بسم الله الرحمن الرحيم
جاء الإسلام ليقيم الأمة الوسط في نظامها وأحكامها، تضبط موازينها على أساس العدل، وتؤرخ أيامها وشهورها بالعد القمري والحساب الشهري.
فالعد والحساب صناعة حكيمة لا يتقنها إلا الماهرون من الحفظة وعد الأيام وحساب الساعات صناعة مهمة للمؤمنين، فالأيام والشهور والسنين هي مجموع عمر ابن آدم الذي قدره الله - تعالى - للمكث في هذه الدنيا، ومن ثم يتبعه المكث في القبور إلى يوم البعث، وهناك يكون الحساب والجزاء، وكما قال الإمام الحسن البصري- رحمه الله-: (يا بن آدم الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما).
وكان المشركون يشركون مع الله الدهر في القدرة على الإحياء والإماتة لغلبة الظن في أذهانهم بعدم القدرة على البعث، واتباعهم أهوائهم فضلوا وأضلوا، قال - تعالى -. ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)) الجاثية:23-24، ففقدوا الحواس الإدراكية، وأظلمت البصيرة المعرفيه في تقييم فائدة الزمن، فزعموا له ما ليس له.
ومع ذلك يأتي هؤلاء المشركون يوم البعث فيسألون عن مقدار لبثهم في الأرض، فتضيع المصطلحات الحسابية، وتنتهي قدراتهم العددية فيحاروا جوابا- وهم في غاية الذل والانكسار- قال - تعالى -: ((قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون. أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)) المؤمنون- فالسائل هو الله العلي الكريم يسأل المكذبين بالبعث سؤال التبكيت والقهر بعد النفخ في الصور وقيام الأموات من القبور، فأحالوا الجواب لمن أدرك الحساب من الملائكة أو الناس الصالحين الذين يتذكرون حساب مدة المكث، والإجابة بالإحالة إلى العادين فيها دلالة قوية على مدى اليأس والقنوط الذي اعتراهم وهم في موقف البعث الذي كذبوا به وهم أحياء في الدنيا، ويدل على ذلك ما جاء في سياق تصوير الموقف قوله - تعالى -: ((أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)).
ومن مفارقات آخر الزمان سرعة الأوقات وتقارب السنوات حتى تكون السنة كشهر والشهر كأسبوع والأسبوع كيوم واليوم كساعة، وهكذا تمضي الأعمار وتمر الأزمان ويظل العادون يدركون العدد، ويحسون بقصر تلك الحياة وضالتها، ويحسبون لما بعدها من المكث في القبور والبعث. ويظل الإيمان بالبعث وانتظار الحساب والجزاء اعتقاد المؤمن الجازم الذي لا يشك فيه، فيحاسب
نفسه على كل صغيرة وكبيرة، ويحسب عمره بانقضاء الليالي والأيام، ولا يتوانى في إدراك ما فاته
من اللحظات والدقات ليعمرها بالخير والعطاء سواء كانت تلك الأيام من عداد أيام الإجازات- كما يقال- أو من أيام العمل والاجتهاد-
ومن الإشكالات العجيبة في هذا الزمان أن يتناسى الناس حساب الأيام، فإذا بدأت الأعمال انتظروا الإجازات، وإذا انقضت العطلات قالوا لم يمر علينا مثل سرعة هذه الأوقات، حتى أن بعضهم يبدأ بحساب الإجازة القادمة من أول أيام الدراسة، حتى شب على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، فضاعت متعة الفروق بين الأوقات، والاستعداد لبذل الطاقات.
فحري عند استقبال المواسم الزمنية، مثل: استقبال المدارس في بداية العام، واستقبال! الإجازة في نهاية العام الدراسي، أن ندرك حقيقة العمر، وأن نحسب حساب الزمن، وأن نتدارك ما فاتنا من العبادات في غضون المشاغل والأعمال أو ما فرطنا فيه في أيام الإجازات، وأن نستغل أيامنا القادمة بالعمل الجاد الدؤوب المثمر لديننا وأمتنا وأنفسنا، وما يثقل به موازيننا يوم يكشف الكتاب، ويزداد الاضطراب، فيضيع الجواب إلا عن العادين الذين استعدوا ليوم الحساب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد