قصة قصيرة \ اللبوة \


بسم الله الرحمن الرحيم

مدينة الحمراء تغرق في ظلام دامس الساعة الثانية مساءً.. هدوء القرى يطبع ملامح هذه المدينة.

وفي أحد أحياء تلك المدينة الهادئة يقبع بيت صغير لا يميزه شيء عن غيره من البيوت ، له سور صغير وحديقة خلفية زرع فيها صاحب الدار بعض الخضراوات والفواكه.. إحدى غرف المنزل الأربع أعدت لاستقبال الضيوف.. أما الثانية فهي مكتبة مليئة بالكتب ، كتب على الدواليب الحديدية ، وفوق الكتب كتب ، وعلى الأرض كتب ، وفي وسط هذه المكتبة مكتب خشبي صغير.. وثالثة لنوم الأطفال ورابعة لنوم رب الدار ومطبخ ودروتي مياه. وفي منتصف الدار صالة متوسطة الحجم.

 

جميع من في البيت نيام.. وفجأة

 

يطرق الباب بشدة. يزداد الطرق.. بدأ أحدهم يرفس الباب بشدة.. كاد الباب الخشبي أن يسقط من شدة الضرب..

 

استيقظ أهل الدار. جرى الطفل ذي الاثني عشر عاما تجاه الباب

 

الطفل : من.. من؟! صوت غليظ: افتح الباب وإلا كسرناه.. الشرطة.. الشرطة.. بسرعة افتح الباب.

 

ويواصل ضرب الباب الطفل: حسنا.. توقف عن ضرب الباب لأتمكن من فتحه.

 

يتوقف الطرق.

يفتح الطفل الباب.. يهجم عدد من الرجال على الباب.. يسقط الطفل على الأرض من شدة اندفاعهم.. يقوم وقد ملأ الذهول وجهه.

 

الطفل: من أنتم؟ ماذا تريدون منّا؟

 

يركله أحد رجال الشرطة على بطنه.. يركع من شدة الألم ويتأوهº فيرفسه آخرº ليسقط على الأرض وهو يبكي من شدة الألم.

 

يقهقه الجنود ضاحكين الطفل من شدة الألم.

 

صوتٌ حازمٌ من داخل المنزل: فارس.. فارس قم يا ولدي.. البكاء للنساء.. أنت رجل مسلم.. قم واجه الظلمة كما علمك أبوك.

 

يدخل رجل قصير القائمة نحيف الجسد حاد الملامح وعلى كتفه تاج.

 

الضابط: أهلا باللبوة.. صدق من قال: إن زوجة عاصم لبؤة.

 

أم فارس: الليث ينكح لبؤة.. والأتان ينكحها حمار.

 

الضابط يضحك: حمار.. حمار.. لولا أنني في قمة السعادة اليوم لحطمت عنقك لهذه الكلمة.. (يبتسم ابتسامة سخرية) ولكن أيتها الخبيثة لماذا اخترت الحمار، وحرك يده بحركة معينة وغمز بعينه) بم أعجب اللبوة؟

 

ضج الجنود بالضحك.

 

أم فارس: سيأتي يوم نضحك نحن منكم.

 

الضابط (وقد) تغيرت سحنته ونظر بكل ود لفارس: فارس حبيبي أين بابا؟

 

فارس: لا أعلم.

 

الضابط: فارس ، لا تكذب.. ألم يعلمك أبوك أن الكذب حرام.. وأن الذي يكذب سيذهب للنار؟

 

فارس: بلى.. ولكني لم أكذب فأنا لا أعلم أين أبي.

 

يدفعه الضابط بقسوة ويتقدم ليدخل لداخل الدار.

 

أم فارس: توقف أين تدخل؟

 

الضابط: عندي أمر بالتفتيش.

 

أم فارس: أرني الأمر من حقي أن أراه.

 

ينظر الضابط إلى أم فارس بحقد ونفاد صبر.. ثم يلقي الورقة تجاهها.

 

أم فارس: فارس أحضر الورقة.

 

يتقدم فارس ويحضر الورقة. تفتحها أمه وتنظر فيها بسرعة.

 

أم فارس: فتش كما تشاء ، ولكنني سأخبر المدعي العام أنك ألقيت ورقته على الأرض.

 

الضابط وقد بدأ يفقد صوابه: تهددينني يا حمارة.. يا خنـزيرة.. سأكسر رأسك. أتفهمين.

 

خرجت أم فارس من خلف الجدار الذي كانت خلفه طوال الوقت ، وقد حملت أحد أطفالها بين يديها وتشبث بعبائتها ولد وبنت: أفعل ما تشاء لن أخافك ولن أخشاك.. مت بغيظك.

 

تخرج أم فارس خارج المنزل الذي أمتلأ برجال الشرطة.

 

الضابط: أبحثوا عن عصام في كل مكان ، لا تبقوا شبرا إلا بحثتم فيه.

 

يبدأ الجند في البحث. يلقون بكل شيء ويبحثون في كل مكان ، ولكن لم يجدوا الرجل

 

الضابط بضيق: الظاهر أننا لن نجده اليوم.. هذا ما يظهر.

 

الضابط يفكر قليلا ثم يقول: هيا لنذهب (ويشير إلى الجنود بالخروج).

 

يلتفت وهو خارج من المنزل وينظر في وجه أم فارس الذي خمرته: خيرا سنذهب ولكن أخبري عصام أننا نريده وسنعرف كيف نقبض عليه.

 

خرج الجميع من المنزل ، أغلق فارس الباب وقلبه يدق بعنف ، ليلتفت وينظر لإخوانه نظرة رحمة. تلك النظرة التي حفظها من والده ، وينظر إلى أمه فيراها ساجدة لله - تعالى -.

 

يسمع فارس صوت والده يأتي من داخل المنزل.

 

عصام يبتسم: بطل يا فارس. مجاهد شجاع بحق.

 

يفتح يديه ليحتضن فارس وأمه وأخوانه ، تخفي أم فارس دمعة فارقت محجرها ويلحظها عصام

 

عصام: ولدي ، لماذا جاءوا؟؟ ماذا يريدون مني؟؟

 

فارس: يريدون سجنك يا أبي.

 

عصام: لماذا يريدون سجني يا ولدي؟

 

فارس يتذكر كلام والده جيدا: إنهم جند الشيطان ، يسجنون كل موحد ، كل من قال: لا إله إلا الله وأتى بحقها.

 

عصام: أنت رائع يا فارس رائع يا ابن اللبوة. يبتسم فارس وأمه.

 

يكشر أحد الأطفال ويقول: وأنا رائع يا أبي أيضا ، أنا كنت أعرف أنك في القبو ولم أتكلم ، لأن المسلم يحفظ السر ولا يخون ، أليس كذلك يا أبي؟؟

 

يقهقه عصام وزوجه من شدة الضحك.

 

عصام: نعم كذلك ، نعم كذلك يا بطل.

 

يتناهى لسمعهم أذان الفجر والمؤذن يقول: أشهد ألا لا إله إلا الله .

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply