حيرة على طريق التوبة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قد تمر على حياة المرء مشاهد كثيرة ينظر إليها ولا يأبه لمعانيها، وقد يتكرر عليه نفس المشهد فينتبه إليه ثم يتأمل فيه ليكون سببا له في التوبة.

هذا ما حدث بالفعل مع (ن) التي خرجت من حضن الأسرة إلى متاهة الشارع وهي في كامل جمالها وبداية شبابها. لينتهي بها المطاف إلى الزواج من رجل يتاجر في المخدرات.

كان الزوج ذات يوم يتصفح جريدة مغربية فلمح بصره مقالا يخبر باقتراب موعد يوم القيامة، لم يتردد في عرض المقال أمام أعين زوجته، لكن ما لم يكن في حسبان أحد، أن ذلك المقال البسيط الساذج زعزع كيان (ن) التي خالجها شعور داخلي بالخوف عبرت عنه ملامحها قبل أن تعبر عنه كلماتها.

فقال لها زوجها بائع المخدرات \" لا يعلم الغيب إلا الله فلا تفزعي \" وبالرغم من ذلك لم يغب ذهن (ن) ولو لحظة عن التفكير في الأمر.

وتحكي (ن): \" بعدها سافرت لزيارة أهلي وأنا حامل، وكنت أعد الأيام وأترقب ماذا سيحدث في 27 من الشهر المنتظر \".

 

انتظار اليوم المشهود

وفي يوم 26 كنت في جولة مع أم زوجي بمدينة أفورار، كان الجو صحوا وفجأة رأيت منظرا رهيبا فوق الجبال ضباب وبخار كثيف جدا مصحوبا برعد وبرق ومطر شديد تأثرت بهول المنظر لدرجة أني أحسست بشلل ولم أستطع إتمام الطريق إلى المنزل إلا مسندة على من معي، وصلت و طلبت أن أجلس على انفراد في غرفة هادئة.

 بدأت تراجع ماضيها وتقف وقفات متقطعة مع تصرفاتها، وتتذكر سلوكاتها مع المخلوق و الخالق، فاستخلصت بأن الطريق الذي كانت تسلكه لا يرضي عدوا ولا حبيب، فكيف بأن ترضي العلي المجيب.

لم تكن تتقرب إلى بارئها بالفرائض من صيام وصلاة، ولم تكن تأبه لشعور الآخرين باستثناء زوجها الذي تكن له مرتبة خاصة.

كانت تكره المتحجبات وتنظر إليهن نظرة احتقار و اشمئزاز، تذكرت كل هذا لتطرح على نفسها سؤالا \" ماذا سأقدم لربي لو كان يوم 27 بالفعل يوم قيامة؟ \" فماذا ستقول للقائل: (و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون)

 

لوعة العبادة

 و مع توالي الأيام أشرقت داخلها نعمة الإيمان وازداد شوقها إلى الصلاة، فلم تستطع الانتظار حتى انقضاء دم النفاس بل كانت تغتسل يوميا لتصلي، لم تكن تعلم حكم الشرع في هاته المسألة، وبدأت تمنع زوجها من شرب الخمر مع أنها كانت تشجعه على ذلك في ما قبل ظنا منها أنه من مظاهر التفتح.

بعدها أعلنت أمام الجميع أنها قد تابت إلى الله وارتدت الحجاب وامتنعت عن أن ينفق عليها زوجها لأن ماله من حرام، تقول (ن): \" رفعت تحديا صعبا و كنت أعلم ذلك، و بالرغم من تهكم عائلة زوجي على قناعتي و تهديداتهم المختلطة بمغرياتهم، إلا أن خشيتي من العقاب كانت أقوى و منحتني قوة التصدي \".

و مما أعانها على تخطي الصعاب اختيارها لأخوات صالحات يكن لها سندا في حالة تسرب اليأس من إصلاح من حولها وتحصين نفسها من البيئة المحيطة بها.

 

من سار على الدرب وصل

و مما كان يوقظ قوة الإصرار لديها تبشير الأخوات لها وبقبول توبتها مهما عظمت ذنوب ماضيها و نيل الأجر الكثير مما تكابده في حاضرها، فبدأت بحفظ كتاب الله وتلقي الدروس التربوية و صيام التطوع و غيرها من النوافل، إلا ما كان يؤلمها بين الفينة والأخرى أن ملبسها ومطعمها من حرام، فكل محاولاتها للبحث عن عمل في المدن السياحية باءت بالفشل بسبب مرض الربو، فحتى روض الأطفال الذي أسسته لم يكتب له النجاح.

هددت زوجها بالطلاق ونزع أبناءها منه إن لم يعدل عن طريق المخدرات، فتوعدها بالقتل.

تركت الأبناء و ذهبت للعمل بعيدا، فلم تستطع الصبر على فراق الصغيرين، وهي تعلم معاناتهما عندما يقبض على أبيهما أمام ناظريهما فلا يستسيغان الموقف.

لكن (ن) تغتنم فرص سجن زوجها لتشعل فيه نار الندم على ما فات، وتزوده بالكتب، إلا أنه بمجرد التقائه برفقاء السوء يعود الأمر على ما كان عليه أو أكثر، و يمنعها من صيام الإثنين والخميس وحضور الدروس التربوية، فلم تجابهه بل كانت تعامله معاملة حسنة وتحل مشاكلها بأشكال سلمية، مادام أن هدفها هو إرضاء الله و رضى الزوج من رضى الله ما لم يدعها إلى فعل حرام.

 

يسر الإسلام

لم تتوقف (ن) عن السؤال عن الحكم الشرعي في حرمة الأكل من المال الحرام، فكانت جل أجوبة العلماء و الفقهاء متفقة حول فتوى مفادها أن الزوج هو المسؤول عن إعالة أسرته، أما الزوجة فلا حول لها ولا قوة.

ومنهم من قال \" بعد فشل كل المحاولات معه فما عليها إلا أن تنتظر هداية الله له كما هداها لأبسط الأسباب لقوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) \". القصص 65.

وقال آخرون: \" أن تأخذ من ماله ما يكفيها دون إفراط في النفقة على نفسها، لأن النفقة واجبة على الزوج \".

 

نهاية المطاف

من كل هاته التجارب و الآراء استخلصت الأخت (ن) أن الله لن يعذبها على ذنب لم ترتكبه لقوله تعالى (لا تزر وازرة وزر أخرى)، و ما عليها إلا الرضوخ للواقع و الإنفاق عن أسرتها مما تركه زوجها مع عدم الرضى عن مصدره و اغتنام الفرص ما استطاعت لتكوين رأس مال حلال يعينها على رسم طريق مرضي لله عز وجل وهو ما تفكر فيه مؤخرا و تنوي فعله حاليا.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply