عندما خطت أقدمها أرض الجامعة ( قصة )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هي فتاة رقيقة كرقة النسمة يكسوها الحياء والخجل، تسكن في بيت بسيط، تربّت على أن لا تخرج من بيتها إلا وهي محتشمة، وتسير في الطريق بخطىً هادئة مهذبة وتغضّ من بصرها، وتخفض من صوتها وتتعامل مع غيرها من منطلق مبادئ عاش، تعملها متمسكة بها.

ومرّت بها الأيام وجاء وقت دخولها للجامعة..فقامت في ذلك الصباح فصلت صبحها ودعت ربها - عز وجل - وسألته التوفيق.ثم قامت فارتدت ملابسها وودعت والديها وإخوتها.. وسارت في الطريق بخطى هادئة مطمئنة وعندما وصلت الجامعة.. فجأة توقفت أقدامها عن السير وأخذت تجول بناظريها على من حولها، وشهدت بأن أنفاسها بدأت تختنق وخيّم حولها هدوء رهيب، وبدا لها وكأنها تسمع أصوات عقارب الساعة تدق بصوت عال تشق ذلك السكون وكأن ساعة الصفر قد حانت فهي تزداد قرباً وقرباً وقرباً.. حتى...

وعندها أغمضت عينيها واضعة يديها على وجهها وهي تَهُزّ رأسها، وسألت نفسها: ما الذي يجري هنا؟ من هؤلاء؟! وماذا يفعلون؟! هل أحلم أم أنني في كامل وعيي؟!!..

 

وتزاحمت عليها الأسئلة من كل صوب.. ثم فتحت عينيها مسترقة النظر من بين أصابع يديها، وقالت بصوت ضعيف خافت وحزين: هذا محال!!!.

فيا تُرى ماذا رأت؟!

رأت شوارع الجامعة وأرصفتها قد امتلأت بالطلبة والطالبات، يجلسون أمام الملأ يتجاذبون أطراف الحديث، ويتبادلون الابتسامات من بين كلمات زائفة.. ومما زادها حزناً أولئك الفتيات اللائي خلعن ثوب الحياء.. لم تر غير تلك الثياب الخليعة فأصبحن كاسيات عاريات. ولم تسمع سوى تلك الضحكات الماجنة، والعبارات التي تخلو من الأدب والاحترام (فالحالة واحدة) كما يقولون.. (والأدهى والأمر) جلوس أولئك الشباب بجانب تلك الفتيات ويكاد أحدهم أحياناً أن يلتصق بمن تجاوره دون مبالاة ويتحدث معها في شتى المواضيع دون وضع أية حواجز فالحالة واحدة كذلك.. وهي أيضاً تحكي له كل شيء وبكل صراحة وكأنه (حلاّل العقد)...

فما التفتت فتاتي يميناً أو يساراً وما نظرت أمامها أو خلفها إلا ووجدت صوراً مشابهة لبعضها البعض فقط يكون الاختلاف في طريقة عرض المعصية هنا وهناك..

 

وأخذت نفس فتاتي تصرخ بالداخل: كيف سأعيش وسط أولئك دون أن يمسني أذى أو يصيبني الجنون من هول ما أرى وأسمع؟!..

 

هذه هي الحقيقة المريرة التي نعيشها على أرض الواقع، وهذا هو شعور كل فتاة حَييّة ملتزمة بأمر ربها غيورة على دينها.. فإن العواطف تتجاذبها فهي إما ستحرقها نار الكير أو ستفوح عليها رائحة المسك فهي بين خيارين لا ثالث لهما.

 

لقد عصفت بها الأعاصير

أخذت نفس فتاتي تتنازعها طويلاً، فهي نفس بريئة لم تتعوّد على العيش في مثل هذا الجو المليئ بالفساد مثل ما يحدث هنا في الجامعة.

 

مرت الأيام جيئة وذهاباً، وكلما أتت إلى الجامعة تبدأ تلك النفس تتنازعها وهي جالسة بين زميلاتها وبالطبع وزملائها، فهذا وللأسف أمر طبيعي هنا في الجامعة.. ولم تجد من حولها ذلك الناصح الأمين بل وجدت تلك (الشلة) وذلك(الـgroup) والذهاب للكافتريا لشراء ما لذّ وطاب من ثم يجلسون حول تلك المائدة المستديرة، وهنا تكمن المأساة.. فكم يضيع من الوقت وهم جلوس، وكم تطرح من آراء وتعليقات وتحاليل في شتى المواضيع هذا وما أكثر هيافتها غالباً وكل يجتهد في رأيه ويرى أنه على صواب في تلك القضية وذلك الأمر.. ويا أسفي إن كان الأمر متعلّقاً بمسألة دينية، وفي آخر الأمر يجمع الجميع على صحة ذلك الرأي، وربما تكون الآراء متقاربة(فالكل يُجامل) على حساب نفسه أولاً، فتلك النفس الغارقة في الملذات تأخذ عادة ما يتماشى مع رغباتها وأهوائها وترفض الكثير من الضوابط وتتمنى وتشتهي فعل كل محظور ومكروه وإن شئتم فقولوا(وكل ما هو حرام).

ولا تنسوا أن فتاتي تجلس بين أولئك الرفاق حول تلك المائدة المستديرة وتستقي منهم تلك الحكم والدرر والآراء الثرة في تقديرهم فإن الأمور تلتبس عليها يوماً بعد يوم، وتتوه عنها الحقائق، ويخيل إليها ن من حولها على صواب، وأن تلك القيم التي تتمسك بها إنما هي ضرب من الخيال... وينبغي لها أن تقدم بعض التنازلات هذا إن لم تكن كل التنازلات وإلا ستوصف أنها.. متخلفة.. رجعية.. انطوائية.. وغيرها من مسمياتهم، وتبدأ قليلاً قليلاً.. شيئاً فشيئاً.. حتى...

وهذا من الأمر المؤسف، وهذا الذي يزيد القلب كمداً وحزناً.. فقد أصبحت مثلهم بل ربما أسوأ منهم، لأنها ستجد وراءها الكثير من ضعاف النفوس، فقد أصبحت أحد جنود إبليس المخلصين وما أكثرهم اليوم بيننا فهي الآن تضحك على ما كانت عليه من (سذاجة، وانطوائية) كما هو في تقديرها والآن لا بد أن ترى الدنيا(صاح) وأنها حرة في تصرفاتها.. فيا عجبي هل الإسلام قيّدها؟!!.. وينبغي لها أن تطرق كل الأبواب وتصعد إلى الأفق.. وهكذا، فهي تتشبث بذلك السلّم آخذة في صعود أدراجه، وظلت تصعد وتصعد.. ولم تدر أنها تصعد ولكن إلى الأسفل..

ويا لهول مأساتها عندما ستفيق وتكشف الحقيقة الحقيقة المريرة حقيقة صعودها إلى أسفل.. وعندها فتاتي لن تجد أمامها إلا ثلاث خيارات لا رابع لها: فهي إما أن تقرر أن ترجع أدراجها والحمد لله أو ستبقى على ما هي عليه فالرجوع صعب والصعود إلى أعلى أصعب، أو ستقرر السقوط في لحظة تهوّر وضياع.. فهي بذلك نزلت نزولاً خاطئاً.. فقد تهشمت عظامها ولم يتبق لها سوى الرحيل ومفارقة هذه الحياة.. فقد كانت شقية في حياتها.. وهي الآن شقية في مماتها.. وربي وحده يعلم أي حال ستؤول إليه عندما تقف بين يديه.. وتسأل عن كذا وكذا وكذا.. يا ليت شعري.. كم كثيرون مثلها!!!

 

حاملة المسك

مع بزوغ شمس ذلك اليوم وإرسالها لأشعتها الذهبية وشقشقة العصافير وتفتح الأزهار وانتشار عبيرها الطيب وتمايل الأغصان طرباً مع تلك النسمات الرقيقة في الصباح. كانت فتاتي مستلقية على فراشها الدافئ في تلك الغرفة المتواضعة، وكانت النافذة بالقرب منها حيث أخذت أشعة الشمس الدافئة تداعب وجهها الرقيق، ففتحت عينيها ببطء واتجهت أنظارها نحو النافذة فقامت واتجهت نحوها بخطى هادئة وأخذت تنظر من خلالها إلى تلك الأشجار الوارفة وتلك الطيور الجميلة الساحرة التي تغرّد استقبالاً لذلك الصباح الجميل وما يفصح به من جمال إعلاناً منه بالتفاؤل والنظر إلى الخير الوفير الذي حبانا به المولى - عز وجل - وأنعم بها علينا.

نظرت فتاتي من خلال النافذة طويلاً والسعادة تغمر عينيها ولسانها يلهج بذكر الله وتسبيحه - عز وجل - وإذا بها تبصر فتاة صغيرة تقف في أول الطريق حيث يوجد منزل فتاتي وهي تحمل في يدها سلّة صغيرة وتنظر تجاهها.. فأسرعت فتاتي خروجاً من المنزل وقطعت تلك المسافة القصيرة التي تفصلها عن تلك الفتاة الصغيرة، وعندما وصلت إليها بادرتها الفتاة الصغيرة بالسلام وهي مبتسمة وعينيها يملأهما الحب. وبعدها سألتها فتاتي لماذا تقفين هنا يا صغيرتي؟، فردّت قائلة: لأبيع هذا المسك متجهة بناظريها إلى سلتها الصغيرة فهل ستشترينه مني مستطردة إن ثمنه متواضع، فردت فتاتي قائلة: نعم سأشتريه منك بإذن الله فقط أمهليني ثلاث دقائق لأحضر نقودي. فأسرعت إلى المنزل وأحضرت نقودها وعادت وأعطت الفتاة الصغيرة ثمن المسك. وحينها قالت لها الفتاة مبتسمة إليها: يجب عليّ أن أذهب الآن، فقد انتهيت من البيع، شكراً لك. وانطلقت تلك الفتاة الصغيرة عائدة إلى منزلها، وأخذت فتاتي تراقبها بنظراتها مبتعدة شيئاً فشيئاً حتى اختفت وعندها عادت فتاتي أدراجها إلى المنزل ودخلت غرفتها ووضعت المسك على منضدتها الصغيرة وأخذت تستنشق رائحته العطرة.. ومرّت الأيام وكل صباح يوم جديد تأخذ فتاتي من ذلك المسك وتستنشق رائحته العطرة، وعندها تتذكر تلك الفتاة الصغيرة الرقيقة فإن صورتها قد طُبعت في مخيلتها ولن تنساها أبداً.

فكم يا ترى توجد هنا في الجامعة حاملات للمسك تفوح منهن الروائح الإيمانية العطرة ويضئن المكان بنور إيمانهن ويسعين جاهدات لعرض بضاعتهن بأجمل وألبق ما تكون به طرق العرض ولا يردن ثمناً لهذه البضاعة سوى أخوة صادقة في الله - عز وجل - ومحبة فيه، وما ذلك إلا لحبهن الصادق لمن حولهن من أخواتهن ليشركنهن في ذلك الخير الذي يعشن في رحابه، ويتفيأن ظلاله الوارفة.. فمن لي بمن تشمّر عن ساعديها لتشتري منهن أغلى وأجمل بضاعة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply