قيمة المؤمن عند ربه في حفظ الله له


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد أيها الأحبة فقد صح عن حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لابن عبا س (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك.... الحديث) وفي رواية تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ومعنى احفظ الله أي احفظ أوامره بفعلها ونواهيه بتركها وحدوده بعدم تعديها أو بعدم قربها بالامتثال لله فعلا وتركا كما قال - تعالى - (لكل أواب حفيظ) أي حافظ لأمر الله - تعالى - ومعنى يحفظك أي يحفظ مصالحك الدينية والدنيوية يحفظك في مالك وبدنك وعقلك وولدك واهلك قال سعيد بن المسيب - رحمه الله - تعالى - لولده (لأزيدن في صلاتي لأجلك رجاء أن احفظ فيك) كما يكون الحفظ أيضا بحفظ الدين والإيمان من الشبهة المضلة والشهوات المهلكة قال - عليه الصلاة والسلام -: (إن أمسكت نفسي فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).

 

أيها المسلمون: إن الذي يجب على المسلمين اليوم هو أن يراجعوا أنفسهم ويزنوها بميزان الإيمان والتقوى، أن ينظروا مدى حفظهم لله ليحفظهم الله.

إن أمورا كثيرة أمر المسلمون بحفظها وهي مقياس لحفظهم لله فمن ذلك الصلوات الخمس: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) (والذين هم على صلواتهم يحافظون) ومنها الإيمان: (واحفظوا أيمانكم) ومنها الفروج: (والذين هم لفروجهم حافظون) وما ذكرته من أمثلة يراعك أن تجد المسلمين أشد الناس تفريطا بها وحرصا على أضاعتها فكم هي نسبة المتخلفين عن الصلاة ناهيك عن التاركين لها بالكلية وكم هم المضيعون لأيمانهم هدرا بمناسبة وبلا مناسبة وأما الفروج فانك لتعجب أن في بعض ديار المسلمين دورا خاصة لضياع الفروج وضياع الطهر والعفاف دور للخنا وللزنا وللمجون نعم في بلاد المسلمين فلا تعجب مما ترى من خذلان الله لهم (ولينصرن الله من ينصره) فإذا حفظ المسلمون ما طلب منهم أن يحفظوه، إذا حفظوا الله - تعالى - حفظهم الله - فحفظ لهم إيمانهم وحفظ لهم عقيدتهم وربط على قلوبهم ووجدوه تجاههم معهم في كل أحوالهم يحوطهم بنصره ويكلؤهم بعنايته ويمدهم بتوفيقه تماما كما فعل مع أم موسى حين حفظته فحفظها وحفظ لها إيمانها وربط على قلبها لتكون من المؤمنين.

 

أيها المسلمون: إن للمؤمنين فضلاً عظيماً وقدراً كبيراً يرفع منزلتهم في الدنيا وفي الآخرة ولهذا يمتن الله - تعالى - عليهم بمننه العظيمة ومن ذلك منته - سبحانه وتعالى - ببعثة هذا النبي الكريم بأبي هو أمي - صلى الله عليه وسلم -: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

 

وأخبر - سبحانه - أنه ذو فضل على المؤمنين وهذا فضل خاص وفضل الله يؤتيه من يشاء وهو فضل زائد على فضله - سبحانه - على جميع عباده (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إلى قوله وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) ومن هذه المنن العظيمة على المؤمنين أن المؤمن فقط هو من يستفيد من آيات الله - تعالى - المتلوه ومن آياته - سبحانه - في الآفاق ومن آياته - سبحانه - في أنفسهم (إن في ذلك لآية للمؤمنين) (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) والمؤمن فقط هو الذي يعتبر بما يفعله الله بالظالمين وبالفاسقين سواء منهم من مضى أو ممن يراهم حوله ويشهد مصرعهم بعينه أو يسمع ذلك بأذنه ولهذا يقول - سبحانه وتعالى -: (بالحق لقوم يؤمنون) ويقول في موضع آخر: (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) فعلى حسب إيمان المرء تكون عبرته واستفادته وحياة قلبه وتدبره وإنما سيقت القصة في القرآن الكريم للمؤمنين لهم لا لغيرهم ومن اجلهم لا من اجل غيرهم (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعائكم) أي لولا إيمانكم. وليس لغير المؤمن نور ولا هدى: (إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) والمؤمنون هم أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون).

 

عباد الله: إننا حين نزن الأمور يجب أن نزنها بميزانها الحقيقي والميزان الحقيقي هو ميزان الشرع المطهر المتمثل في الكتاب والسنة ميزان الدار الآخرة وهو ميزان ثابت وحساس لا يحابي ولا يجامل إذا وزنت به ستجد أن القوة الوحيدة المسيطرة في هذا الكون هي قوة الله وحدة وإذا استعملت هذا الميزان تبين لك بكل وضوح وجلاء أن كل شيء ما خلا الله باطل وتبين لك أن القيمة الحقيقية هي قيمة الإيمان -الإيمان فحسب، فيا أخي الكريم تأمل معي ذلك المشهد العظيم وتلك الصورة الرائعة من صور النصر والتمكين للمؤمنين انظر هناك ذاك فرعون وهذا هامان وتلك جنودهما هذا فريق قوامه السلطان والقوة والطغيان والجبروت واليقضة والحذر والجواسيس والجند والعدة والعتاد والعدد وهذا فريق آخر مقابل له في ذلك كله امرأة وما أضعف المرأة وان زعموا أنها امرأة حديدية وطفلها الرضيع قوام هذا الفريق ضعف ثم ضعف ثم ضعف فلا مقارنة بين الفريقين إن نسبة القوة بينهما تكاد تكون معدومة بل هي كذلك فالمادة والعقل المجردان من اليقين يقولان إن الفريق الأول سينتصر لا محالة ولا نستطيع أن نسمي ذلك انتصارا فحسب لا إنه سوف يسحقه سحقا غير آبه أو شاعر به كما قالت تلك النملة محذرة قومها وناصحة لهم يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) وهل يشعر إنسان أن هناك نملة تحت قدمه، ولكن اقلب الصفحة لترى لتعجب - لا بل لتستيقن أن الإيمان هو الحصن الحصين للضعفاء والمساكين وهو القوة التي لا يضعف من استمسك بها (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (كلا إن معي ربي سيهدين) (لا تحزن إن الله معنا) فذاك الفريق المكون من أم وولدها الرضيع المتمثل فيه الضعف منتهى الضعف كل الضعف قد انتصر في معركته مع الطاغوت مع الجبروت منتهى الجبروت وأي انتصار لقد كان انتصارا جد عظيما لقد كانت هزيمة الجبروت وطغيانه وجنده هزيمة منكره دوت بها الآفاق وحملتها السنون وسطرها التاريخ بمداد النور واليقين نقلته الدنيا عبر أثير تاريخها وسطرته في دواوينها وهاهو فرعون الذي كان يصرخ في قومه ما علمت لكم من اله غيري – أنا ربكم الأعلى هاهو يصرخ من جديد بأعلى صوته: (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) ها هو ينادي ولات حين مناص (آمنت انه لا اله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) وما ضر موسى ضعفه ما ضره انعدام قوته بالكلية وكان فرعون وجبروته وطغيانه صغيرا وحقيرا أمام ذلك الضعف المبين. أتدرون لماذا؟ لان الله كاف عبده (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) (أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور) (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) لا نافية للجنس فلا غالب لكم البته.

القضية إذن أيها الأحبة تعيدنا من جديد إلى قول حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - (احفظ الله يحفظك) والى قوله (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) والقرآن كله تقرير واثبات لهذا المبدأ (ومن يتولى الله ورسوله فان حزب الله هم الغالبون) (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز).

 

إن المؤمنين هم المنصورون حقا مهما كانت عدة العدو وعتاده ومهما كان عدده وقوته وسطوته ومهما كان علوه أو شدة باسه فالله اشد بأسا واشد تنكيلا (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون) فيا أيها الأخ المسلم زن الأمور بميزانها الحقيقي ولا يغررك ما ترى من علو للباطل فالحق أبلج فانك إن فعلت ذلك انكشف لك الأمر وتبين لك أن قافلة الإيمان سائرة والمؤمنون يحدوهم إيمانهم في قافلة الخير غير عابئين بمن نكص ولا بمن تخلى ولا بمن عادى أو تولى هم دوما ثابتون واثقون مستيقنون يعلمون أن النصر مع الصبر وان الله معهم وهو أبدا لن يخذلهم (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال - عليه الصلاة والسلام - (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة) وهم حين يرون البلاء ويعيشون الابتلاء يتذكرون قوله - تعالى - (فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله) ويذكرون قوله - جل وعلا -: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) ويتذكرون قوله - تعالى - (أفحسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) ويذكرون قوله - جل وعلا - (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) ولهذا وثقة فيه يقولون (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما).

 

أيها المسلمون: هذا ما يؤكده ذلك المشهد الذي ذكرته لك آنفا فإن الله - تعالى - قال لأم موسى فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني) وقال عن فرعون وهامان وجنودهما (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) فاليم هنا واليم هناك والفرق أن الضعف كله هنا والقوة والجبروت هناك مع هذا لم يستطع اليم أن يغرق الطفل الرضيع ولم يضره بشيء بل كان له مهادا وقارب نجاة بينما أغرق جيشا عرمرما كان قائده يزعم أنه هو الرب والأعلى.

 

القضية إذن أيها الأحبة أن الله - تعالى - كان مع موسى وأمه بينما كان الشيطان وليًا لفرعون وحزبه وشتان بين من كان الله مولاه وبين من كان الشيطان مولاه (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم).

 

وصدق القائل: وإذا العناية لاحظتك عبونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان

 

أخوة الإسلام: مما سبق يتضح لنا تدبير الله - تعالى - لأوليائه وعنايته بهم وحفظه لهم ففي صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي - رضي الله عنه - وهو حديث الغلام والساحر والملك وهو حديث طويل نأخذ منه موضع الشاهد وهو قول الغلام (اللهم اكفنيهم بما شئت) فكفاه الله ووقاه ومن يتوكل على الله فهو حسبه (أليس الله بكاف عبده) ويحكي الله - تعالى - عن مؤمن آل فرعون قوله (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا) ويحكي - سبحانه - عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام - رضي الله عنهم - أجمعين (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).

 

فمن هنا ننادي الإخوة الكرام كل الإخوة الباحثين عن مخططات العدو المنقبين عن مكايد العدو المتحدثين عن مؤامرات العدو نقول: إليكم مخطط السلام وطوق النجاة وسترتها ليس هنا في هذه الفانية فحسب ولكن في الدنيا وفي الآخرة إليكموه ولا تخافوا ولا تحزنوا - لا تخف ولا تحزن المهم أن تنفذ الشرط (وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) (ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين) (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) (فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين).

 

كل ذلك يقرر ما سبق أن القضية ليست في مخططات الأعداء وكيدهم ومكرهم ومؤامراتهم فهل ينتظر من العدو خلاف ذلك القضية إذن أنهم يمكرون ونحن غافلون القضية أنهم يتآمرون ونحن فيما بيننا متناحرون ومختلفون هم يتحدون ونحن نختلف وهم يعملون ونحن نائمون وفي الشهوات غارقون فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن العاقبة للمتقين وان الله مع المتقين (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) يقول - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه - (إذا سمعت أن الله أظهرني) وهو لما يزل في مكة وكل أحبابه مستضعفون وهاهو صلوات ربي وسلامه عليه يبشر سراقة بالنصر وفتح بلاد فارس في أثناء مهاجره والمشركون في طلبه وهاهو بأبي هو وأمي يطمئن أبا بكر والطلب فوق رأسيهما لو نظر أحدهم تحت رجليه لأبصرهما فيقول (ما ظنكم باثنين الله ثالثهما) وهاهو صلوات ربي وسلامه عليه يبشر المسلمين بفتح بلاد فارس والروم واليمن وقد وصف الله حال المسلمين إذ ذاك بما لا مزيد عليه (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الإبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) لكنه الأمن والتفاؤل والثقة بنصر الله ومن عرف الله حق معرفته ومن قدر الله حق قدره علم أن الله لا يخلف الميعاد وان النصر آت لا محالة فلنحقق شروطه ولنعمل لتحقيقه وشرطه تحقيق التقوى والإيمان والصبر واليقين متى حققنا ذلك قلنا لأعدائنا بملء أفواهنا (موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply