بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
هل تدري - أخي - لماذا سمّى الله - عز وجل - يوم القيامة: بيوم الحسرة! وهل تعلم لماذا سماّه يوم التغابن؟!
إنه يوم تنقلب الأعمال فيه إلى حسرات.. ويغبن فيه الكافر والعاصي.. وتندم القلوب على ما فاتها من الخير وعلى ما اقترفت من الشر (* فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره*) فالحسرة كل الحسرة..والندم كل الندم.. يوم يكشف الحجاب.. وتوضع الموازين للحساب وينادي في الناس:((وقد خاب من حمل ظلما)).
فأين ساعات الشهوات والملذات..وأين أوقات التفريط والتجرءات..وأين السيئات والجنايات..كلها تنقلب أزمات وحسرات تتفطر لها القلوب..وتنحسر فيها النفوس..ويتمنى كل ذي حسرة رجعة إلى الحياة ليصلح ما فات ولكن هيهات!
فأغتنم أخي..ما دمت في ساعة الإمكان..قال إبراهيم التميمي: \" مثلت نفسي في الجنه آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، ثم مثلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها فقلت لنفسي: أي نفس، أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أردّ إلى الدنيا فأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فأعملي\"..
أخي كم من منادي يصرخ في قبره ...
(*يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله *)
ولو سمعناه لاتعظنا بنداه!
أخي فما من نفس إلا ولها عودة إلى الله ورجعة إليه (* كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون *)
وما من نفس إلا وقد كتب عليها لحظة الاحتظار..
تلك اللحظة التي تظهر بجلاء حقيقة الدنيا.. وحقيقة الأعمال!وتتضح من خلالها إمارات الرحمة والعذاب! تلك اللحظة أول منازل الندم ..وأول منازل الحسرة..فمن هم أهل الحسرة لحظتها؟
فأما أهل الحسرة ساعة الاحتظار: فهم أهل الغفلة
عمّا أمروا به.. وعما خلقوا له من العبادة وطاعة الله جلا وعلا! وهم أهل المسارعة إلى المعاصي..
والإصرار على السيئات.. والتفريط في الفرائض والواجبات!قوم إذا سمعوا النداء للصلاة أعرضوا.. وإذا دعوا إلى الهداية والالتزام عاندوا ورفضوا وترددوا... وإذا رأت أعينهم طريق الخير أغمضوا.. سرقت الدنيا قلوبهم فهم بها منشغلون.. وأسرت الشهوات نفوسهم فهم فيها يعبثون ...
(* يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)*..
مجالسهم غيبه وحديثهم بهت ونميمة.. وأوقاتهم تمضي عليهم هدرا لا يغنمون فيه من غنيمة ..
خدعتهم الدنيا فاغتروا بها.. وانبهروا بمتاعها ونسوا الذي له خلقوا (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)*..
أخي أنت اليوم في فسحة من عيش.. وباب التوبة مفتوح لك والله - جلا وعلا - قد تحنن إليك برحمته وإشفاقه ((* قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)).
((* أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين* أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين))*
فها هي الفرصة .. تغنيك عن الكرّه .. فأحسن! وكن من المحسنين وها هو الهدى يعرض عليك فأتّبع وكن من المتقين ......
وأحذر التسويف..فإنك لا تأمن النفس بعد النفس أختم بهذه القصة تعبّد شاب صغير من أهل الشام فبالغ في العبادة والاجتهاد، فقالت له أمه: يا بني: لماذا لا تلهوا مع الشباب الذين هم في مثل سنك؟ فقال لها الشاب الطائع: \"يا أماه! ليتك كنت بي عقيما..ليتك لم تلدني.. يا أماه إن لابنك في القبر رقادا طويلا وفي عرصات القيامه موقفا مهولا.. فقالت له يا بني لو لا أعرفك صغيرا وكبيرا لظننت أنك أحدثت حدثا موبقا، أو أذنبت ذنبا مهلكا لما أراك تصنع بنفسك، فقال لها يا أماه! وما يدريني أن يكون الله – عز وجل - قد أطّلع عليّ وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، وقال أذهب فلن اغفر لك ..
شمّر عسى أن ينفع التشمير ***وانظر بفكرك ما إليه تصير
طوّلت آمالا تكنّفها الهوى ***ونسيت عمرك إنه لقصير
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى اله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد