الاستغفار دعوة الأنبياء عليهم السلام ( 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ومن فوائد الاستغفار:

4 - زيادة القوة:

ومرة أخرى يخاطب هود - عليه السلام - قومه مبيناً لهم فوائد وفضائل الاستغفار، فيقول: \"وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَاراً وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ\" (هود:52).

قبل أن نتحدث عن القوة التي يعطينا الله إياها، لا بد لنا أن نتصور القوة التي كان عليها قوم هود - عليه السلام - إذ يقول الله عنهم: \"فَأَمَّا عَادٌ فَاستَكبَرُوا فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَن أَشَدٌّ مِنَّا قُوَّةً...\" (فصلت: من الآية15) وفي ذلك دلالة واضحة على أن الله أفاء عليهم بقوة عظيمة، وهذه القوة استخدموها في البطش والاستكبار في الأرض ورد الحق.

 

وعند ذلك لنا أن نتصور كيف كان سيمنحهم الله قوة إضافية على قوتهم، إذا هم استغفروا الله وأنابوا إليه.

ومن المهم أن ننظر إلى القوة هنا بمفهومها العام، فهي ليست قوة الأجسام فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى أمور أخرى، قال مجاهد: \"شدة إلى شدتكم\"، وقال الضحاك: \" خصباً إلى خصبكم\"، وقال علي بن عيسى: \"عزاً على عزكم...\" (الجامع لأحكام القرآن: القرطبي 5/35).

إن المرء يبحث عن القوة، سواء أكانت قوة الجسم والبدن، أو قوة العدة، أو كثرة العدد، أو كثرة الرزق بالمال والزرع والولد، وحين نتجاوز القوة إلى نتيجتها نجد أنها تثمر العزة، وهي نتيجة عظيمة بلا شك، فمن كان قوياً صار عزيزاً مرهوب الجانب.

 

ومن ناحية أخرى، فحين نتجاوز قوة الفرد إلى قوة الجماعة والأمة، نجد أيضاً قوة الفرد سبب لقوة الأمة، وبالتالي سبب لعزها واستقلالها، بل حاجة الأمم الأخرى إليها.

إن أحد أسباب القوة التي يجب أن تنظر إليها الأمة هذا اليوم عودتها إلى الاستغفار، وبالتالي عودتها إلى دينها وكتابها وسنة نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وفي مقابل ذلك فحين أرادت الأمة استمداد قوتها من غير الله _ - تعالى - _ وبدأت تلتفت ذات اليمين مرة وذات الشمال أخرى فقدت مقومات بقائها وعاشت ذليلة مهانة.

 

5 - دوام النعم واستمرارها:

هذا نبي الله صالح - عليه السلام - يخاطب قومه قائلاً: \" يَا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِن إِلَهٍ, غَيرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فِيهَا فَاستَغفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ\" (هود: من الآية61) يمتن نبي الله صالح على قومه بأن الله - سبحانه وتعالى - أنشأهم من الأرض، واستخلفهم فيها، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنهم فيها يبنون ويغرسون ويزرعون ما شاؤوا، وينتفعون بمنافعها، ويستغلون مصالحها. (انظر: تفسير السعدي ص340).

 

أفلا يستحق هذا الذي عمل للعباد كل ذلك، وامتن عليهم بذلك أن يُعبد وحده لا شريك له، وأن يستغفر من كل ذنب ومعصية.

إن بعض الناس يتقلب في نعم الله - تعالى - من كل جانب، إلا أن هذه النعم تقابل بالعصيان والكفران، مما يكون سبباً في زوالها، وهذا له نظائر وأمثلة كثيرة في القرآن \"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَداً مِن كُلِّ مَكَانٍ, فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ\" (النحل:112).

 

وإذا شئنا أن نتقلب في النعيم فلا بد لنا من المحافظة على قربنا من الله - تعالى - بكثرة الذكر والاستغفار والبعد عن الذنوب.

 

6 - عدم الاستغفار سبب مشاقة الدعوات:

يدعو شعيب - عليه السلام - قومه إلى عدم مشاقته، محذراً إياهم من العذاب: \"وَيَا قَومِ لا يَجرِمَنَّكُم شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِثلُ مَا أَصَابَ قَومَ نُوحٍ, أَو قَومَ هُودٍ, أَو قَومَ صَالِحٍ, وَمَا قَومُ لُوطٍ, مِنكُم بِبَعِيدٍ, وَاستَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُود\" (هود:89، 90).

إن بُعد المرء عن ربه سبب لقسوة قلبه، وقسوة القلب سبب عن الإعراض عن الحق، بل صد الناس عنه وعدم قبوله، وهذا كله ناتج من قرب الشيطان من الإنسان، ألم يقل الله - تعالى -: \"وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّض لَهُ شَيطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ\" (الزخرف:36).

 

وعليه فإن نبي الله شعيب ينهى قومه عن المشاقة لئلا يصيبهم ما أصاب الأقوام السابقين، ثم يربط ذلك مباشرة بالاستغفار، وكأن الاستغفار عند حصوله سبب للطاعة، ومانع للمشاقة، وتالياً العذاب.

إن على المرء إذا أراد البحث عن سبب يعينه على دوام طاعة الله - تعالى - فليحافظ على الاستغفار والذكر، الذي سوف يكون مانعاً من حضور الشياطين وقربهم من الإنسان.

 

7 - سعة الرزق:

حين كان نوح يجادل قومه أمرهم بالاستغفار معدداً لهم فوائده الكثيرة، ومنها: \" يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَاراً وَيُمدِدكُم بِأَموَالٍ, وَبَنِينَ وَيَجعَل لَكُم جَنَّاتٍ, وَيَجعَل لَكُم أَنهَـاراً\" (نوح:11، 12).

 

ففي هذه الآية بيّن لهم خمس فوائد للاستغفار أحدها: المطر (وهذا سبق الحديث عنه)، الثانية: الرزق، الثالثة: الولد، الرابعة: كثرة البساتين والزراعة، الخامسة: كثرة المياه والأنهار.

 

ولا يخفى أن هذه الآية قد أتت على جلّ فوائد الاستغفار، واختصرتها في كلام جامع معجز.

 

بقي أن أشير إلى أمور مهمة، أذكرها دون تفصيل، وأسأل الله _ - تعالى - _ أن ييسّر الوقت للحديث عنها بتوسع، أو أن يقيض من يتحدث عنها بتوسع.

1 - نلاحظ أن الأنبياء بيّنوا أثر الاستغفار على الأمم، وهو – بلا شك – أثر على الأفراد من باب الأولى.

2 - إن هذه الفوائد العظيمة للاستغفار جديرة بأن تتأمل، وأن يسعى الإنسان في الحصول عليها بكل ما أوتي من قوة.

3 - إن حرص الأنبياء ودعوتهم إلى الاستغفار يدلان على أهميته الكبيرة.

4 - علاقة الاستغفار بالذنب علاقة واضحة، وحاجة المرء إلى الاستغفار بقدر مقارنته الذنوب، ولذلك فهو لا ينفك عن الاستغفار.

5 - إن الشرك والكفر والنفاق كلها موانع لمغفرة الله - تعالى -، يقول - تعالى -: \" إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ...\" (النساء: من الآية48)، ويقول - تعالى -: \"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازدَادُوا كُفراً لَم يَكُنِ اللَّهُ لِيَغفِرَ لَهُم...\" (النساء: من الآية137)، ويقول - تعالى -: \"سَوَاءٌ عَلَيهِم أَستَغفَرتَ لَهُم أَم لَم تَستَغفِر لَهُم لَن يَغفِرَ اللَّهُ لَهُم...\" (المنافقون: من الآية6).

6 - أمر المسلمون جميعاً بالمسارعة والمسابقة إلى المغفرة، يقول - تعالى -: \"وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِن رَبِّكُم...\" (آل عمران: من الآية133)، ويقول - تعالى -: \" سَابِقُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِن رَبِّكُم...\" (الحديد: من الآية21).

7 - يمكن أن تنال المغفرة بأمور كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

أ - الإيمان: \" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَغفِرَةٌ...\" (المائدة: من الآية9).

ب - التقوى: \"إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجعَل لَكُم فُرقَاناً وَيُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِر لَكُم...\" (الأنفال: من الآية29).

ت - الجهاد: \"وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ, مِنهُ وَمَغفِرَةً وَرَحمَةً...\" (النساء: 95، 96).

ث - التوبة: \" فَاغفِر لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ...\" (غافر: من الآية7)

ج - الخشية: \"إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكرَ وَخَشِيَ الرَّحمَنَ بِالغَيبِ فَبَشِّرهُ بِمَغفِرَةٍ,...\" (يّـس: من الآية11)

ح - الصبر: \" إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مَغفِرَةٌ...\" (هود: من الآية11).

خ - العفو: \" وَليَعفُوا وَليَصفَحُوا أَلا تُحِبٌّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم...\" (النور: من الآية22).

د - العمل الصالح: \" إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مَغفِرَةٌ...\" (هود: من الآية11)

8 - تأمل في نفسك – أخي الكريم – ماذا حققت من هذه الأمور التي ذكرتها لك آنفاً؟ هل حققتها جميعاً أم بعضها؟ إنك تنال المغفرة بقدر تحقيقك لها.

9 - إن المرء حين يعود إلى القرآن يلحظ معالجته لما يتعلق بالعباد، من جميع الجوانب، لكننا بحاجة إلى أن نجمع الآيات مع بعضها، ونتأمل فيها ونقارن، وعند ذلك نجد أن كل آية قد عالجت جانباً من جوانب الموضوع الذي نتحدث فيه، وهذا يقودنا إلى:

10 - ضرورة جمع الآيات في الموضوع الواحد قبل النظر في أي شيء آخر، ثم جمع النصوص الأخرى من أحاديث أو أقوال للسلف أو غير ذلك.

 

اللهم أعنّا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply