رسالة لمن فقد السعادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أيها الإخوة والأخوات خلق الله الخلق من أصل واحد وجعلهم يختلفون في أشكالهم وألوانهم وأحوالهم منهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الصالح الزاهد والكافر الحاقد لكن هؤلاء جميعا يتفقون في أنهم يسعون سعيا حثيثا لتحصيل غاية واحدة هي السعادة. فالتاجر الذي يمضي نهاره في التجارات والطالب الذي يقضي السنين بين المدارس والجامعات. والموظف الذي يبحث عن ارفع المرتبات والرجل الذي يتزوج امرأة حسناء أو يبني منزلا فاخرا، كل هؤلاء أنهم يبحثون عن السعادة بل والشباب والفتيات الذين يستمعون إلى الأغنيات وينظرون إلى المحرمات إنما يبحثون عن السعادة سعة الصدر وراحة البال وصفاء النفس غاية تسعى النفوس لتحصيلها فعجبا لهذه السعادة التي يكثر طلابها ويزدحم الناس في طريق الوصول إليها.

 ولكن السؤال الكبير: هل حصل واحد من هؤلاء على السعادة التي يرجوها؟ هل هو في أنس وفرح حقيقي؟ ليس فيه تصنع ولا تظاهر. هكذا الناس يطلبون المنايا وأول من يفقد السعادة هو من تطلبها بمعصية الله عز وجل فأصحاب المعاصي في الحقيقة ليسوا سعداء وان اظهروا الانشراح والفرح، ولا تغتر بظاهر عبيد الشهوة فإنهم يضحكون ويبتسمون ولكن قلوبهم رأيتها كمراجل النيران ووقودها الشهوات والحسرات والآلام.ولكن لله أقوام عاشوا عيش السعداء أذاقهم الله تعالى طعم محبته ونعَّمهم بمناجاته وطهر سرائرهم بمراقبته وزين رؤوسهم بتيجان مودته فذاقوا نعيم الجنة قبل أن يدخلوها فلله درهم من أقوام عرفوا طريق السعادة فسلكوه وقد اشتاق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا العيش فكان يدعو كما عند الترمذي وغيره ويقول: \"اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء ومرافقة الأنبياء والنصر على الأعداء\". أولئك السعداء إذا ضاق صدر أحدهم بمصيبة أو اشتاقت نفسه إلى حاجة بسط في ظلمات الليل يداً سائلة وسجد بين يدي ربه بنفس وجلة وسأل ربه من خير كل نائلة وأحسن الظن بربه وعلم انه واقف بين يدي ملك لا تشتبه عليه اللغات ولا تختلط عليه الأصوات ولا يتبرم بكثرة السائلين وتنوع المسؤولات إذا جن عليهم الليل وفتح ربهم أبواب مغفرته كان هؤلاء السعداء هم أول الداخلين المؤمنون بآيات الله حقاً.وكم من الناس يتساهل بالمحرمات فإذا نصح قال لك \"أنا ما فعلت شيئا الناس يفعلون أعظم من ذلك\" والله جل وعلا يقول: {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} ومن هانت عظمة الله في نفسه فتساهل بالمعاصي والمخالفات فليعلم انه ما ضرَّ إلا نفسه وان لله جل وعلا عبادا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون هم أكثر منا عدداً وأعظم خوفاً وتعبداً.السعداء كثر في الدنيا اجتهادهم فعلت بين الناس رتبهم حتى لا يقاسوا عند الله بأشكالهم ولا بأحجامهم وإنما يرتفعون عند ربهم جل جلاله بأعمالهم التي يتقربون إليه بها.والإنسان كلما ازداد انخراطاً في اللذات واتباع الشهوات نزع الله منه أسباب السعادة وسلط الله عليه الضيق والهموم لماذا؟ لأن انشراح الصدر ولذة العمر نعم عظيمة لا يعطيها الله تعالى إلا لمن يحب.لذا امتن الله بها تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال له: {ألم نشرح لك صدرك}.. وأولى عقوبات المعاصي ضيق الصدر، ولو علم العاصي والعاصية ما في العفاف والطاعة من اللذات والسرور والانشراح والحبور لعلموا إن الذي فاتهم من لذة الإيمان أضعاف ما حصلوا عليه من لذة معصية عابرة فضلا عما يكون يوم القيامة قال ابن عباس: \"إن للحسنة نورا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس وإن للسيئة ظلمة في القلب وسواداً في الوجه ووهناً في البدن وبغضة في قلوب الخلق\" وقال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: \"من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه في النهار\" وصدق الله إذ قال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء}. فأهل الهدى والإيمان لهم انشراح الصدر واتساعه وأهل الضلال لهم ضيق الصدر والبلاء والكربة والشقاء وانفراط الأمر وتعاسة العمر. إن الملل الدائم الذي ينزله الله بمن عصاه أو طلب السعادة والأنس في غير رضاه ليضيق على أهل المعصية دنياهم وينغص عليهم عيشهم حتى يتحول ما يسعون وراءه من متع إلى عذاب يتعذبون به فلماذا يتحول سماعهم للغناء ومواقعتهم للفحشاء وشربهم للخمر ونظرهم إلى الحرام لماذا يتحول هذا كله إلى ضيق بعد أن كان سعة وإلى حزن بعد أن كان فرحة، لماذا؟ الجواب واضح لأن الله تعالى خلق الإنسان لوظيفة واحدة لا يمكن أن تستقيم حياته ولو اشتغل بغيره، فإذا استعمل الإنسان جسده وروحه لغير الوظيفة التي خلق لأجلها تحولت حياته إلى جحيم دائم. لو أن رجلا يمشي في طريق فانقطع نعله فجأة فلما رأى ذلك أخذ قلما ثم وضعه تحت قدمه وقال لنا امشي بالقلم كما كنت امشي بالنعل لقلنا له أنت مجنون يا فلان لأن القلم إنما صنع لوظيفة واحدة وهي الكتابة ولا يمكن أن يعمل في غيرها بل ينكسر ويفسد عليك والنعل إنما صنع لوظيفة واحدة هي أن يمشي به ولا يمكن أن تأخذ القلم وتجعله تحت رجلك للمشي كما انه لا يمكن أن تأخذ الحذاء وتجره على الورق حتى تكتب به فهذا خلق لوظيفة وصنع لها وهذا خلق لوظيفة معينة وصنع لها وكذلك الإنسان خلق لوظيفة واحدة هي طاعة الله تعالى وعبادته فمن استعمل حياته لغير هذه الوظيفة فلابد أن يضل ويشقى ولو نظرتم في حال من استعملوا حياتهم لغير ما خلقوا له لوجدتم في حياتهم من الفساد والضياع ما لا يوجد عند غيرهم لماذا يكثر الانتحار في بلاد الإباحية والفجور؟.. لماذا ينتحر في أمريكا سنويا أكثر من 25ألف شخص وقل مثل ذلك في بريطانيا وفرنسا والسويد وغيرها.. لماذا ينتحرون؟ ألم يجدوا خمورا يشربون.. كلا الخمور كثيرة، ألم يجدوا بلادا يسافرون؟..كلا البلاد واسعة منعوا من الزنا أم حيل بينهم وبين الملاعب والملاهي أم أقفلت في وجههم الحانات والبارات كلا.. بل هم يفعلون ما شاؤوا ويتقلبون بين متع أعينهم وأبصارهم وفروجهم. إذاً لماذا ينتحرون؟ لماذا يملون من حياتهم؟ لماذا يتركون الخمر والزنا والملاهي ويختارون الموت، لماذا؟ الجواب واضح. {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} تلاحقهم جميعا المعيشة الضنك في ذهاب أحدهم ومجيئه وسفره واقامته تأكل معه وتشرب وتقوم معه وتقعد تلازمه في نومه ويقظته تنغص عليه حياته حتى الممات ومن أعرض عن الله وتكبر ألقى الله عليه الرعب الدائم.اما العارفون لربهم المقبلون عليهم بقلوبهم فهم السعداء {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply