فقيه جاهل


 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

(قصة واقعية)(1)

في إحدى قرى المسلمين الأعاجم رجل جاوز أشد العمر بخمس سنوات ومع ذلك لا يصليº لكونه لا يعرف هل تصح صلاته أم لا؟ فأهل قريته يؤكدون له أنه لا تصح منه صلاة مطلقاً!! ربما اشتاقت نفسه للصلاة فيدخل المسجد يريد الصلاة معهم، فيردونه من بين صفوفهمº فربما صلى في مؤخرة المسجد غير متيقن بصحة صلاته، وربما خرج ولم يصلِّ مقتنعاً بقول (فقهاء قريته) الجهلاء.بعض المسلمين لا يصافحه إذا لقيه، والآخرون يجتنبونه أصلاً.

عاش هذا المسلم حياة تعيسة مزدرياً لنفسه، لو كان يعاني من مرض معد لطلب علاجه مهما كلفه ثمنه لينتهي بؤسه، ولكن مشكلته أكبر من ذلكº فأهل قريته يعدونه من أنواع النجاسات التي يجب أن يتنزه عنها المسلمون، وللقارئ أن يستحضر منزلة النجاسات ليعلم مدى الاحتقار الذي كان يقابل به. ما أقسى هذا الشعور! صار هو الذي يبتعد عن الناس ومجالستهم قبل أن يجرحوه بابتعادهم عنه.

صرخ في وجه زوجته يوماً: «دعيهº فلأن يعذب شهرين أهون عليه من أن يعيش مثلي معذباً طول عمره»، زوجته المؤلفة التي أسلمت قبل ولما تعرف كثيراً عن الإسلام ـ صاح بها عندما عاتبته في كونه لم يكن هناك من حاجة لختان ابنهماº فقد مرض الولد بعد الختان شهرين كاملين.

كان من رحمة الله بهذا الرجل أن مر بقريته طالب علم من بلاد العرب، بل أن يدخل المسجد وذلك الرجل منزوٍ, في آخره بحالة تلفت النظر، فيسأل عن سبب ذلك، فيعرف قصته ويتقطع لها قلبه، وعند إقامة الصلاة دعاه من مؤخرة المسجد وثبته في الصف الأول والرجل يرفض ويأبى، ويُحسَم الموقف بتصميم ذلك الداعية.

عيون الناس تشاهد في دهشة ماذا يجري؟! ولكن ألسنتهم لا تمتلك أن تخالف ذلك الداعيةº فهو عندهم منسوب إلى بلاد العرب أعرف الناس بأحكام الإسلامº فكيف يعترضون؟!

انقضت الصلاة والمصلون على دهشتهم يتوقعون تفسيراً لما يحدث.

شرع ذلك الداعية بالكلام، كان مما قاله لهم: «إن مسلماً لم يختتن في صغره لظروف مر بها، ثم لم يختتن في كبره لظروف أخرى لا يكون نجساً أبداً، وإن لم تكن له أعذار صحيحة، وإنه يجب على هذا المسلم أن يختتن من فوره وإنه يأثم بتأخره». ما أن انتهى من تعليمه لهم حتى قام المصلون نحو أخيهم المبرأ من تهمة النجاسة التي حالت بينه وبينهم دهراً يصافحونه ويعانقونه وكأنما دخل الإسلام لتوه.

هكذا يظلم الجهل الناس، بل هذا بعض ما يفعله الجهل بأهلهº فهو أكبر سلاح للشيطان في صدور أعدائه المؤمنين.

ما كان أحوج هؤلاء الناس إلى حديث واحد من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - تنتهي به معاناة أخيهم وهجرهم لهº هـو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «سبحان الله! إن المـؤمـن لا ينجس»(2).

 

----------------------------------------

(*) مدرس بمعهد أم القرى الإسلامي بكمبوديا.   

(1) حادثة وقعت بإحدى قرى كمبوديا حدثني بها حاضرها أخي الفاضل أبو الحسن الحيداني.

(2) أخرجه البخاري، كتاب الغسل، باب/ عرف الجُنُب، وأن المسلم لا ينجس.

 

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply