بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
راوية القصة الأخت أم مصعب أخت وصديقة لصاحبة القصة -رحمها الله-:
قصة حقيقية عشت أيامها وأحداثها بأفراحها وأتراحها بنفسي فهي صديقة غالية على قلبي، أحببتها في الله، تعارفنا في مجالس العلم وحلقات الدعوة.
فقد كانت نعم الصديقة ونعم الأخت وكنت أشكو لها دائما همومي وكانت مستودع أسراري، كانت الزيارات متبادلة بيننا دائما مع العلم أنها كانت تسكن في مدينة أخرى.
كنت أحيانا أتجاذب معها الحديث وأقول لها:
إن أكثر ما يقلق المرأة هو زواج زوجها بأخرى وكانت ترد بقولها: إن زوجي يقول: لن أتزوج عليك أبدا.. فقط أنتي والدعوة في حياتي. فزوجها داعية مثلها.
وفي يوم من الأيام اتصلت على صديقتي وأخبرتني بأن أم عبد الرحمن مريضة وأن زوجها كلم زوجي وأخبره بأنها مريضة جداً وطلب منه الدعاء لها وأخبره أن وضعها خطير.
ألمني ما سمعت وبكيت كثيرا....
يا الله صديقتي المخلصة... أختي في الله. صاحبتي المقربة.. في خطر رحماك يا ربي..
طلبت من زوجي أن يتصل على زوجها ويستفسر عن وضعها وعن حقيقة مرضها وبالفعل اتصل زوجي وأخبره أبو عبد الرحمن أنها في غيبوبة منذ أسبوع وكان في كلامه نبرة حزن شديدة.....
ثم قال: أنا عندكم في الرياض..... وهي في العناية المركزة....
أخذت أبكي وأبكي.. وأدعو الله -سبحانه وتعالى- لها.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك يا أم عبد الرحمن...
صديقتي الغالية.
أختي الحبيبة.. أختي في الله..
كيف وصلت إلى هذا الحال لقد رأيتها قبل فترة ليست ببعيدة في أحد مجالس العلم في مدينة الرياض...
ولا أنسى أبدا كلامها يومها عندما قالت: "إن الإنسان إذا أتاه الموت ينفصل قلبه عن عقله فيخرج الكلام الذي في القلب".
تذكرت شريط حياتها.. أمضت جل أوقاتها في الدعوة إلى وفي حضور مجالس العلم..
وكانت من الذاكرات الخاشعات.... وردة أينما حلت حل معها عبيرها وعطرها الذكي الفواح....
كانت بحق حورية من حوريات الجنة تعيش بيننا....
أما قصة مرضها فهي كما يلي:
في يوم من الأيام أحست بضيق شديد في التنفس ذهبت على إثره إلى المستشفى فأخبروها بضرورة المبيت عندهم لإجراء الفحوصات اللازمة فأخبرتهم أنه من الصعب البقاء وترك أولادها في البيت لوحدهم، فأصروا على ضرورة المبيت في المستشفى، فما كان منها إلا أن اتصلت على أم زوجها وطلبت منها العناية بأولادها لحين عودتها للبيت.
وفيما بعد قالت لي أم زوجها: كانت أم عبد الرحمن قبل وفاتها بفترة وجيزة اجتهد ت كثيرا في حلقات الدعوة والذكر التي كانت تقيمها في بيتها......
شتان بينك وبين من جعلت بيتها ملتقى لصديقات السوء للهو والعبث وتبادل الأحاديث التي تثقل الميزان بالسيئات والخوض في الأعراض والغيبة والنميمة.....
وطلبت من أم زوجها أن تحدثني أكثر عن أختي أم عبد الرحمن فأردفت قائلة:
تصدقي لو قلت لك قبل دخولها المستشفى نادت أولادها وبناتها وأخذت تذكرهم بالله وتنصحهم..
ثم قالت لهم "إذا أنا مت لا تبكوا علي لأني بإذن الله سأكون في الجنة"....
ويجب أن نسامح بعض ونسامح جميع الناس حتى من ظلمنا منهم ولا نجعل في قلوبنا غلاً على أحد...
وأن ندعو لكل المسلمين في كل بقاع الأرض وفي كل مكان.
وفي نفس ذلك اليوم تعبت ودخلت المستشفى...
ثم أخذت أم زوجها نفساً عميقاً ومع خروجه من صدرها انحدرت من عينيها دموع الأسى و الحزن..
ثم تمالكت نفسها بصعوبة بالغة لتكمل حديثها.
قالت: اتصلت علي وقالت يا عمة أنا بخير وأريد أن أخرج الضحى لكن الممرضات مستغربات كلما أخذن عينة من دمي يتخثر مباشرة؟
فقلت لها: يا بنيتي سامحي الناس وانطقي الشهادة واذكري الله فأنتي دائما تذكرينا بالله...
ثم أردفت قائلة:
والله يا أم مصعب لا أدري كيف تكلمت معها بهذا الكلام؟
وكيف جاء في بالي؟
فهي زهرة يافعة في أوج شبابها ممتلئة نشاطا وحيوية.
ولكني أدركت أنها العناية الإلهية وأن ربي ألهمني وأرشدني لقول ما قلت وان الله -سبحانه وتعالى- إذا أحب عبداً أرسل له من يذكره قبل الموت وهذا كلامها الذي كانت دائماً تقوله لنا في حلقات الذكر.....
فسبحان الله الذي لا إله غيره.
سبحان الله ألهم الله أم زوجها بأن تذكرها بالشهادة في أصعب اللحظات...
اللهم هون علينا سكرات الموت اللهم اجعل أخر كلامنا لا إله إلا الله
وتتابع أم زوجها حديثها قائلة:
اتصل الطبيب على ابني وأخبره أن وضع زوجته أم عبد الرحمن حرج وأنها في خطر فأسرع إلى المستشفى..
وهناك عند البوابة منعه الموظفون من الدخول لأنه ليس وقت زيارة، فصرخ في وجههم قائلا: زوجتي تحتضر ابتعدوا عن طريقي...
وأسرع إليها وما أن دخل غرفتها رفعت عينيها إليه وقد اغرورقت عيناها بالدمع.... دموع حارة.
إنه ليس أي دمع إنه دمع ينحدر من عيني مودع....
وليس أي مودع إنه وداع الزوج والأولاد والأهل والأحباب..
إنه وداع لكل الدنيا لملاقات العمل..
وللوقوف بين يدي العزيز الجبار...
دموع رقراقة تنحدر بغزارة فيها تسائل مرير وصعب يقول:
هل ترانا نلتقي أم أنها ****كانت اللقيا على أرض السراب...
ثم ولت وتلاشى ظلها **** واستحالت ذكريات للعذاب..
حان الوداع.. حان الفراق. يا أبا عبد الرحمن، أبا عبد الرحمن وصيتي في غرفتي في مكان كذا..
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "واصبر نفسك مع الذين يدعو ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا".
وعند آخر حرف نطقت به الآية القرآنية دخلت في غيبوبة أو ما يسمى بالموت الدماغي، بقيت أسبوع ثم بعد ذلك فارقت الروح الطاهرة ذلك الجسد الطاهر وصعدت عند بارئها......
رحمك الله يا أختاه إنا لله وإنا إليه راجعون...
اللهم أجرني في مصيبتي هذه وأخلف علي خيرا منها....
اللهم رضنا بقضائك وصبرنا على بلائك واغفر لنا ولجميع المسلمين يا رب العالمين.....
قالت أخت زوجها "بعد تغسيلها وتكفينها دخلنا أنا وأخي أبو عبد الرحمن حتى نودعها ونلقي إليها النظرة الأخيرة والله الذي لا إله إلا هو يا أختي أم مصعب منظرها كأنها نائمة ارتسمت على محياها ابتسامة جميلة، نور ملئ وجهها وأضاء فأشرق: نور الصباح.
أخي قال: سبحان الله زوجتي تغيرت وتبدلت وأصبحت كلها نور وإشراق.
لقد كان منظره وهو يودعها مؤثراً جداً....
فلو كان فيض الدمع ينفع باكيا.... لعلمت غرب الدمع كيف يسيل
وتكمل أخت زوجها حديثها قائلة:
تصوري يا أختي أم مصعب حتى المرأة التي قامت بتغسيلها تعجبت وقالت: يا ناس أخبروني ماذا كان عمل هذه المرأة الصالحة والله إنني أرى عليها علامات حسن خاتمة عجيبة لم أر مثلها من قبل -رحمها الله- وأسكنها فسيح جناته.
هذا وقد رأيتها أنا وغيري من أهلها وصديقاتها في رؤى صالحة كلها تدل على حسن الخاتمة..
رأيتها مرة في رؤية وكأنها في بيتي ترتدي ملابس بيضاء لا يظهر منها إلا وجهها وقد فرحت كثيرا لمجيئها لبيتي وحضنتها وقلت لها:
لماذا رحلت وتركتيني وحدي لم تتكلم ومشت وخرجت من الصالة التي كنا بها باتجاه المجلس...
فلحقت بها... قالت لي أنتي أبقي للدعوة أبقي للدعوة....
كانت تلك قصة أم عبد الر حمن -رحمها الله-.
المرأة الصالحة التي أرضت ربها فأرضاها..
وقد ذكرتها لكم للعبرة والعظة فيجب على العاقل أن يحاسب نفسه على ما فرط من عمره ويستعد لعاقبة أمره بصالح العمل ولا يغتر بالأمل فإن من عاش مات، ومن مات فات وكل ما هو آت آت.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، ويوفقنا لإتباع أوامره واجتناب نواهيه وأن يجعل الموت خير غائب ننتظره وأن يختم لنا بالخير وأن يتغمدنا برحمته.
إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد