرياً قد أقبل، والأيام تمر يوماً بعد يوم، وينادي اليوم ويقول لعبد الله: أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة والمؤمن كمثل التاجر، يقوم بإعداد كشف حساب سنوي ليعرف مقدار ربحه وخسارته من تجارته وأسباب ذلك، كذلك المؤمن يجب عند استقبال عام جديد أن يعد كشف حساب عن السنة التي مضت إذ يجب أن يسأل الإنسان نفسه: هل كان إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم؟ فيشكر الله - سبحانه وتعالى - على أن هداه إلى الإسلام وعلى إعانته على طاعته وحسن عبادته، ويلوم نفسه على التقصير، ويعقد العزم على تعويض ما فاته، ويخطط للعام المقبل لزيادة الأعمال الصالحات ولتجنب المعاصيº مستشعراً قول الله تبارك وتعالى:إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما 70 (الفرقان)، ومن وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري في هذا المقام: أحكم السفينة فإن البحر عميق، واستكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفف ظهرك فإن العقبة كؤود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير، ومن الأعمال التي يسائل المسلم نفسه عنها عند إدبار عام وإقبال عام آخر: الصلاة والصوم والزكاة والحج والنوافل والأخلاق الفاضلة والكسب والإنفاق وبر الوالدين وصلة الأرحام و... وغير ذلك من الفرائض والواجبات والنوافل.
ماذا يحتوي كشف الحساب السنوي مع النفس؟
يعد المؤمن كشف حساب عن التجارة مع الله هل ربح أم خسر. ومما يجب أن يرد في هذا الكشف من تساؤلات للنفس على سبيل المثال ما يلي:
هل ازدادت ثروتك الإيمانية وزاد رصيد حسناتك وثقلت كفة الأعمال الصالحات؟
فإن كنت كذلك فأنت من الرابحين.
هل تحليت بخلق رسول الله وكان الرسول قدوتك حقاً وصدقاً، وهل كان الرسول أسوتك الحسنة؟
فإن كنت كذلك فقد كسبت شفاعته يوم الحساب.
هل طهرت قلبك وأصلحت نفسك وتبت واستغفرت الله حتى تلقاه - عز وجل - بقلب سليم وبنفس مطمئنة راضية مرضية؟
فإن كنت كذلك فقد أمنت من هول يوم القيامة.
هل سعيت في قضاء مصالح العباد لا تريد منهم جزاءً ولا شكوراً؟
فإن كنت كذلك فقد زرعت في الدنيا وإن شاء الله سوف تحصد في الآخرة.
هل أنفقت مالك تتزكى؟ هل أعطيت واتقيت وصدقت بالحسنى؟
فإن كنت كذلك فسوف ييسر الله لك أمور الدنيا.
هل يسرت على الناس وساهمت في تفريج كرباتهم؟
فإن كنت كذلك فسوف تجني عوائد وأرباح وفوائد هذا الاستثمار في الآخرة أضعافاً مضاعفة.
هل جاهدت بنفسك وبمالك وبوقتك وبالكلمة الطيبة؟ هل حدثت نفسك بالجهاد؟
فإن كنت كذلك فلك ثواب الصادقين المجاهدين كما قال الله - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم: \"إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون 15\" (الحجرات).
هل اكتسبت طيباً وأنفقت قصداً، وقدمت فضلاً ليوم فقرك وحاجتك وتجنبت الحرام الخبيث والإسراف والتبذير؟
فإن كنت كذلك فأنت من عباد الرحمن الذين يرثون الفردوس الأعلى.
هل كنت باراً بوالديك، واصلاً للأرحام؟
فإن كنت كذلك فسوف يرضى عنك والداك وقد يكونان سبباً في رحمتك، وسوف يبارك الله لك في رزقك ويمد لك في عمرك.
هل كنت من الداعين إلى الخير ومن الآمرين بالمعروف ومن الناهين عن المنكر ولم تبخل على دعوة الله بشيء؟
فإن كنت كذلك فلك ثواب عظيم فثواب الدال على الخير كفاعله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد