بسم الله الرحمن الرحيم
أديت صلاة الفجر يوم الجمعة في بيت الله الحرام، وعقب الصلاة نُودي للصلاة على الأموات، وهذا الأمر من أكثر الأمور إثارة لمشاعري، ويُوقظ فؤادي، تساقطت دموعي الحارة، واختنقت العبرات في صدري، تذكرت حال هذا المتوفى، وأنه سيبيت هذه الليلة في قبره وحيداً فريداً.. تذكرت غفلتنا، وكيف أننا فتحنا على أنفسنا مباحات الدنيا وملذاتها.
تذكرت جهلنا بالمصير وبالمــآل، وجهلنا بالحشر والنشر، وهول المطلع.
تذكرت غفلتنا عن أحوال البرزخ، وسكرات الموت وشدتهــــا.
نظرت إلى الناس، وتدبرت أحوالهم، فمنهم من يخطط لمستقبله، ومنهم من يعد لسفره، ومنهم من شغل بدراسته، ومنهم.. ومنهم.. أما تلك الحفرة فليس هناك من يخطط لها ـ إلا من رحم ربي ـ وقليل ما هم في عصر عمد فيه الطغاة المستبدون إلى أن يشربونا الذل، فأماتوا الهمم، وخمدوا الحمية، حتى تحولت شبل الأسد إلى ظباء.
نظرت إلى النساء فإذا من انغماس في الترف، على استسلام للشهوات، إلى جري وراء الموضات تصاغرت هممهن، فلم ينشغلن إلا بسفاسف الأمور ومحقراتها.
عدت إلى نفسي فتذكرت القبر ثانية، تلك الحفرة الضيقة المظلمة، سأنزل فيها رغم أنفي شئت أم أبيت لن أستطيع أن أمانع في ذلك الأمر، لأنه أمر الله في، ولا راد لقضائه وأمره، فكرت \" لو كان لدي حديقة في منزلي، لحفرت بها حفرة مماثلة، أضطجع فيها كلما رأيت من نفسي تقصيرا، ولهوا، عسى أن تتوب، فيخرج ما فيها من خبث وغش، وتشفى من أمراض فتورها.. تمنيت أن يُسمح لي بالوقوف على قبر فأرى ساعة نزول الميت فيه فيغير ذلك من حالي.
تذكرت (منكراً ونكير) اللذان وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهما أسودان أزرقان، أصواتهما كالرعد، وبأيديهما مطرقة من حديد، كيف بي إذا أقعداني واستجوبانيº تأملت في نفسي فإذا أنا ذات قلب رقيق لا يقوى على رؤية المصابين من المسلمين، لا أصبر على رؤية الجرحى والمنكوبين، وأصحاب الحوادث والعاهات، هاأنا يقشعر بدني لرؤية حشرة صغيرة، لأن شكلها غريب..
هانحن إذا أصبنا بمرض أو ألم، فارقنا النوم، وضاقت النفس، وحل الاكتئاب، كيف بي لو سُلط على العذاب في قبري، أو سحبتني ملائكة العذاب إلى النار، وما ربك بظلام للعبيد.
ـ عرفت الآن يا حبيب الله محمد (عليك صلاة الله وسلامه) لماذا قلت: (لوددت أني شجرة تعضد).
ـ علمت الآن يا أبا بكر (الصديق) رضي الله عنك وأرضاك لماذا بكيت عندما رأيت الحمامة.. لأن ليس عليها جزاء ولا حساب.
ـ تيقنت الآن يا عمر (الفاروق) رضوان الله عليك، لم كان في خديك خطان أسودان من كثرة البكاء.
ـ تبصرت الآن يا عبد الله بن عباس (يا حبر الأمة) لم كان أسفل عينيك مثل الشراك البالي من كثرة الدموع.
ـ الآن رق قلبي لكلامك يا علي بن أبي طالب رضي الله عنك وأرضاك وقد علاك كآبة وأنت تقلب يدك وتقول:
(لقد رأيت أصحاب رسول الله، فلم أر شيئاً يشبههم، لقد يصبحون شعثاً، صفراً، غبراً، بين أعينهم
أمثال ركب المعزى، وقد باتوا سجداً، وقياماً يتلون كتاب اللــه... وهملت أعينهم بالــــدموع حتى تُبل ثيابهم، والله فكأني بالقوم باتوا غـــــافلين، ثم قام رضوان الله عليه، فما رؤي بعد ذلك ضاحكاً حتى ضربه ابن ملجم).
صلاة اللــه وسلامه عليك يا حبيب اللــه وعلى صحبك الأطهــار تسليمــاً كثيرا ـ فلقد كنتم تعيشون في عصر يسوده التواصي بالحق، أما نحن فقد تأثرنـا من حيث لا نريد بمسمـوعِِِِِ ومنظـور، ألقتهـا علينا جميع أجناس الشياطين، فخذلت هممــنا، وأطفـأت أنوار بصائرنا، وشلت طاقاتنــا ـ إلا من رحم ربي ـ فكما قيل: (من المشاهد أن المـــاء والهواء يُفسدان بمجاورة الجيفــة، فما الظن بالنفوس البشريــة)
أقول لنفسي ولأمثالي:
واحســرتا تقضى العـمــر وانصــرمت *** ساعــاتـــه بين ذل العجـــز والكســــل
والقوم قــد أخــذوا درب النجــاة وقــــد *** ســــاروا إلى المطلب الأعلى على مهل
لكن هناك فرج بإذن اللــه ـ تلك آيــة عظيمة في كتاب اللـــــه تبعث الأمــــل في رحمتك يا أرحم الراحمين:
(قل يا عبادي الذين أسرفـوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمــة اللــه إن اللــه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم)
وهناك حديث يبعث الأمان في النفوس الضعيفة: يرويه الحبيب عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم:
(إن الله كتب على نفسه بنفسه قبل أن يخلق الخلق \" إن رحمتي سبقت غضبي \" متفق عليه
اللهم إن نتوسل إليك بإيماننا (الذين يقولون ربنا إننا آمنــا فاغفر لنا ذنوبنا وقنـــا عذاب النار)
اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، واجعلنا ممن تتلقاهم الملائكة يوم الفزع الأكبر ـ تفضلاً منك ومنة وإحسانا ـ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد