سلسلة اعترافات فتاة ( سأكون أصلب من حجر )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كان كل شيء هادئاً كما اعتدت عليه.. والغرفة كما هي باردة.. الستائر منسدلة وكل شيء مبعثر في الغرفة الملابس والكتب والدمى.. نظرت بصمت إلى الأشياء المبعثرة.. أوصدت الباب بقوة وأنا محملقة في الغرفة أبحث عن جواب لأسئلة ظلت تلح علي منذ زمن بعيد..

جلست على السرير منهكة.. أسندت ظهري للجدار وتاهت الأفكار في رأسي.. ليتني أستطيع أن أنام.. أحس أن حشرجة ومرارة تغص في حلقي.. أبتلع الدموع وأشعر بمرارتها.. أنظر إلى المكتبة التي تغص بعشرات الكتب.. ولكني لا أقوى على القراءة في مثل هذه الحالة.. فبالي مشغول بما هو أهم..

 

في هذا المساء الدافئ يسافر وجهي بعيداً.. كنت أظن أن الحياة قد بدأت تنثر ورودها على وجهي بعد طول صبر.. ولكني لم أنل إلا مزيداً من الصفعات... كانت بريئة حينما تلقيت الصفعة الأولى ثم أتت الصفعة الثانية وتوالت الصفعات.. حتى اعتاد وجهي على الصفعات كجزء لا يتجزأ من روتين كل يوم..

 

قاسيت مرارة الحرمان وأنا في سن صغيرة.. ثم التقيت به وأنا في أشد حالات ضعفي فيما يسمى (شات) فتشبثت به كالغريق الذي يعلق أمله في قشة..

تشبثت به وأنا لم أفهم بعد معنى الحب.. كل ما كنت أفهمه أن في شخصه ما يشدني ويجذبني إليه.. هذا الرجل الذي سمح لنفسه بمناداتي (حبيبتي).. وكانت المرة الأولى التي أنادى بهذه الطريقة على لسان ذكوري.. وأخذ يغدق علي بسيل من العبارات الرقيقة المسبوكة بدقة محترف..

 

لا أعلم أكان حبي له حقيقة أم مجرد إعجاب برجل ساقته الأقدار في طريقي..

الهدوء يعم المكان.. يساعدني على الاسترسال في التفكير.. فقد نامت عيون الجميع إلا عيني اللتين أتعبهما السهاد.. تسرب صوت المؤذن داخل غرفتي ليحرك مشاعري من جديد.. رددت النداء معه كلمة.. كلمة.. حتى شعرت بالراحة.. صدقت أختي حينما قالت أنه لا راحة توازي الراحة الحاصلة بعد سماع صوت المؤذن وقت الفجر.. والناس نيام.. وأنا وحدي متيقظة أتفكر به وبوضعي ثم أردد النداء بعد المؤذن.. أشعر برعشة تسري في أوصالي وأطراف أصابعي.. رعشة غريبة.. رغبة جامحة في البكاء.. هل هذا ما يسمونه بالخشوع.. أم أنها رغبة في البكاء لا أكثر.. أبكي.. لا لن أبكي عليه.. فهذا بكاء الندم والتوبة عما فات..

لن أنكسر بسببه فأنا بحاجة إلى كل ذرة قوة..

يجب أن أساند نفسي وأمدها بجرعات من القوة والإيمان..

عليَّ ألاّ أتركها تتوه في غياهب الحزن وحدها لتتمكن منها.. ثم لأجل من كل هذا البكاء؟؟ لرجل لا يكن لي قطرة من احترام.. لرجل لا يهمه من أمري سوى طولي ووزني وجمال صوتي وكمية التنازلات التي سأقدمها له.. لرجل يرى أن جميع النساء في النت سخرت له ولأمثاله.. لرجل يعتقد أن كل من تدخل عالم النت هي متحررة من القيم يحل له إقامة علاقة معها بكل بساطة..

كلا.. غيابه لن يؤثر عليَّ إلى هذه الدرجة.. فقد أرشدني الله من حيث لا أحتسب.. ألهمني الرشد حينما صرخت في وجهه وقلت لأول مرة

(لااااااااااااا) حينها ظهر على حقيقته نزع عنه ستار الحب والعطف والرحمة.. ظهرت لي أنيابه.. لم يتوقع مني هذه الصحوة المفاجئة.. هزه اعتراضي.. أغضبه صدودي وامتناعي.. بدأ بالتكشير والصراخ.. ثم حاول تلطيف الجو بتمثيل الحب والغرام مرة أخرى.. ولكني استيقظت أخيراً.. ولن يعود قادراً على خداعي مرة أخرى.. لقد رأيت ما فعله بغيري بأم عيني وسمعت آلاف القصص من أفواه فتيات ذقن أقسى الآلام نتيجة لتصديق كلامه المعسول.. عندها قرر الرحيل.. عله يجد ضحية أخرى تكون أكثر سذاجة مني..

قال لي بكل وقاحة بعد أن لمس حجم التغيير الذي طرأ عليَّ وقرأ عبارات الاحتقار بين كلماتي (أنت لم تحبيني قط ولن تحبي أحداً لأنك امرأة بلا مشاعر ولا تفهمين معنى الحب.. أنت أشد برودة من الثلج.. أنت كالحجر في صلابته.. فهنيئاً لك هذه الحياة الخالية من المشاعر.. ! وأنا متأكد من أنك ستتجرعين مرارة الحرمان من بعدي وستكون حياتك أشبه بالموت البطيء منها بالحياة.. فوداعاً يا من خدعتني بزيفك وسذاجتك المصطنعة.. يا من تحاولين الآن تمثيل دور المرأة العفيفة أمامي الآن بعد أن سقيتك من كأسي أياماً طوالاً.. فقد مللت مني الآن وحان الوقت للبحث عمن يقدم لي شيئاً آخر لم أستطع تقديمه لك.. فلا تحاولي إقناعي بصفاء سريرتك.. فكل فتيات النت سواء.. كلهن يدعين الصلاح والحياء.. وهن بعيدات كل البعد عن ذلك.. يدعين الدين والاستقامة وأنها أول علاقة لهن! اذهبي فلن أطيل عليك.. الله يوفقك بالحبيب الجديد!)

لكن سأنسى أمره وأعيش حياتي بلا مشاعر... ولكن هل أنا حجر فعلاً حتى أعيش بلا مشاعر؟

هل أنا ثلج كما قال؟

 

لا لست حجراً.. قال لي يوماً بأني حجر.. أشارك الجوامد بخواص كثيرة.. قال إني غير كل النساء.. ليس لدي مشاعر ولا أحاسيس.. أعلم أنه لا يؤمن بما قاله لسانه.. وأنه ما أطلق علي هذا الحكم الجائر إلا لمعرفته بطبيعتي العاطفية الرومانسية وبطيبة قلبي.. فأحب أن يؤثر علي بهذه الكلمات علي أتراجع عن قراري وأخضع لمطالبه..

 

فلو كنت حجراً كما يقول لما تفكرت بكلماته كل هذه الأشهر..

لو كنت حجراً لكنت عرضت سمعتي وسمعة أهلي للسوء بمثل هذه العلاقة المشبوهة.. لو كنت حجراً لكنت وافقت على بناء سعادتي إن كانت سعادة على تعاسة الآخرين وأولهم أهلي ثم زوجته التي لم يفكر يوماً في أمرها..

 

قال لي بأني حجر لا يعرف عظيم المشاعر التي يعج بها صدري فأراد أن يثيرني بكلماته القاسية..ونجح بذلك..لكني فهمت الدرس جيداً.. واقتنعت بأني سأكون أكثر صلابة من الحجر إن بعت نفسي وتخليت عن ديني من أجل شخص مثله..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply