روسيا لا تفهم بالعقل!


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

قالها أحد أدباء روسيا العظماء، وهي جملة مشهورة بين الروس. ومع الوقت بدأت أفهم قصد هذا الأديب، أو بالأحرى أصبحت متفقًا معه. ولعل هذه القاعدة هي ما كانت تسبب تخبطًا في تصرفات الدعاة والاختلاف الشديد بينهم عن الطريق الأنسب للتعامل مع التحديات المختلفة. فأنت لست متأكدًا على الأرجح ما هو التصرف الأمثل حيال المشكلة التي تواجهك؛ هذا لأنك لا تعرف البتة ماذا ستكون النتيجة. وبالمناسبة هذا تجده مع كل من تعامل مع روسيا من سياسيين أو رجال أعمال وغيرهم من الأجانب. فهم دائمًا في شك وقلق على ما سيقدم عليه الروسي، وكثيرًا ما تلجم ألسنتهم الدهشة من ردةِ فعل الروس، فهم فعلًا وفي كثير من الأحيان يتصرفون بطريقةٍ غير متوقعة تمامًا.
بعضهم يقول: "نعم! روسيا لا تفهم بالعقل بل بالقلب!" لكن اسمحوا لي، فأنا لست متفقًا مع هذا أبدًا. فالقضية من وجهة نظري ليست بسبب شيء غيبي. وإليكم رأيي: فأنا أرى أن روسيا بالضخامة الجغرافية بحيث أن سكانها حسب منطقتهم يختلفون عن بعضهم البعض بشكلٍ كبيرٍ جدًا. وأيضًا روسيا كانت بوتقة لعدة قرون ضمت مئات الشعوب بعاداتهم ودياناتهم وحضاراتهم وفكرهم. وهذه الشعوب منها آسيويٌ صرف وبعضها أوروبيٌ صرف وبعضهم من الصعب وصفهم مثل شعوب القوقاز.
وقد تداخلت هذه الشعوب ولمدة قرونٍ فيما بينها، ولكن، مع ذلك، لم يحصل ذوبان في أمة روسية واحدة، بل شعوب روسية. حتى أنه من الطريف أن الدستور الروسي يبدأ بعبارة: "نحن شعوب روسيا قررنا..." وليس كما يكون من المتوقع: "نحن شعب روسيا". دولة عاشت تحت حكم ملكي مستبد، ثم حكم حزب شيوعي واحد، ثم دولة ديموقراطية، ثم دولة شبه ديموقراطية أو كما يحبون أن يسمونها "النموذج الديمقراطي الروسي ذو الخصوصية"، وقعت تحت احتلال المغول والفرنسيين والبولنديون وغيرهم وآخرهم الألمان. تعرضت لانقسام داخلي وحرب أهلية حصدت الملايين، أقلية إسلامية هي الأكبر في أوروبا (أكثر من 25 مليون مسلم)، عشرة آلاف مسجد، و7 جمهوريات اتحادية (فيدرالية) أغلب سكانها من المسلمين وجمهورية بوذية وولاية ذات حكم ذاتي يهودية. كل هذا التنوع والتناقض يجعل روسيا دولة ذات طابع فريد قد لا يوجد في أي مكان في العالم، والشعب الروسي أو بالأحرى شعوب روسيا أيضًا ذات طابع خاص. لذا فالأمر ليس تمامًا "لا يُفهم بالعقل"، ولكن عدم الفهم هذا سببه مفهوم.

خاطرة كتبتها أثناء رحلتي بالطائرة من موسكو إلى مورمانسك (2000 كلم).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply