بسم الله الرحمن الرحيم
أختاه.....
أتدرين ما أعظم النعيم في دار النعيم؟
أتدرين ما هو قرة عين الموحدين؟
أتدرين ما هي لذة أبصار المؤمنين؟
هل اشتقت لمعرفة الإجابة؟ لكن قبل أن أجيبك دعينا نلقي نظرة على من معنا في دار النعيم في جنة رب العالمين.
رفقة الخير في الانتظار
كما كانت رفقة الخير معك في الدنيا، تعينك على طاعة الله وتأخذ بيدك في طريقه - جل وعلا -، فإن الله - تعالى -لا يحرمك منهم في دار النعيم، بل يمكنك في الجنة أن تزوري الأحباب وتحدثيهم عن الذكريات، يوم كنتم في الدنيا تعبدون الله سويا في عصر الفتن والمغريات.
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا دخل أهل الجنة الجنة، فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا، حتى يجتمعا فيتكئ هذا، فيقول أحدهما لصاحبه: أتعلم متى غفر الله لنا؟، فيقول صاحبه: نعم، يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله - تعالى -فغفر لنا\"، ضعفه الألباني.
فيوم كنتم في الدنيا على طاعة الله، فكافأكن الله في دار النعيم، وصدق فيكن قول الحق: \"ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين\" (الحجر: 47)
أعظم النعيم رؤية وجه الكريم
وها نحن أختي قد أجبنا على الأسئلة السابقة، عن أعظم النعيم، عن قرة عين الموحدين، عن لذة أبصار المؤمنين. إنه يوم المجيء، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التشبيه والتمثيل، كما ترى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر، يقول - تعالى -: \"وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة\" (القيامة 22-23).
(فبينا أهل الجنة يرفلون في نعيمها، إذ بالمنادي يقرع أسماعهم: يا أهل الجنة، إن ربكم - تعالى -يستزيدكم، فهيا على زيارته، فيقولون: سمعا وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين.
حتى إذا أتوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدا، وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحدا، أمر الرب- تبارك وتعالى -بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم وحاشاهم أن يكون فيهم دني على كثبان المسك، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم، نادى منادي: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار.
فبينما هم كذلك، إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسمائه، قد أشرق عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى، يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة، ويكون أول ما يسمعون منه - تعالى -: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ هذا يوم المزيد، سلوني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول: لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، سلوني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن ربنا أرنا وجهك ننظر إليه. فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أنه - تعالى - قد قضى ألا يحترقوا لاحترقوا. فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا لذة الأنظار بتلك المناظرة، ويا قرة عيون الأبرار في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة. \" صححه الألباني.
أختي... أما إذا عرفت قدر دار النعيم التي أعد الله - تعالى -فيها لعباده الصالحين من أصناف النعيم ما لم يدر بخيال مخلوق، فاعلمي أنها سلعة غالية، ولابد أن يكون الثمن على قدر السلعة.
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة\" صححه الألباني.
إن ثمن الجنة أيتها الحبيبة لابد له من أن يتناسب مع قدرها ومكانتها، فلا يستطيعه كل كسلان بطال دني الهمة، قد باع النعيم المقيم الأبدي بشهوات فانية زائلة، لا تخلوا من كدر وتنغيص، إنما يدفع ثمنها كل همام موفق آثر الله على ما سواه، فعاش في الدنيا تبعا لما يريد ربه، لا ما تريد نفسه وشيطانه.
ولو كان ثمن الجنة رخيصا هينا لاستطاعه كل أحد، ولكنها حفت بالمكاره كما جاء في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء، فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب ثم نظر إليها ثم جاء، فقال: أي رب وعزتك، لقد خشيت ألا يدخلها أحد\" حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
إن أصحاب الجنة هم أصحاب الهمم العالية، والعزائم المتوقدة، الذين عقد الله - جل وعلا - معهم صفقة التجارة الرابحة فذكرهم - تعالى -في قوله: \"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا\" النساء: 69.
فهذا هو ثمن الجنة، طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والسير في طريقه - تعالى -، والاستقامة عليه إلى أن تلقاه، ويا له من ثمن يسير على من يسره الله له، وعسير على كل مخذول محروم.
فتقدمي إلى نفسك واملك زمامها، وأقيميها على طاعة مولاك، وامنعيها من الانسياق وراء الأهواء والشهوات، وكوني ممن وصفهم الله في كتابه فقال: \"رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار\" سورة النور: 37.
فإن ولت أو توانت، فذكريها بقدر السلعة، بقدر المبيع، مناديا مع الإمام ابن القيم:
يا سلعة الرحمن لست رخيصة * * * * بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها * * * في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها * * * إلا أولو التقوى والإيمان
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد