بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
سألتني نفسي يوماً:
ما أكثر ما تقرأ يا هذا؟.. فما الذي تريده بالضبط؟..
أو بعبارة أخرى:
ما الذي تبحث عنه بين تلال هذه الأوراق التي تغرق نفسك فيها، ولا تكاد تخرج منها..؟!
قلت في غيظ ملحوظ وأنا أصر على أسناني بقوة:
إنما أبحث عما يساعدني على تأديبك، ويعينني على أسرك؟
ويمكنني من تقييدك.. حتى لا تنفلتين، وما أكثر ما تفعلي..!!!
رسمت على وجهها نصف ابتسامة ثم قالت في شماتة:
وإلى أين وصلت أيها….. أيها...…. أيها الحبيب..؟!!
كتمتُ غيظي للحظات خلتها دهرا، ثم قلت في غيظ:
ما زلت أبحث.. وسأظل أبحث.. هذه نيتي.. وستبقى متأججة..
ولن أيأس.. لعل وعسى..ويومها ستعلمين.. ستعلمين ماذا سأفعل بك!!
قهقهت الماكرة هذه المرة ورفعت صوتها ثم قالت:
معنى ذلك أنك لم تصل إلى شيء حتى الآن.. أليس كذلك؟!!
قلتُ في استحياء شديد وأنا أطأطئ رأسي: بل وصلت إلى أشياء كثيرة،... نعم كثيرة والله..
لو أني عملتُ بها لاستقام أمري معك، على خير ما تكون الاستقامة..
تقطب جبينها في غضب ثم قالت في حنق: فما الذي يمنعك يا سيدي…؟!
قلتُ في أسى: أنتِ.. وهل أحد غيرك يفعل بي العجائب وأخواتها..؟!
كلما عقدتُ العزمَ حللتيه.. وكلما خطوت خطوة إلى الأمام، أرجعتني إلى الخلف خطوتين..! تباً لك ماذا تريدين بي ومني..؟!
أعتقيني لوجه الله، ليعتقك الله من نيران جهنم...!!!!
افتر فمها عن ابتسامة عريضة ملأت وجهها، ثم قالت في شبه استخفاف:
وهل ما زال لديك أمل في الوصول إلى ما ترجو الوصول إليه.؟؟!
صحت بقوة في يقين وثقة:
نعم..نعم بكل تأكيد..فاليأس من الله قرين الكفر..ولن أيأس أبداً أبداً..
ومن ثم فإني سأظل على أمل ما دامت أبواب التوبة مفتّحة..
وما دامت ثقتي بكرم الله ولطفه ثقة عظيمة لا تُحد..
ومن هنا فأنا على يقين أنه سينقذني منك ذات يوم، ولو بعد حين..
طال الزمن أو قصر.. ما دمت أسعى جاهدا في طلب السيطرة عليك..
وما ذلك على الله بعزيز.. فانتظري... إنا منتظرون..!
قالت وقد بدا على ملامحها شيء من العبوس:
أتراك نسيت الشيطان يا هذا..؟
إنه هو الذي يجرك من أنفك إلى كل ما لا تحب، وأنت تتابعه في بلاهة..
ثم أراك ترمي بسخطك عليّ أنا.... أنا..أنا.. أنا المسكينة..!!
قلت: أنت السبب.. فلولاك ما تجرأ اللعين أن يقتحم أسوار قلبي الحصينة ليعيث فيها فسادا وإفساداً ويجعل عاليها سافلها..
لولا انخداعك أنت به، ما تمكن أن يفتح ثغرة في تلك الحصون..!!
قالت في شيء من الغضب وبدت وكأنما هي تزمجر وتهدر وترعد وتبرق:
ويحك.. ألا تفهم.. هو الذي زين وحلى وهيج وبهرج وزخرف …!!
قلت وقد أخذ صوتي يرتفع في حدة:
نعم هذا صحيح.. استطاع الخبيث أن يلوّح لك بعظم صاف أجرد، ليس فيه إلا رائحة اللحم وعروق من دم،
فسقطت نفسك على هذا العظم..
فأخذت في متابعته على أمل أن تجدي فيه شيئا!!
ثم أخذ الخبيث يمارس هوايته المفضلة عليك، فاستمر بالتلويح لك وهو يتبسم في إغراء، وأنت تركضين وراءه في انبهار وبلاهة، حتى تمكن أن يبعدك تماما، أو تمكن أن يخدرك تماما، ثم شن غاراته المتتابعة في ضراوة وبلا هوادة، والحصون تتهاوى تحت الضربات المجنونة، وأنا … أنا.. أنا المسكين خلال ذلك أتحطم.. وآكل العلقم!!
ويحك..! ألم تسمعي قول ربك تبارك اسمه: (إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوُّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ
لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ)..؟؟
ألم تقرأي وتتأملي قول ربك ومولاك سبحانه: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوُّ مُبِينٌ)..؟؟
حين باغتها هذا الهجوم العاصف، تلعثمت قليلا، ثم أخذت تردد:
لكن.. لكن......لكن يا عزيزي.....…!
فسارعت أقطع عليها الحديث، لأشدد عليها الخناق، ولأكثف حولها الحصار:
لكن.. لكن ماذا؟؟ تباً لك...!
استطاع الخبيث أيتها الغبية أن يزين لك الشر..
وأن يلبّس عليك الأمور، وأن يموه في عينيك الحقائق، فإذا بقشرة الباطل تبدو براقة حلوة، فأوغلت في طريق المعصية، وإذا بسماجة الشر، تغدو جميلة وحلوة في عينيك الكليلتين..
فإذا بك تنطلقين وراءه، كالمسحورة به، وهو يطلق البخور من حولك، ويدوي بالطبول وراءك ومن أمامك، وعلى يمينك وعلى يسارك، حتى لا تسمعي صوتا غير صوت وساوسه..!!
يا هذه إني أراك لا تعرفين الله -جل جلاله- رغم أنك تزعمن محبتك له؟؟
وهنا صاحت صيحة قوية مدوية، أفزعتني والله، هتفت في جزع:
بلى..بلى.. بلى والله. أعرفه.. أعرفه جيدا..
ومن لي غيره إذا ضاقت بي الأمور، واشتدت علي الكروب..؟
ولذا فإني أحبه..أحبه..!!
قلت في غيظ:
حتى الشيطان نفسه قال ذلك، مع أنه مطرود من رحمة الله..!!
وما راعني منها إلا أن رأيتها قد طأطأت رأسها، وأخذت تبكي وتنوح، ثم أخذت تتداخل وتنكمش.. فاهتبلتها فرصة، وأخذت أكثف حملاتي عليها، وأجهد أن أوجه إلى وجهها ضربة قاضية.. فقلت:
لو كنتِ تؤمنين حقا، وتحبينه كثيرا كما تدعين، فإني استحلفك بالله _ الذي لا يحلف بغير اسمه _..
أن تدلينني على طريقة تعينني عليك، وتمكنني منك....!!
وكأنما بوغتت بهذا السؤال، ولم تتهيأ له، فانتفضت، ونهضت، وبدت وكأنما توليني ظهرها، ثم التفتت إليّ وقالت وفي نظراتها تتجلى الصرامة الشديدة:
كن رجلاً..! كن رجلاً يا هذا..
اضغط عليّ.. ومارس ضغطك أمام أهوائي، ومهما توسلت إليك، ونحت بين يديك فلا تطاوعني.. واستمر على ذلك..
فإذا أنا طيعة بين يديك، وإذا بك قد نلت مرادك مني..!
كن رجلاً ودس على هواك بنعلك، ثم طر إلى الله – تعالى-
وستجد نفسك مرفرفاً.. ولا أملك بدوري إلا أن أتابعك..!
ثم قالت وعلى شفتيها ابتسامة عجيبة:
تذكر قول الشاعر ولا يغيب عنك:
و النفس كالطفل إن تهمله شب على **** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ
وانصرفت عني مولية.. وأنا أحملق في ذهول …!
وهمس لي قلبي في حب:
عرفت الطريق يا هذا.. لكن بقي العمل..!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد