بسم الله الرحمن الرحيم
هَمسَةٌ من همسات هذا الكون الفسيح، ونَفثَةٌ من نفثاته تنطلق بقدرة العليِّ القدير، فتحوِّل قوَّة الإنسان إلى ضعف، وغرورَه إلى انخذال، وإقدامَه إلى تَضَعضُعٍ, وانهزام.
رسالةٌ بليغةٌ جاء بها إعصار (كاترينا) إلى العالم كلِّه بصفةٍ, عامة، وإلى أكبر دولةٍ, بشريةٍ, بصفةٍ, خاصة، رسالةٌ واضحة كلَّ الوضوح، صريحة كلَّ الصراحة، بعيدةٌ عن المبالغات والادعاء والتضخيم، رسالةٌ من إعصارٍ, تحرَّك بإرادة ربه في دقائق معدودات، وسلك طريقه التي أمره الله بسلوكها، يجر معه كلَّ ما يمر به من بيوتٍ, وسياراتٍ, وآلاتٍ, وكائنات بشرية وغير بشرية، ويحطِّم كل قوةٍ, بشرية مهما كان حجمها، ومهما كان غرور أصحابها، (كاترينا) لم يستخدم وسيلة إعلامية واحدة للتضخيم والتفخيم، والتهديد والوعيد، ولم يحتج إلى ناقلات ولا حاملات طائرات وصواريخ، ولا إلى طائرات أباتشي، أو شبح أو غيرها من وسائل استعراض القوَّة البشرية.
كل قوَّة بشرية في ميزان (كاترينا) لا تساوي شيئاً، لأنه (إعصار) والإعصار تسوقه في وقته المحدَّد قوَّة المتكبِّر الجبَّار، الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، ويقول للشيء (كن فيكون).
بالأمس القريب فعل (تسونامي) ما فعل، ودمَّر بإذن الله ما دمَّر وحينما تحدَّث العلماء والدٌّعاة عن الموعظة والاعتبار، وأن هذه الظواهر الطبيعية تنبيهٌ وتحذير وعقاب، ثارت ثائرات أقلام عربية مسلمة متّهِمة أولئك العلماء بالوهم والتخلٌّف، وقال قائلهم: لو كان تسونامي عقاباً لعصاة البشر، وتحذيراً للناس لوقع في الدول الكبرى التي تشنّ الحروب أستغفر الله من هذا القول، ومضى تسونامي بما ترك من المآسي والآلام والموعظة العظيمة التي لم يتعظ بها إلا القليل من البشر في هذا العصر المادي وجاء الآن إعصار (كاترينا)، وكانت رسالته الموجهة هذه المرة من داخل أكبر دولةٍ, على وجه الأرض، فماذا يقول الآن أصحاب تلك الأقلام المسلمة العربية الثائرة المنكرة لفكرة التحذير والعقاب؟
يقول الرئيس الأمريكي بوش: نحتاج إلى سنوات لإصلاح ما دمَّره الإعصار، ويعلن حاكم نيو أورليانز الأمريكية أن ضحايا كاترينا بالآلاف، ويتحدث مسؤولون آخرون عن احتمال سقوط آلاف الضحايا، ويؤكد الرئيس الأمريكي أنَّ كارثة (كاترينا) هي إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البلاد، وأنّ العودة إلى الأوضاع الطبيعية ستستغرق سنوات. وهناك من الجهة الأخرى يتحرك إعصار (تاليم) برسالةٍ, إلهيّة أخرى من جهة الصين، ويتم إجلاء ستمائة ألف شخص من الساحل الشرقي للصين بسبب هذا الإعصار.
وماذا بعد؟
أين اللجوء إلى الله أيٌّها البشر المغرورون، المخدوعون بما يسَّر الله لكم من مظاهر القوة المادية التي لا تساوي شيئاً أمام قدرة الله؟ أين أثر هذه المواعظ الضخمة، وهذا التحذير الإلهي الكبير في وسائل إعلامكم المغموسة في الشرِّ والرذيلة، ومحاربة الله بكل كلمة سيئة وفعل مَشين؟
أين الوجدان الحيّ أيٌّها الإنسان الغارق في وهم قوَّته، ووحل شهوته؟
أين النفوس اللوَّامة التي تحث أصحابها على مراجعة النفس، وتعديل المسار؟
تسونامي وكاترينا وتاليم رسائل إلهية عظيمة فأين الذين يقرؤونها قراءةً صحيحة فيبتعدون عن الظلم والجور والفساد والانحلال والاعتداء والاحتلال؟
أين العقول المفكرة، والعبقريات المخترعة، والقيادات الذكيّة من بني البشر؟
أم أنكم أيها البشر ما تزالون في غروركم وتعاليكم؟!، إذن فوجِّهوا طائراتكم وصواريخكم وأساطيلكم لردِّ كاترينا وكبح جماح تاليم، وقابلوها بمجنَّديكم ومجنَّداتكم المدجّجين والمدجَّجات بأحدث الأسلحة.
أما ضحايا هذه الأعاصير فإننا ندعو بالرحمة والغفران لكلِّ من مات منهم على كلمة الحقِّ، وندعو لذويهم ومن بقي من أهلهم بالصبر والسلوان، ونشاطرهم الإحساس بالألم لهذا المصاب الجَلَل، راضين بقضاء الله وقدره الذي لا يُرَدّ.
إشارة:
قوَّةُ الله قوَّةٌ في مداها *** تتهاوى الأعداد والقوَّاتُ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد