بسم الله الرحمن الرحيم
كانت رحمة فتاة عادية، لم يكن يميزها على باقي البنات أي شيء يذكر. فقط ملامح وجهها الطفولي البريء تلفت انتباه كل من تفحص قسمات محياها الصبوح. لم يكن والداها يلزمانها بإقامة الصلاة، فلقد كانت وحيدة أبويها، ولا يستطيعان إجبارها على فعل شيء ما حتـى ولو كانت الصلاة.
كبرت رحمة، وصارت بنتا في ريعان شبابها … اكتمل قوامها، واستوى نضجها، وأضحت ملامح وجهها أكثر وضوحا وصفاء، وباتت تشعر بأنوثتها تغزو كل أنحاء جسدها.
كانت لرحمة صديقة تدرس معها. لم تكن صديقتها سوى فتاة أنانية، تحب المظاهر وحب التظاهر، تتبع سبيل الشيطان، أينما سار سارت معه … شرعت الصديقة تأز رحمة أزا حتى أثرت على سلوكها أيما تأثير … فلم تعد رحمة تلك الفتاة الخجولة، بل إنها صارت ترافـق صديقة السوء أينما حلت وارتحلت، فقد انبهرت بأضواء الحياة ومباهجها واغترت بمفاتن الدنيا ومغرياتها … وانغمست في لذاتها حتى أذنيها شيئا فشيئا … صاحبت رحمة الشبـان والرجال واتخذتهم عشاقا وخلانا، وكان هدفها هو كسب المال الوفير الذي تنفقه على مصاريف لباسها العاري، وزينتها الممعنة في قلة الحياء وسوء الأخلاق. تغيرت رحمة كليا، حتى أنه لن يعرفها من عايشها خلال سنين طفولتها ومراهقتها. إنها تمشي الآن في الشارع مزهوة كالطاووس، كاسية عاريةº ملابسها التصقت بجسدها حتى أن مفاتنها الحميمية تقفـز إلى كل عين متطفلة ومتلصصة. وهكذا، لم تعد رحمة فتاة عادية … لقد أضحت عنوانا للإثـارة والإغراءº جعلت قلبها سريرا يتقلب فيه الأخدان بلا حسيب ولا رقيب … ابتعدت عن أسرتها، واستقرت بعيدا عنها حتى لا يضايق تحركاتها أحدº واستمرت في أنشطتها المشبوهة مدة من الزمن فصار اسمها على كل لسان مرادفا للمتعة المحرمة والرذيلة والفاحشة … مرت سنوات، وألم برحمة مرض لم ينفع معه دواء، سافرت إلى أشهر الأطباء في باريس ولندن ولم يجد ذلك شيئا، فقد فتك المرض بجسدها واعتصره عصرا، حتى تغير شكلها، وشحب لونها، وصارت كالشبح … حينها، ابتعد عن رحمة جميع أصدقائها وصديقاتها، وفر منها كل خلانها وعشاقها كأن وباء الطاعون سيفتك بهم.
رحمة، الآن وحيدة ليس لها إلا خالقها - عز وجل - … اعتقدت رحمة أنه من المخجل أن تلجأ إلى الله فقط لأن المرض اللعين قد هدها هدا … تريد التوبةº ولكنها تخشى أن يكون بابهـا انغلق في وجهها الذي طالما كان أداة للمعصية، ولم يسجد لله ركعة واحدة طيلة حياتها… إنني أقول لرحمة ولمثيلاتها من بناتنا وأخواتنا في البلاد العربية والإسلامية:
إن رحمة الله وسعت كل شيء. ويقول الله - سبحانه وتعالى - في محكم بيانه: \"قل يا عبـادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا\".
إن باب التوبة مفتوح في أي وقت وفي أي مكان إلا إذا طلعت الشمس من مغربها، فلا مكـان عندئذ للتوبة … فها هو العمر ممتد أمامك يا أختاه. لكن لا تؤجلي عمل اليوم إلى الغد، فللغد عمل آخر ينتظرك. وهكذا لا ترجئي توبة اليوم إلى الغد، ولا تدعي وسواس التسويف يسيطر على عقلك، ويهيمن على كيانك.
بادري منذ اللحظة أيتها الأخت العاصية. فالله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به. وأنت لم تشركي به، بل انغمست في يم المعاصي بلا معين. وشارفت على الهلاك، وحياتك صارت على شفا جرف هار من الضياع … لكن الله - عز وجل - أرسل لك إشارات من عنده ليوقظك من غفلتك، ولتعلمي أنه وحده الحق، هو الباقي ذو الجلال والإكرامº أما غيره فهو فان ولا محالة … فالملجأ يكون إليه وحده، والاستعانة به وحده، والغوث به وحده، والنصر والقوة والتمكين من عنده وحده لا شريك له.
* أختاه: إن الإسلام دين عزة وقوة، دين طهر وفضيلة. فلا بد من عمل ولا بد من جلـد وصبر وتضحية. لكن ذلك يكون قائما على الارتجال والفوضى بل يلزم أن يتأسس على نظام دقيق وقلوب مطمئنة.
لنجاهد في سبيل تطهير أرواحنا، وتهذيب أنفسنا. وتزويدها بمكارم الأخلاق. ولنحقق فـي هذه النفوس السمو الخلقي، ولنغرس في أعماقنا وردة الإيمان الروحي استجابة للتوجيه الرباني: \"قل أفلح من زكاها وقد خاب من دساها\".
إن طريق التوبة سهل الولوجº وقد يبدو لك يا أختاه سبيلا وعرا لكن بقليل من الصبر وكثير من حسن النية وصدق الطوية تهون الطريق.
إن البحر الهائج قد يفزعنا منظره ويخيفنا مشهده، غير أنه يتكون من قطرات … والجبل الأشم قد يهولنا طوله ويدهشنا شموخه ولكنه لا يتكون إلا من ذرات … فلا ينبغي تحقيـر المعروف مهما كان شأنه. وكذلك أمر التوبة، فقد تكون بداية داعية معروف ملتزم بديـن الله ومن أهل الحق مجرد تصرف صادق قام به، أو حسنة أو معروف أداه بلا ريـاء ولا نفاق… إلى الأمام دائما، ولو بخطوات بطيئة، فمن سار على الدرب وصل وأحب الأعمال عنـد الله أدومها وإن قل.
* أختي هداك الله:
استمعي إلى رب العزة والجلال وهو يخاطب عباده المؤمنين: \"ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون\".
هذا التطهير الروحي يحتاج إلى تدريب ومثابرة لأن النفس الكامنة داخلك أمارة بالسـوء، ومحبة للشهوات التي تجري من ابن آدم مجرى الدم.
فلتعودي إلى الله - عز وجل - … لن يرفض طلبك، ولن يؤجل استقبالك أو سماع شكواك ودعوتكº ولن تقفي في بابه طويلا فلو أردت إيصال صوتك إلى مسؤول كبير أو رئيس أو ملك، لظللت تنتظرين دورك للدخول إليه ساعات طوال وربما أياما وشهورا قبل أن يؤذن لك.
ولكن الله - عز وجل - ملك الملوك يقبل كل من يلجأ إليه بقلب سليم، بل إنه بجلال قدره ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة ويسأل: هل من تائب أتوب عنه، وهل مـن مستغفر أغفر له؟.
فبادري، أختاه، إلى تلمس أولى الخطوات على درب التوبة ….
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد