بسم الله الرحمن الرحيم
لو أن إنسانا أراد بناء قصر شامخ عال في هذه الدنيا على مساحة كبيرة في موقع جميل..... فكم من الوقت سيستغرق في بنائه ? وكم من المال الكثير سينفق على البناء و التشييد؟ وكم من الجهد والتفكير سيبذل في التخطيط والتعديل؟ وكم وكم من الأمور سوف تتم ليخرج هذا القصر إلى حيز الوجود؟ وكم سيبهر أنظار البشر بناؤه و تصميمه؟ وكم إنسان يتمنى أن يدخله فضلا عن أن يمتلكه؟ سبحان الله هذا قصر بناؤه من تراب و أسمنت وحديد و هو إلى الزوال قريب، وأعجب من ذلك أنه تجري تحته مجاري و قاذورات البشر، وبداخله دورات للمياه، والذي يملكه و يسكنه لا يكاد يمر عليه يوم إلا و يحصل له و به نكد و تكدير، بما جبلت عليه هذه الدنيا الفانية. لكنك أخي المسلم تستطيع أن تبني لك بيتا لا تعتريه العوارض، ولا تكدره المكدرات، ولا يكلف مالا، ولا سنوات، وهو باق على نظرته و جماله، وأنسه دائم ما دامت السموات والأرض.
بناؤه يسر الناظرين، لبنة من ذهب و لبنة من فضه، ملاطه المسك, و حصباؤه الؤلؤ, و حشيشه الزعفران, و الأنيس فيه حور مقصورات في الخيام كأمثال الؤلؤ المكنون لو أطلت امرأة من نساء الجنة على هذه الدنيا لملأت الدنيا نورا و عطرا و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها، نعيم مقيم و قرة عين لا تنقطع أهلها يأكلون و يشربون و يحيون و لا يموتون و يزورون ربهم و يستمعون إلى خطابه و يسعدون برؤية وجهه الكريم قال الله - تعالى –عنهم: {وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة}
فإن سألت يا عبد الله: كيف أبني هذا القصر و هو على هذه السابقة؟ نقول لك: تأمل رحمك الله هذا الحديث:
أورد الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه في باب \"فضل السنن الراتبة قبل الفرائض و بعدها\" عن عنبسة بن أبي سفيان قال سمعت أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله- صلى الله علية و سلم- يقول: (من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم و ليلة بنى له بهن بيت في الجنة) قالت أم حبيبه فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
و في سنن الترمذي - رحمه الله - عن أم حبيبة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى في يوم و ليلة ثنتي عشرة ركعة بنى له بيت في الجنة: أربعا قبل الظهر, و ركعتين بعدها, و ركعتين بعد المغرب, و ركعتين بعد العشاء, و ركعتين قبل الفجر) .
إنه لأمر يسير على من يسره الله عليه أن يحافظ المسلم على ركعات قليلات فيحصل له بها ثواب جزيل من رب كريم إنها والله أعمال قليلة وأجور كثيرة ذاك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
فلنبادر جميعا بأدائها وفق ما ورد في الأحاديث و لنحافظ عليها على الدوام و نأمر من تحتنا من زوجة وأولاد و نعلمهم إياها فالدال على الخير كفاعله ولو وقفت مع نفسك أخي المسلم وقفات و طرحت هذه الأسئلة:
كم مضى من العمر لم أؤد هذه السنن الرتبة أو ضيعت أكثرها؟ وكم من الأجر ضاع بسبب إنشغالي بغرض دنيوي زائل من محادثة صديق أو ذهاب أو إياب أو أمور تافهة من زخارف هذه الحياة الدنيا الفانية
والمحافظة على هذه السنن في البيت أفضل من فعلها في المسجد وقد كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل السنن و التطوع في البيت إلا لعارض كما أن هديه كان فعل الفرائض في المسجد إلا لعارض من سفر أو مرض أو غيره مما يمنعه من المسجد.
وفعلها في البيت له حكم منها: البعد عن الرياء و العجب ولأجل أخفي العمل عن الناس, و منها أنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص. و منها عمارة البيت بذكر الله و الصلاة التي لسببها تنزل الرحمة على أهل ذلك البيت و يبتعد عنه الشيطان لما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم و لا تجعلوها قبورا).
و آكد هذه السنن ركعتا الفجر لقول عائشة - رضي الله عنها - : (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر) متفق عليه.
و لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها) رواه مسلم, ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحافظ عليهما و على الوتر في الحضر و السفر .
فينبغي لنا أن نحرص على اقتفاء هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - و الحرص على كسب الثواب والحصول على الأجر مع الحرص على صلاح العمل وإخلاص النية لله - عز وجل - اللذين هما شرطا صحة العمل و قبوله - سبحانه وتعالى-: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا}
وفي المحافظة على هذه السنن الرواتب جبر لما يحصل في صلاة الفريضة من النقص والخلل والإنسان معرض لذلك و هو بحاجة إلى ما يجبر به نقصه.
فاحرص أخي المسلم على أداء السنن الرواتب فإنها زيادة في الخير تجد ثوابها عند ربك وهكذا كل فريضة يشرع إلى جانبها نافلة من جنسها و هذا من فضل الله على عباده حيث نوع لهم الطاعات ليرفع لهم الدرجات و يحط عنهم الخطايا و السيئات والسلام عليكم ورحمة الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد