العقد


بسم الله الرحمن الرحيم

 

العِـقـد قال القاضي أبو بكر البزار: كنتُ مجاوراً بمكة حرسها الله - تعالى - فأصابني يوماً جوع شديد، ولم أجد شيئاً أدفع به عني الجوع، فوجدتُ كيساً من إبرَيسَمٍ, (حرير) مشدوداً برباطٍ, من إبرَيسَمٍ, أيضاً، فأخذته وجئتُ به إلى بيتي، فحللتُه فوجدتُ فيه عقداً من اللؤلؤ لم أرَ مثله. فخرجتُ، فإذا بشيخٍ, يُنادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمئة دينار، ويقول: هذا لمن يردٌّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلتُ: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأردّ عليه الكيس. فقلتُ له: تعالَ إليَّ، فأخذته وجئتُ به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الرباط، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه، فسلَّمَ إليَّ خمسَمئة دينار، فما أخذتُها، وقلت: يجب عليَّ أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاءً، فقال : لا بدَّ أن تأخذº وألحَّ عليَّ كثيراً، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى. وأما ما كان مني، فإني خرجتُ من مكة وركبتُ البحر، فانكسر المركب وغرِقَ الناس، وهلكت أموالهم، وسَلِمتُ أنا على قطعةٍ, من المركب، فبقيتُ مدةً في البحر لا أدري أين أذهب؟! حتى وصلتُ إلى جزيرة فيها قوم، فقعدتُ في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ القرآن، فلم يبقَ في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليَّ وقال: علِّمني القرآن، فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال. ثمَّ إني رأيت في ذلك المسجد أوراقاً من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها، فقالوا لي: تُحسِنُ تكتب؟ فقلتُ: نعم. فقالوا: علِّمنا الخط، فجاؤوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنتُ أُعلِّمهم، فحصل لي أيضاً من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة، ولها شيء من الدنيا، نريد أن تتزوج بها، فامتنعتُ، فقالوا: لا بُدَّº وألزموني فأجبتهم إلى ذلك. فلما زفٌّوها إليَّ مددتُ عيني أنظر إليها، فوجدتُ ذلك العقد بعينه مُعلَّقاً في عنقها، فما كان لي حينئذٍ, شُغلٌ إلا النظرَ إليه، فقالوا: يا شيخ.. كسرتَ قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العِقد!! ولم تنظر إليها. فقصصتُ عليهم قصة العِقد، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغَ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلتُ: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبيَّة، وكان يقول: ما وجدتُ في الدنيا مُسلِماً إلا هذا الذي رَدَّ عليَّ هذا العِقد، وكان يدعو ويقول:اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوِّجَه بابنتي، والآن قد حَصَلَت. ورزقتُ منها بولدين، ثم إنها ماتت فورثتُ العِقدَ أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقدُ لي، فبعتهُ بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply