بسم الله الرحمن الرحيم
حضارة بنصف عقل!
يفسد قلب الإنسان بأمور كثير منها الغفلات والزلات والهفوات والشهوات، فإذا فسد فلا يكاد يستوعب شيئا من حقائق الغيبº لأن القلب هو محل تجلي هذه الحقائق الغيبية، وهو مظنة التفتح لها، والتفاعل معها، والتأثر بها.
أما العقل المجرد فإن إطار عمله مقيد في قضايا محددة، كالتكنولوجيا مثلا والحسابات الدقيقة، ونحو هذا مما يحتاج إلى إعمال فكر، وتركيز وتدقيق وتخطيط ونحو هذا..
هذا قول فريق من العلماء..
ولكن هناك علماء آخرون يرون أن العقل نفسه ينقسم إلى قسمين:
أحدهما وظيفته ما ذكرناه قبل قليل عن العقل المجرد، والنصف الآخر موكل بالغيبيات، ومن ثم عند هؤلاء العلماء أنفسهم :
إن الإنسان قد يعيش بنصف عقل حتى لو بلغ القمة في الذكاء والعلم، والعبقرية المادية، فإنه يبقى يتقلب في دنياه بنصف عقل،
أما النصف الآخر من عقله فمعطل وعلى هذا يقررون هذه النتيجة:
أن الحضارة الغربية اليوم إنما هي حضارة نصف عقل فقط
ولقد فصل في هذه النقطة أكثر من عالم،ظهر أحد الدكاترة ذات يوم في التلفاز، و أخذ يعيد ويزيد ويبني
ويقرر ويسهب في هذه القضية.. ليقول في النهاية.. إذا كانت هذه الروائع المبهرة مما نراه في هذه الحضارة، إنما هي نتيجة نصف عقل..!
فكيف ستكون الحضارة الإسلامية التي سيجتمع فيها ولها العقل الكامل.
ولذا فقد تجد أن أكبر راس عبقري في العالم يساوي صفراً على الشمال في مسألة الغيبيات ومعرفة الله جل جلاله نعني هنا المعرفة القلبية الذوقية.
وأيضا معرفة أمور الغيب التي تتحدث عنها النصوص،فلا إحساسات قلبية إيمانية تعتمل في قلبه، ولا اطمئنان نفسي مستقر في وجدانه، ولا قرة عين يجدها في روحه، فلا يزال يعيش في ضنك وقلق نفسي..
ولقد رأينا الحضارة الغربية بلغت القمر ووصلت المريخ،ولكن أين هي من القيم السماوية والأخلاق الفاضلة؟!
وفي القصة التالية نموذج واضح على هذا، والأمثلة كثيرة جدا..
اسلم بروفيسور بارع في تخصصه النادر، وكان سبب إسلامه قصة عجيبة..
لقد كان سبب إسلام هذا البروفيسور على يد رجل عجوز كبير السن عامي..
وإليكم القصة كما روها أحد من شهد الحادثة:خرج البروفيسور من منزله ذات صباح، فرأى جماعة من الناس يفترشون الحديقة المقابلة لمنزله بل قل لقصره الفاخر..
كانوا فيما يبدو ينتظرون أحداً يمر عليهم لينقلهم إلى جهة معينة،كانوا جماعة من رجالات الدعوة والتبليغ الذين يجوبون العالم للاحتكاك بالناس،وتذكيرهم بالله - تعالى - تعريفهم بعظمة الإسلام وأيامه وروائعه،
وحلاوة الإيمان وثمراته ونحو هذا..
كان معهم وفيهم رجلٌ عجوز مسن، توسد كفه، ونام نوما عميقا في عرض الطريق،بينما السيارات تمخر الشارع بلا توقف، وحركة الناس لا تزال تتعالى.! وقف البروفيسور لحظات، يتأمل وقد بدت على وجهه أمارات الدهشة والعجب والاستغراب، ثم ما لبث أن تقدم ليسأل هؤلاء عن الشيخ المسن النائم وسطهم وهم يتحدثون، والدنيا قائمة من حوله!
سألهم أهو مريض؟ فلما قيل له: بل هو في كامل صحته وعافيته.
زاد تعجبه، وعاد يسألهم: فكيف استطاع أن ينام وسط هذا الضجيج، وفي هذا المكان بالذات، وعلى هذه الشاكلة غير المريحة!؟
ثم أقسم لهم أنه لا يتمكن من النوم إلا باستخدام أنواع من الحبوب المنومة في كل ليلة، مع أنه يحيا في منزل فاخر أشبه بالقصر فيه حشم وخدم..!
وأخبرهم عن مركزه وشهادته وظيفته العالية..!
وكان أحد الحاضرين ذكيا استغل الموقف فأخذ يحاوره حوارا شجيا،حول قضية القلب والعقل، ووظيفة كل منهما، ثم تدرج به ليحدثه عن الاطمئنان القلبي وما يمكن أن يزرعه الإيمان العميق في قرارة الإنسان
من توازن ويقين وثقة ورضا وانشراح نفس وسكينة وطمأنينة، ونحو هذه الثمرات والبركات،وكيف أن الله - سبحانه - لا يضيع عبده إذا أخلص في الإقبال عليه،بل يتولاه برحماته وبركاته..
ومن ثم فمثل هذا الإنسان لا يجد القلق سبيلا إلى نفسه، ولا يعرف للأمراض النفسية والعصبية معنى، بل أنه لا يجد مشقة أن يضع كفه على ظهر يده لينام مستغرقا في الساعة التي يشعر فيها برغبة في النوم!!
مستغنيا عن أية أدوية وحبوب تستجلب له أطياف النوم..!
ليس إلا أن يلهج بذكر الله - عز وجل - فإذا هو مستغرق في نومه مسترسل مع أحلامه الجميلة الصافية!
كان البروفيسور يتابع الحوار في شبه ذهول، وفي حالة انبهار، لا سيما وقد يسر الله له محاورا بارعا يحسن العرض، ويكثر من ضرب الأمثلة، وينوع الطرح بطريقة بديعة..
آثار الحوار البروفيسور الكبير، وأشعل في عقله عشرات الأسئلة، فإذا هو يعاهد هؤلاء على أن يدرس الإسلام دراسة متأنية..
وكان من لطف الله أن أحدهم كان يحمل كتيبا صغيرا مترجما عن تعاليم الإسلام بشكل مكثف وموجز، فقدمه هدية إلى البروفيسور، الذي فرح بهذه الهدية أشد الفرح..
يقول البروفيسور بعد سنتين تقريبا من هذا اللقاء: ووجدت الحق الذي ظللت عمري كله باحثاً عنه، فأضاءت بصيرتي، واستنارت سريرتي، ووجدت نفسي أخيراً، ووقر الإيمان في قلبي، وأشرق بنور ربه أخيراً..
وأصبحت بحمد لله لا أحتاج إلى تلك الحبوب التي كنت لا استغني عنها، وكان أعظم ما وجدته هو: أنني الآن أصبحت أجتهد في هذه الدنيا وأمام ناظري هدف واضح كبير، وغاية محددة رائعة، هو:السعي لتحصيل مرضاة الله عني.. ولم تعد الحياة في ناظري كما كنت أتصورها عبث وساعة لهو..
لقد أصبحت اليوم أجد لعملي في معملي وبين أوراقي لذة عظيمة، ليقيني أن كل ساعة أقضيها إنما هي عبادة خالصة لله رب العالمين، وأنه - سبحانه - يتابع عملي، ويرى ما أفعل، فتصبح تلك الساعة في المعمل تماثل عبادة من يقف في محرابه راكعا ساجدا يتنفل..
انتهت القصة.. وهي مجرد مثال على مئات أمثالها.. نعم انتهت القصة، ولكن انظر الآن إلى المعادلة..
بروفيسور كبير كان يحيا على هامش الحياة وهو في قلب الحياة ساقه إلى الحياة الحقيقية الرائعة رجل عامي عجوز، دون أن ينبس معه حتى بكلمة قلب كبير معمور بالإيمان، غلب عقل كبير فارغ الروح..!
نعم إن الجمع بينهما هو الكمال، وهذا ما يدعو إليه إسلامنا العظيم.. هذه هي خلاصة الخلاصة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام..
اللهم أتمم علينا نعمتك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد