بسم الله الرحمن الرحيم
كان أحمد بمثابة قرة العين لوالديه، فهما لم ينجبا غيره، لذا فقد حرصا على أن ينشأ مدللا، ووفرا له كل سبل الرخاء والراحة، كبر أحمد وكأن في فمه ملعقة ذهب، كل ما يطلبه، يهم والديه بتنفيذه، وهو لا يتوانى عن الطلبات، خصوصا أن ثروة والده كبيرة جدا، وهو الوريث الوحيد له، إن التربية السيئة، وعدم الموازنة في حياة الطفل، تنتج طفلا يحمل جميع خصائص الإهمال والجهل...
انتهى أحمد من دراسته الثانوية وألتحق بجامعة خاصة، لأن مجموعة كان ضعيفا لا يؤهله للدخول للجامعة الحكومية... وهناك بدأ يختلط مع أناس جدد، بالأمس كان والداه يتحكمان في تصرفاته، الخروج له وقته، والطعام له وقته، وكل شيء بوقته، لكن هنا تحرر أحمد من ظل القيود المفروضة عليه، وراح يبحث عن الصحبة التي سيمضي معها أيامه الجامعية، وحسبك أن تعلم أنه تأقلم مع صحاب من أسوأ الناس زينوا له المنكر، وألقوه أمامه في طبق شهي، بدعوا التطور والحضارة...
مضت أيام أحمد يمرح ويلهو، نسي أن عليه رد الجميل لوالديه، اللذان بذلا كل ما في وسعهما،،
وفي أحد المرات ناوله أحد رفاقه سيجارة، فخاف منها، كان يرى في أصحابه المثالية، صحيح أنه لا إقامة للصلاة، إلا في رمضان، فانبهر أحمد من الموقف، وتدارك نفسه، فهجرهم أسبوعا كاملا، وعاد إليهم بعدها، بعد أن أخبروه بأنه جبان، لا يستطيع أن يجابه الواقع، فأطاعهم، وأدمن أحمد التدخين، حتى صار لا ينتهي من سيجارة، إلا والأخرى في يده
من بين أصحابه شاب ذو طلعة بهية، له رأي بين الأغلبية، أحبه أحمد، وكان يقضي معه أغلب وقته في بداية الصحبة، كان صاحبه الوفي حازم، وكان حازم هو أقلهم ذنوبا...
وفي إحدى الليالي، إستاء والد أحمد عندما اكتشف أنه يدخن، ولكزه على وجهه، حتى سال الدم من أنفه، خرج أحمد إلى الشارع بعد أن دفع والده، فرآه أحد رفاقه (عصام)، وأخذه معه في السيارة.
عصام: هون عليك ولا تبكي، فكلنا مررنا بهذه الظروف
أحمد: وكيف يمد يديه علي، فأنا كبير، يجب أن أتخلص من التدخين.
عصام: عندي الحل، تعال فقط معي هذه الليلة مع الصحاب، وسأريك ماذا نفعل.
بالفعل إقتاد عصام أحمد إلى مكان لم يألفه بعد، ووجد بعضا من أصحابه الذين ناولوه شرابا، لم يحس بعدها، إلا والصبح قد أشرق، إستيقظ أحمد وقد تبّول في ملابسه، فاستعار من عصام لباسا، وعلم أن الشراب الذي أراحه أمس من الهموم كما أعتقد - هو الخمر (والعياذ بالله)
وتكرر الموقف مرة أخرى لم يترك أحمد التدخين بل أضاف الخمر إليه، وراح يقضي لياليه في المراقص، والفنادق، التي تمده بالخمر، وترشده لطريق المعصية، فزنا، وأرتكب الكثير من المعاصي، وسرق عندما قطع والده عنه المصروف، وتم فصله من الجامعة لكثرة غيابه...
وقد بقي لأحمد سنة واحدة ليتخرج، فأعاده والده إلى الجامعة، بعد أن أعلن توبته، وعاهد والديه على الاستقامة، انقطع أحمد عن رفاقه عدة شهور، وما عاد يحتمل، فرجع إلى حضنهم، وعاد للشرب والدخان، وأضاف إليها المخدرات المخدرات المخدرات.....
تم اكتشاف عصابة تهريب وبيع المخدرات، ومن بينهم كان عصام وبعض رفاقه، فتشتت شمل الصحاب، منهم من دخل السجن، ومات أثنين بالمخدرات، وانتحر بعضهم، أما حازم الذي كان أحمد يحبه كثيرا، فقد افتقده بعد أن تم طرده من الجامعة، يوما ما كان أحمد يترنح في مشيته بعد أن تناول الخمر، وراح يصرخ في الشارع بألفاظ قبيحة، توقف فجأة وتأمل في الشاب الملتحي الذي وقف أمامه.
أحمد: كأني أعرفك من أنت يا هذا؟
الرجل: أنا حازم، والحمد لله قد هداني الله - تعالى -، وقد حججت هذه السنة ببيت الله الحرام.. تعال معي يا أحمد.
راح حازم يحكي لأحمد كيف أن الله وفقه في لإيجاد فرصة عمل، وقد تزوج منذ شهر، وأحس أحمد بالخجل من نفسه، كيف أن الذنوب قد تراكمت، فراح يبكي بمرارة، فاحتضنه حازم وقال له: (إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)...
غير أحمد ملابسه وذهب بصحبة حازم إلى المسجد، عندما علمه الصلاة، وبين حنايا المصلين، إنفجر أحمد بالبكاء، بكاء خالطه الألم، عندما ذكر الموت أمامه، لحظات الاحتضار، ماذا أعددت لتلك اللحظة...
بعد شهر ذهب أحمد لأداء العمرة مع حازم، أحس بشعور رائع، أحس بطعم الإيمان، وفي إحدى المحاضرات، خرج أحمد وهو مشغول البال، لقد عق والديه، وهجرهما، وقد توفي والده، وهو غاضب عليه، حينها أمره حازم بالاستغفار، وأن يدعو لوالده، فإن دعواه تصل لوالده وأن يبر والدته، ويستسمحها...
فمضى أحمد في سبيله متوجها إلى البيت، فصادف أحد رفاقه السابقين، وتجاوزه دون كلام، فحمل عليه صاحبه، وزجره قائلا: إن السلام لله وليس للبشر.
أحس أحمد أنه أخطأ في حق صاحبه، فالتفت خلفه، لكن كان الآخر قد ولى. ففكر أن يذهب ليعتذر...
بعد أن قبل أحمد رأس والدته معتذرا، وتأكد من صفاء قلبها تجاهه. فخرج من عندها
ثم أوقف سيارة أجره، وذهب ليعتذر من صاحبه الذي وجده في الطريق...
وهناك كانت شياطين الإنس قد أعدت مكيدة لاصطياد أحمد، وبعد أن طرق الجرس استقبله أحدهم بإبتسام، وأدخله وإنقض عليه الباقون، وأودعوا في يده إبرة مخدر، فأغمي عليه...
مرت أيام.. وأيام.. كان أحمد بين الطاعة والمعصية، راحوا يمدونه بالمخدر، لو تم القبض على أحمد فسيسجن، لأنه تم علاجه مسبقا، وعاد إلى المخدرات، والتدخين، والخمر...
افتقده حازم، وذهب إلى بيت أمه باحثا عنه، وعندما فتح أحمد الباب، وقفت سيارة رفاق السوء السوداء، وفتحت النافذة، فرفرف أحدهم بيده، فطردهم حازم، ولكنهم رفضوا، راح أحمد يتأمل حازم، كان حازم يخاطب أحمد، لكن لم يرد عليه، وأمسك بمقبض السيارة، فترجاه حازم، ترجاه بأن لا يذهب معهم، وحاول منعه، وذكره بالأيام التي ذاق فيها طعم الإيمان، فدفعه أحمد بقوة، وصرخ رفاق السوء هاتفين ضاحكين، وذهب أحمد في طريق اللا عودة للمرة الثانية، فتناول حازم هاتفه من على الأرض بعد أن وقع من أثر الدفعة، وتناثر الجمان من عينه، بكى على حال صديقة، الذي أبصره يضيع من بين يديه، وهو لا يقوى على رده...
تثاقل حازم في النهوض، غطت الدموع وجنتيه، و انسابت بتدفق في رحاب وجهه المشرق، وما راعه إلا صوت صاعق قوي، فركض مسرعا، متجها إلى الشارع من خلف البيت، وهناك كانت نهاية أحمد، ورفقاء السوء، شاحنة ضخمة جعلت سيارتهم متفحمة، أغلقت السيارة أبوابها أوتوماتيكيا، و أستطاع الناس أن يكسروا زجاج السيارة التي تحترق، وأن ينقذوا أحمد وشخص آخر، كان ذلك الشخص قد فارق الحياة، أما أحمد، أحمد، فكان في ساعات الاحتضار، كانت روحه تفيض، إقترب حازم بهدوء منه، رآه ملقى على الأرض، والناس من حوله يرمقونه بعيونهم، وأمسك بكتف أحمد، وصرخ وهو يبكي، قل: لا إله إلا الله، قلها يا أحمد..
ولكن، تجمد لسان أحمد، ولم تخرج إلا كلمة (لا)،، هكذا كانت نهاية أحمد، كان نزع الروح من جسده شديدا، حتى أنه كان يرفع قدميه.. عند خروجها...
وكان المسكين حازم.... يدعو الله بالسلامة... وهذه خاتمة أحمد
ملاحظة: الأسماء الواردة في القصة ليس بالضرورة أن تكون حقيقية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد