الإمعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إلى شبابنا أقص القصة، وأحكي الحكاية!

فلابد أن تتوطن النفوس، وتتعمق العقيدة، مع الجماعة أو بعيداً عنها، والسعيد من اتعظ بغيره، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فعجبت لتوصيف رسول الله – صلى الله عليه وسلم- للنفس الإنسانية، فالنفس البشرية بئر عميقة أغوارها، كثيفة أستارها، خفية أسرارها.

عَن حُذَيفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- : \"لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ إِن أَحسَنَ النَّاسُ أَحسَنَّا وَإِن ظَلَمُوا ظَلَمنَا\" حسّنه الترمذي في سننه.

عرفته شاباً يبدو عليه الصلاح، إذا رأيته حسبته من الصالحين، فهو ناشط مع الشباب المحسنين، يحفظ من القرآن أجزاء عشرينº أو هكذا يقول!

إذا جاء رمضان، صلى بالناس القيام، وأعطى النصائح ودروس الإيمان.

وكانت الذئاب الضارية من حماة الثورة المباركة، لا تخاف إلا من أهل الإيمان، لأن هؤلاء لا يُشتَرون بالمال، ولا يُشتَرون بالسلطان، ولا يُشتَرون بالنسوان.

ظنوه من أهل الإحسان فاعتقلوه لساعات معدودات، تخويفاً وإرهاباً لأهل الإيمان.

قال له بعض الشباب ناصحين: أنت تحمل جنسية ذاك البلد الأوروبي الحر فلماذا إذا تقبل الهوان؟!

ولماذا إذاً تعيش تحت ظل سوط السلطان؟!

ولماذا إذاً تعيش أخرس اللسان؟!

فكر وقدر، ثم نظر، وعبس وبسر، وفكر وقدر! فقتل كيف قدر؟

لماذا إذاً يا شيخنا الخوف من الترحال؟ ومن الذهاب إلى بلاد الأمان؟

قال: يا بني، إن نساء بني الأصفر فاتنات، وقد خلعن رداء الحشمة والحياء، ورجال بني الأصفر قد طرحوا الدين والديان، وهاموا في متاهات الضياع والنسيان..يا بني، إن لك هنا، من يعينك على الخير والرشاد!!

أما هناك فأخشى عليك الفتنة، وأخشى عليك الانزلاق مع التيار، تيار الضياع والنسيان.

قال: إذاً أتزوج! فهذا لاشك صمام الأمان!

جاءني أبوه خاطباً لابنتي الحكيمة، وكان في ضيق، وحيرة، وغضب، ذلك كله من محاولة سابقة لزوجة تحيا هناك في بلاد الأمان! بلاد الأحرار!

قلت: شاب من عباد الرحمن، ويحمل القرآن، ويعطي النصائح، ويعطي دروس الإيمان، إذاً وجب القبول والعرفان!

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- : \"إِذَا خَطَبَ إِلَيكُم مَن تَرضَونَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفعَلُوا تَكُن فِتنَةٌ فِي الأَرضِ وَفَسَادٌ\" أخرجه الترمذي في سننه.

لكن مهر صغيرتي الحكيمة هو القرآن، فالدَّين الذي عليه، إذًا هو حفظ العشرة، فهذه الأجزاء العشرة من القرآن واجبة السداد مع الأيام؟

وكان اللقاء والاستحسان، وتبادل الآراء والأفهام، والرسائل في عالم الحاسبات وطفرة التقنيات.

تم الزفاف والفرح، وتمت الليالي الملاح، والسفر إلى بلاد الأحرار من وراء البحار!

فوجئت العذراء في خدرها بما لم يُقل، وبغدر تحيرت فيه الأفهام.. رجل جديد، ليس الذي تعرفه، ولم يكن ذلك من الفهم والاستنباط؟ بل مما قاله هو بلسانه، فتأكد ما استنتجته الحكيمة، وعَجِبت لمن يدعي الإيمان، وحفظ القرآن!!

إنه لا يصلي!! وإن ألحت عليه، صلّى اليوم كله دفعة واحدة بعد مشاهدة الأفلام، حتى الجمعة تضيع وتترك النكتة السوداء، فجاء الرين على القلب الغفلان! كما قال الرحمن: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (14)(المطففين).

فإذا راجعته قال قولاً عجباً، تكاد السماوات يتفطرن منه وتخرّ الجبال هدّاً: الصلاة بيني وبين ربي، وليس لبشر فيه سؤال، ولا عتاب!! ولا كلام!!

قالت: والقرآن! أين القرآن؟!

أي قرآن يا مخدوعة؟ إنه لا يحفظ من البقرة خمس آيات! ولا يملك من عيونه، إلا الولوغ في الغانيات من أجساد عاريات، فإذا اعترضت؟

كان يقول: لكننا نتعرض إلى ضغوط حضارية كبيرة، ونقلات شديدة في نمط الحياة، ومن الطبيعي أن نمر في مرحلة استكشاف، ومرحلة استطلاع، ومراجعة للأساسيات التي نعتقدها.

ولا عيب في هذا، بل إن هذا هو الطريق لتثبيت القناعات و تأصيلها، وهو المولد لقوة القناعة الحقيقية!! إننا نتعايش مع مجتمع لا يتمتع بالثوابت و الأساسيات، ولكن علينا أن نحاول استيعاب و فهم المجريات حولنا.

نظرت إليه مذهولة، ومن وقع الكلام مهزوزة! ضغوط حضارية كبيرة، أم انبهار بها؟!

مرحلة استكشاف، ومرحلة استطلاع، ومراجعة للأساسيات والاعتقاد والاعتناق؟! أم ضياع، وارتداد، وافتتان؟

عاشت سنتين من السنين، وستة أشهر من الشهور.. حاولت العلاج، بالصبر والنصيحة، والمقال، وواقع الحال.. حتى فاض الكيل وطفح، فالرجل مفتون، يدعوها لمراجعة عقائدها الأصيلة، على مقياس العلم! أي علم يا هذا؟

هو مبهور ببني الأصفر، والعلم عنده ما هم عليه وكفى، فلا يجب عليه، أن يسّلم بما كان عليه من الإيمان واليقين،

وإن أصابته فتنة نقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين 11(الحج).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply