بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب محبة العبد لله:
أما الأسباب التي تجلب محبة الله - عز وجل - للعبد فهي كثيرة أيضاً ونذكر منها:
(1) الإتباع:
قال - تعالى -: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} إن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من هذا الوحي العظيم، سبب عظيم من أسباب محبة الله - عز وجل - لعبده.
(2) التقوى:
قال - تعالى -: {إن الله يحب المتقين}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي)).
تقوى الله - عز وجل - سبب عظيم من أسبب محبة الله لعبده، والتقوى: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله - عز وجل - وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقيل: هي أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. وقيل: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف من عقاب الله، وقال الإمام أحمد: هي ترك ما تهوى لما تخشى، وقيل: هي ترك الذنوب صغيرها وكبيرها.
(3) الصبر:
قال - تعالى -: {والله يحب الصابرين}.
الصبر سبب جليل من أسباب محبة الله - تعالى - لعبده، فليحرص عليه العبد بأنواعه الثلاثة: فليصبر على طاعة الله – سبحانه - وليصبر على معاصيه، وليصبر على أقداره المؤلمة.
وقد أمر الله - عز وجل - في كتابه بالصبر في آياتٍ, كثيرات منها قوله - تعالى -:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا}.
وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصبر، ورغب فيه في أحاديثٍ, كثيرة منها: ((ومن يَتَصَبَّر يصبِّرُه الله، وما أُعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر)).
(4) الإحسان:
قال - تعالى -: {والله يحب لمحسنين}.
الإحسان سبب جليل من أسباب محبة الله لعبده، وهو كما عرفه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
وقد أمر الله بالإحسان في كتابه في آياتٍ, كثيرة وحث عليه، قال - تعالى -: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}.
وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً على الإحسان وأمر به في كل شيء فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)).
(5) التوبة:
قال - تعالى -: {إن الله يحب التوابين}.
التوبة: من أسباب محبة الله لعبده إذا تحققت بشروطها المعروفة وهي:
(1) أن يقلع العبد عن المعصية.
(2) أن يندم على فعلها.
(3) أن يعزم عزماً أكيداً على أن لا يعود إليها أبداً.
(4) إذا كانت تتعلق بحقِّ آدميٍ, فعليه أن يبرأ من حقه.
(5) فإذا تحققت هذه الشروط لأربعة في التوبة: كانت سبباً لمحبة الله - تعالى - لعبده.
فهو – سبحانه - يحب التائبين ويفرح بتوبتهم، وذلك لعظيم رحمته وسعة مغفرته.
وقد أمر الله عباده بالتوبة في آياتٍ, كثيرات، منها قوله - تعالى -: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها في أحاديث كثيرةٍ, أيضاً، ورغب فيها: ففي رواية لمسلم من حديث الأغر بن يسار المزني: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة)).
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - تعالى - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)).
(6) الطهارة:
قال - تعالى -: {والله يحب المتطهرين}.
الطهارة سبب من أسباب محبة الله لعبده، وهي قسمان:
طهارة حسية، وطهارة معنوية:
أما الطهارة الحسية: فهي التطهر من الأنجاس والأحداث.
وأما الطهارة المعنوية: فهي التطهر عن الشرك والأخلاق الرذيلة والصفات القبيحة.
(7)التوكل:
قال - تعالى -: {إن الله يحب المتوكلين}.
التوكل من أسباب محبة الله - تعالى - لعبده، وهو اعتماد القلب على حول الله وقوته، والتبرء من كل حول وقوة.
وقد أمر الله - تعالى - بالتوكل وحث عليه ورغب فيه في آياتٍ, كثيرات، منها: قوله - تعالى -:{وتوكل على الحي الذي لا يموت}.
وقال - سبحانه - {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
وكذلك حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على التوكل ورغب فيه في أحاديث كثيرة منها:
حديث ابن عباس - رضي الله عنه -في وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال: ((هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)).
وعن ابن عباس - رضي الله عنه -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت، والجن والأنس يموتون)).
(8) العدل والقسط:
قال - تعالى -: {إن الله يحب المقسطين}.
القسط والعدل: من أسباب محبة الله - تعالى - لعبده، كما أن الظلم من أسباب بغض الله - تعالى - لعبده، قال - تعالى -: {والله لا يحب الظالمين} وقد حث الله - تعالى - في كتابه على العدل والقسط في آياتٍ, كثيرات، منها: قوله - تعالى - {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} وقال – سبحانه -:{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}.
وكذلك حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على العدل في أحاديث كثيرة منها: عن النعمان بن بشير قال: قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلٌّوا)).
(9) القتال في سبيل الله:
قل - تعالى -: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ المرصوص}.
وقال - تعالى -: {فسوف يأتي الله بقومٍ, يحبهم ويحبونه أذلةٍ, على المؤمنين أعزةٍ, على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}.
القتال في سبيل الله: من أسباب محبة الله - تعالى - لعبده، وقد أمر الله - تعالى - به في آياتٍ, كثيرة من كتابه، منها:
وقال – سبحانه -: {انفروا خفافاً وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}.
وكذلك حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجهاد في سبيل الله ورغب فيه في أحاديث كثيرة، منها:
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله - تعالى -: قال: ((الصلاة على وقتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)).
وعن أنس - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لغدوةٌ في سبيل الله، أو روحة، خيرٌ من الدنيا وما فيها)).
وعن عبد الرحمن بن جبير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اغبرت قدما عبدٍ, في سبيل الله فتمسه النار)).
(10) التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض:
فهذا بابٌ يوجب محبة العبد لله ومحبة الله للعبد كما أسلفنا.
(11) محبة أسماء الله وصفاته:
عن عائشة - رضي الله عنها -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب {قل هو الله أحد} فلما رجعوا، ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((سلوه لأي شيءٍ, صنع ذلك؟))فسألوه، فقال: لأنها صفةٌ للرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أخبروه أن الله - تعالى - يحبه)).
(12)اجتناب الأعمال التي لا يحب الله أهلها:
قال - تعالى -:{إن الله لا يحب المعتدين} {والله لا يحب كل كفارٍ, أثيم} {والله لا يحب الظالمين} {إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا} {إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما} {والله لا يحب المفسدين} {إن الله لا يحب الخائنين} {إنه لا يحب المستكبرين} {إن الله لا يحب كل خوانٍ, فخور} {إن الله لا يحب الفرحين} قال السعدي: أي لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، تفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن الله لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها.
وقال - تعالى -: {إنه لا يحب الكافرين}.
(13) الحب في الله:
والحب في الله من أسباب نيل محبة الله - تعالى -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمةٍ, تربٌّهَا؟(أي: تقوم بإصلاحها، وتنهض بسببها) قال:لا. غير أني أحببته في الله - عز وجل -. قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)).
وعنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).
وفي الجملة أن من حافظ على ما يحبه الله ويرضاه، وابتعد عن كل ما يسخط الله - تعالى - ويأباه: نال محبة الله - عز وجل - ورضاه.
ثمرات محبة الله - تعالى - للعبد:
إن لمحبة الله - تعالى - لعبده ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، فيكفيه أن يكون الله - تعالى - معه في كل صغيرة وكبيرة يوفقه ويسدده ويحفظه ويرعاه، يحفظ سمعه عن السماع لما يغضب الله، ويحفظ بصره عن رؤية ما يغضب الله، ويحفظ يده عن أن تفعل ما يغضب الله، يحفظ قدمه من أن تمشي إلى ما يكرهه الله، ويحفظ جوارحه كلها عن كل ما يسخط الله - تعالى - ويغضبه.
يحبه جبريل، ويحبه أهل السماء جميعاً، ويوضع له القبول في الأرض بين الناس.
ينجو من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، وينال كتابه بيمينه، ويمر على الصراط مرور الكرام، ويشرب من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وينجو من النار وعذابها، ويدخل الجنة دار الكرامة، وينظر إلى وجه الله - تعالى - وهو أعظم نعيمٍ, للمحب أن يرى حبيبه بعدما طال الشوق إليه، ويرضى الله - تعالى - عليه رضاً لا سخط بعده أبداً.
كل هذه الثمرات لا تجعل العبد في نيل محبة الله - تعالى - ورضاه؟!عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ, أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه)).
وعنه أيضاً قال: قال رسول له - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أحب الله - تعالى - العبد، نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)).
وأخيراً نسأل الله أن يجعلنا من المحبين الصادقين، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وألا يفضحنا بين خلقه ولا بين يديه، وأن يرزقنا لذة النظر إلى حسن وجهه الكريم، وصحبة نبيه الأمين، في جنات النعيم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد