الرجل الساجد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وتمضي قوافل الأيام عابرة لميدان العمر ماخرة لعباب الحياة.

 

يوم بعد يوم.. وليلة في إثر ليلة.

 

وهكذا السنين تمضي والعمر يرحل..

 

ولا يبقى إلا ما دوِّن في الصحائف، وخطه الملكان!

 

وما هي إلا ليلة ثم يومها وحول إلى حول وشهر إلى شهر

 

منايا يقربن الصحيح من البلى ويدنين ذا الجسم الصحيح من القبر

 

ويظل أحمد كما عرفه الناس، وألفوا أن يروه، واعتادوا أن يبصروه..

 

قلبه معلق بالمساجد، فلا يكاد يرى إلا راكع أو ساجد.

 

سعداً له!!

 

ما أقوى صلته بالله، وهل الصلاة إلا الصلة بين العبد ومولاه؟

 

يبصر الناس يتحدثون في مجامعهم، ويتسامرون في منتدياتهم.. فينسل من بينهم كالمختلس!

 

لينصب قدميه.. مخبتاً بين يدي الله..

 

في موضع الشرف، ومقام الأمان.. ثم يدوي في مسمع الزمان والمكان بنداء الإيمان:

 

الله أكبر.. أوليس الله بأكبر من كل كبير؟

 

ويمضي في صلاته.. لا يلوي على شيء..

 

فلئن كانت لذة الناس بحياتهم، وأنسهم بدنياهم، فلذته بصلاته، وسعادته في عبادته. والناس فيما يعشقون مذاهب!

 

وكيف يلذ العيش من كان موقناً بأن المنايا بغتة ستعاجله

 

وكيف يلذ العيش من كان موقناً بأن إله العرش لا بد سائله

 

وطال به العمر.. وامتدت به الحياة..

 

حتى رق جسمه، ودق عظمه، وسقط حاجباه.. اشتعل الرأس شيباً.. واحدودب الظهر.. وخارت القوى، وارتعشت الأطراف.. وآذن العمر بالانصرام..

 

 وأو شكت الحياة بإسدال ستور الختام..

 

كفى موذنا باقتراب الأجل     شباب تولى وشيب نزل

 

وموت اللذاذة هل بعده       بقاء يؤمله من عقل

 

خطوة خطوة.. لحظة لحظة..يطوي مراحل المكتوب..

 

حتى ألقت أمواج الليالي والأيام بجسده على شاطئ أرذل العمر..

 

كقارب مهترئ قد نخره الزمن بتعاقبه، وأضناه الوقت بتلاحقه.

 

فلم يعد يعلم من بعد علم شيئا.

 

حتى أصابه الخرف، وأحاط بعقله التلف.. ونسي كل شيء!!

 

إلا أهم قضية في حياته، وأعظم أمر في عمره.. الصلاة..!!

 

وكيف تنسى وهي محطة التزود بالإيمان؟

 

وواحة الراحة والأمان؟! ومبعث السكون والاطمئنان؟!

 

أم كيف تمحى من سجل الذاكرة..

 

وتحت ظلالها الوارفة، وفيافيها الدافئةº انشراح الصدر وقرة العين، وبهجة الخاطر؟!

 

فهي زاد المسافر.. لليوم الأخر!

 

فكان يصلي إلى جهة القبلة بضع ركعات..

 

يصلي نحو هذا الجدار..

 

فيستدبره ليصلي نحو غيره..

 

كانت الصلاة شغله الشاغل، وعمله المتواصل.

 

وبينما هو قائم يصلي..

 

ركع.. ثم.. سجد..

 

أطال في سجوده..

 

سجد ه ما أطولها!! كأنما هو الجذع المنصوب.

 

مل من منظرة من يبصره..

 

دعاه.. ناداه..

 

لا مجيب!

 

حركه ذات اليمين.. قلبه نحو ذات الشمال.

 

وإذا به قد مات..وفارق الحياة.

 

في أِشرف مكان، وأعز موضع، وأكرم هيئة..

 

عاش عليها.. ومات عليها.. وسيبعث عليها.. إن شاء الله..

 

وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد!!

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply