من خريج جامعة لبائع صحف .. !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إيهاب (يسار) نجح في توسيع مشروعه ليرضي طموحاته

مثله مثل أي شاب عربي ضاق ذرعًا بوطنه الذي لا يجد فيه وظيفة تحفظ له ماء وجهه وكرامته المعيشيةº فقد قرر إيهاب المرسي -36  عامًا - أن يهاجر إلى ألمانيا بعد تخرجه كاختصاصي أغذية في كلية الزراعة في نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرينº لعله يجد فيها ما لم يجده في بلده مصر.

ولأن قصص النجاح التي نسمع عنها في الغربة قد لا تكررº فالناس يختلفون وكذلك ظروفهمº لذا لم يجد إيهاب في بلد الألمان إلا وظيفة بائع صحفº فهو ببساطة لا يملك مؤهلات أكثر من هذه لسوق العمل هناك.

بعد ستة أشهر في ألمانيا، عاد إلى مصر يجر أذيال الفشل، لكنه لم ييأس أو تهزمه النظرات القاسية لأصدقائه وجيرانه، فجلس مع نفسه، وفكر مليًّا في قدراته ومهاراته، وما يمكن أن يفعله في مستقبله.. وجد هذا الشاب أن الشيء الوحيد الذي أتقنه منذ صغره هو إدمان قراءة الكتبº فقد كانت أمنيته أن يصبح مثقفًا يشار له بالبنان.

 

لكن المشكلة أنه لا توجد مهنة اسمها مثقف! فالثقافة التي أدمنها مهمة، ولكن المجتمع لا يستفيد منها كما أنها لن تطعمه، كما أن فرص عمله كاختصاصي تغذية قليلة، خاصة مع ضعف الطلب على هذه الوظيفة في سوق العمل ذات الطبيعة المشوهة في مصر، ومن هنا قفزت إلى ذهنه فكرة خجل في البداية من أن يقولها لنفسه، لكنه كسر حاجز التردد، وقرر في النهاية أن يعمل بائع صحف ومجلات من خلال إنشاء كشك صغير لذلك.

 

كشك صحافة

بدأ منذ ذلك اليوم الذي كسر فيه الخجل في التخطيط لكل صغيرة وكبيرة في مشروع كشك الصحف، فدبر المبلغ اللازم للمشروع، واختار أنسب مكان يبدأ فيه، وتعرف على متعهد بيع الصحف بمدينة الزقازيق (شرق مصر) التي يعيش فيها، وطلب منه تخصيص نسبة من الصحف له بعد دفع تأمين 300 جنيه (الدولار = 5. 80 جنيهات مصرية)، وبالفعل بدأ العمل في مارس 1998 بأول كشك لبيع الصحف والمجلات، يساعده في ذلك عامل باليومية.

 

بعدها بدأ يزيد من عدد الأكشاكº فكل عامل يرغب في العمل معه يضعه في مكان ومعه عدد من الصحف، وإذا نجح في بيعها يرفعه من عامل باليومية إلى عامل بنسبة من البيع، وقد وصل عدد بائعي الصحف التابعين للشاب إيهاب حوالي 8، منهم من هو ثابت في مكانه، وآخرون يعملون متجولين ويزداد عددهم في مواسم البيع.

 

سوق الصحف

وكغيره من أسواق السلع، فإن بيع الصحف سوق لها قوانينها وأسرارهاº فخروج الصحيفة من المطبعة إلى يد القارئ تمر على عدد من التجار ومتعهدي التوزيعº فلكل منطقة أو مدينة متعهد توزيع يقوم بدفع تأمين لشركة التوزيع يترواح بين 30 - 100 ألف جنيه مصري، وقد تزيد حسب مساحة المنطقة التي يغطيها، وهناك متعهدون في هذه المهنة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، والبعض يورث المهنة لأبنائه.

 

يلي الموزع الكبير عدد من التجار الكبار في المنطقة، ولكل تاجر مساحة يتحرك فيها برجاله وتجاره الصغار يقوم بتوزيع الصحف والمجلات عليهم بنسب حسب احتياجات المنطقةº فنسب توزيع الصحف تختلف من حي إلى حي حسب مستواها الاجتماعي، ومستوى ثقافة السكان.

 

بل إن نسب التوزيع تختلف من صحيفة لأخرى في نفسي الحيº فلكل صحيفة عدد من القراء المنتظمين وعدد آخر يتابعها من حين لآخر. كما قد تختلف من شارع لآخرº فتوزيع الصحف بجانب الجهات الحكومية والشركات ومحطات القطار والمترو أكثر من توزيعها في الأحياء السكنية.

 

كما أن هناك مواسم يزداد فيها بيع أنواع معينة من الصحف رواجًا مثل: الجرائد الرياضية أثناء بطولات كرة القدم المحلية والعالمية، وجرائد المعارضة والمستقلة وقت الأزمات والأحداث السياسية، والجرائد القومية أثناء إعلان نتائج الامتحانات والقبول بالوظائف المختلفة.

 

وبالتالي فالبائع أو التاجر الصغير الذي يتعامل معه القارئ ما هو إلا حلقة صغيرة داخل سلسلة طويلة ومنظمة تعمل في توزيع الصحف والمجلات والكتب... إلخ، ويتراوح الربح في تلك السلسلة -كما يقول إيهاب- ما بين 5 و8 قروش في الجريدة، و7% من ثمن المجلة و10% من ثمن الكتاب، فهو يورد آخر النهار ما تبقى معه من صحف ومطبوعات، ويحصل على نسبته التي اتفق عليها مع التاجر الأكبر منه.

 

ووفقًا للشاب المصري فإن التوسع في هذه المهنة يكون بالاتفاق مع متعهد التوزيع بالمنطقةº وهو ما جعل توسعه ببيع الجرائد يأخذ خطوات يعتبرها بطيئة إلى حد ماº فقد حارب كثيرًا من أجل زيادة المساحة التي يعمل بها وزيادة العدد الذي يتسلمه يوميًّا.

 

القراءة للجميع

إيهاب يتطلع لبعض الكتب التي يؤجرها

ومن وحي مشروع \"القراءة للجميع\" المقام في مصر منذ عدة سنوات، والذي يهدف إلى إعادة طبع أمهات الكتب في كل المجالات وطرحها بالأسواق بأسعار تناسب الجميع.. تولدت فكرة لإيهاب بإنشاء مكتبة لاستعارة وبيع الكتب القديمة بأسعار تناسب الجميع.

 

ويقول: الهدف من أي كتاب أو صحيفة هو المعلومة التي فيه، والتي إذا قرأها الشخص ودخلت عقله أصبح الكتاب عديم القيمة يمكن أن يستفيد منه غيره، خاصة مع انتشار ظاهرة قراءة عدد من الجرائد والمجلات بمقابل رمزي يدفع للبائع، وإعادة هذه الجرائد والمجلات آخر النهارº لتعود مرتجعًا لشركة التوزيع، بما يعني خسارة لميزانية الصحيفة التي تطبعها.

 

لذا فكر الشاب إيهاب في عمل مكتبة لبيع واستعارة الكتب القديمة بأسعار تناسب الجميع، وبالفعل بدأ في عام 2001 في شراء وتجميع الكتب والمجلات القديمة في كافة مجالات المعرفة من جامعي القمامة خاصة الكتب المدرسية والجامعية، ولاقت هذه الفكرة نجاحا وقبولا من راغبي القراءة الذين يقيدهم ارتفاع أسعار الكتب عن التوسع في هوايتهم، ويتم استعارة الكتب والمجلات بنسبة من ثمنها.

 

فالكتاب الذي يتراوح سعره بين 2 و 5 جنيهات يؤجره بحوالي 50 قرشًا لمدة ثلاثة أيام، أما قصص الأطفال والألغاز البوليسية والروايات الأدبية التي يقبل عليها الشباب خاصة في فترة الصيف، فيتم استعارتها بمقابل مادي 25 قرشًا للكتاب، كما توجد كتب التفسير والكتب العلمية ويتم تأجيرها بـ2 إلى 5 جنيهات لمدة أسبوع للمهتمين بهذا النوع من القراءة.

 

وحتى الكتب المدرسية والخارجية للطلاب فقد أحضر منها إيهاب كميات كبيرة، وبدأ يبيعها بأقل من نصف ثمنها حسب حالتها. وقد أصبح لمكتبة بيع واستعارة الكتب القديمة قراؤها المستديمون، يتعدى عددهم المئات في اليوم الواحد خاصة في فصل الصيفº مما جعل البعض من زملائه يقلدون الفكرة.

 

مشاريع حالية ومستقبلية

تفكير إيهاب حاليًا يتركز على توسيع أنشطتهº ففي أحد الأماكن التي يبيع بجوارها الصحف يوجد جهاز حكومي يتردد عليه الجمهور لقضاء طلبات وتراخيص عملº مما يجعلهم يلجئون أحيانًا لتصوير أوراقهمº لذا قام إيهاب بشراء ماكينة تصوير تلبي احتياجات هذا الجمهور. بينما في مكان آخر في حي سكني قام بإضافة عدد من بوسترات النجوم وأسطوانات المطربين وشرائط للأفلام العربي والأجنبي للبيع بجانب الصحف.

أما عن أفكاره للمستقبل فهي لا تعرف حدودا، فهو يفكر في عمل مشروعات كثيرة كلها مرتبطة بالقراءة والمعرفة، فهو لا يحلم بأن يصبح متعهد توزيع الصحف في مدينته، بل يفكر في إنشاء شركة توزيع يديرها بالأسلوب الذي رآه في ألمانيا، كما يتمنى الدخول في مجال الطبع والنشرº ليحاول المساهمة في حل مشكلة ارتفاع أسعار الكتب والتي تعتبر عائقًا أمام عشاق القراءة والمعرفة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply