بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا اليوم العظيم - يوم عرفة - وقف أفضل الخلق محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - خطيباً في جموع الحجيج الذين توافدوا من كل حدب وصوب ليفوزوا بالحج مع نبيهم، وليأخذوا عنه مناسكهم، وليستمعوا إلى وعظه وتوجيهه.
في يوم عرفة أشرقت لغة البيان، بأوضح العبارات وأًصدق الكلمات، وأقوى الجمل، وأصغت الرحاب إلى ذلك المتحدث الذي اختاره الله لرسالته الخاتمة، ولبيان جوانب دينه المكتملة التامة.
في يوم عرفة، ارتفع صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيباً صادقاً لا ينطق عن الهوى، حيث قال: أيها الناس إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت: اللهم أشهد.
خطاب نبوي كريم واضح لا لبس فيه: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم) هكذا يكون الحكم الشرعي واضحاً فالدماء والأموال محرمة على أصحابها تحريماً مؤكداً من نبي صادق، فهو مؤكد ب(إن) التي تدل على اليقين في إصدار الحكم من سيد المرسلين، وهذه الحرمة عظيمة جداً، قرّبها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتشبيهها بحرمة اليوم (يوم عرفة)، والشهر (ذي الحجة)، والبلد (البلد الحرام)، وهذا التشبيه للتقريب تقريب شدّة التحريم في هذا المقام.
ثم يؤكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى بقوله في الخطبة نفسها (أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلّغت اللهم اشهد، فلا ترجعنّ بعدي كفَّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلّوا بعده، كتاب الله، ألا هل بلَّغت.
هنا تقرير لمعنى الإخوة الإسلامية وقيمتها الكبيرة عند الله، ومادام المؤمنون إخوة، فإن حرمة الإخوّة واجبة المراعاة، والحفاظ عليها، سواء في ذلك العرض والمال والدم، وإن كانت حرمة الدم أعلاها مكانة وأثراً.
وما دامت الإخوة موجودة بين المسلمين فإن أول ما يذكر به الرسول - عليه الصلاة والسلام - وجوب مراعاتها وحفظها، والنهي المؤكد ب(نون التوكيد) عن أي عمل أو قول يسيء إلى هذه الإخوة (فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).
هكذا يتقرر هذا الحكم الشرعي في هذا اليوم العظيم يوم عرفة، وفي هذا الشهر الكريم وفي هذا البلد الأمين الذي يؤمن جميع المسلمين انه بلدٌ ذو خصوصية لا نظير لها في الكون كلّه، لأنها نابعة من قداسة الكعبة التي وضّح بها رسول الله - عليه الصلاة والسلام - في حديث آخر مدى حرمة دم المسلم، وذلك حينما قال فيما روي عنه: والله إن لكِ عند الله لحرمة، وإن دم المسلم أشد حرمة منك).
إن قتل المسلم لأخيه، وضرب الرقاب بين المسلمين جريمة شنيعة لا يمكن أن تقبلها الفطرة السليمة، لأنها تعني مصادرة حق الإنسان في الحياة الآمنة المطمئنة.
يا له من يوم حرام، في شهر حرام، في بلد حرام.
إنّ مَن يعتدِ على مسلم في ماله أو عرضه أو دمه دون مراعاة لهذه الحرمات العظيمة حرمة اليوم والشهر والمكان يعد مجرماً قاسي القلب، فاقداً لروح الامتثال لأحكام الشرع، وتعاليم الدين.
كحرمة يومكم هذا، عبارة توضح لنا خطورة التهاون بأحوال المسلمين.
إشارة:
لكنَّ راية دين الله ما سقطت *** ولا المنافح عن أمجادها غُلِبَا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد