بسم الله الرحمن الرحيم
في بيت من بيوت المدينة جلس خيثمة بن الحارث يتجاذب أطراف الحديث مع ابنه سعد فيما يتعرض له الإسلام من مكائد الكفار، وفجأة يكف خيثمة عن الحديث ويصيخ بأذنيه كأنما يحاول أن يلتقط صوتاً آت من بعيد، لكنّ أذنيه تخذلانه فيطلب من ابنه أن يستجلي الأمر ويأتي له بالخبر اليقين.
ويسارع سعد يلبي طلب أبيه، ثم لا يلبث أن يعود والبشر يعلو وجهه ويتجه نحو سلاحه وانطلق به ويهم بالخروج وقد نسي أن يخبر أباه بالذي رأى وسمع.
ويثب خيثمة من مجلسه ويعترض طريق ابنه سعد وهو يقول: يا بني أرسلتك تستجلي حقيقة الأمر وأراك تحمل سلاحك وتنطلق مسارعاً دون أن تخبرني شيئاً.
فيقول سعد وقد أدرك الخطأ الذي وقع فيه:
عذراً يا أبتاه شغلني عنك نداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو للنفرة إلى بدر فأسرعت أجيب النداء.
ويطرق خيثمة قليلاً ثم يقول: مهلاً يا بني أتراك أقدر مني على النفرة مع رسول الله، إني والله لأشد رغبة في النفرة منك ولكن لابد لأحدنا أن يقيم مع نسائنا فأقم أنت يا سعد وخل بيني وبين النفرة مع رسول الله.
ويجيبه سعد: لا والله يا أبتاه ما يقعدني عن النفرة مع رسول الله أمر فإن شئت أن تخرج أنت فاخرج ولنسائنا رب ٌ يحميهن. ويكرر الأب الشيخ رجاءه: يا بني إني قد بلغ مني الكبر مبلغه وأنت ما يزال أمامك بإذن الله متسع من العمر وما هذه بآخر نفرة تنفرها مع رسول الله فآثرني بالخروج اليوم يا سعد وأقم أنت مع نسائنا.
ويطرق سعد قليلاً ثم يخاطب أباه بأدب جم: يا أبتاه والله ما في الدنيا شيءٌ تطمع به نفسي من دونك، أما هذه فلا إنها الجنة ووالله لو كان غير الجنة لآثرتك به.
ويطول الحديث بين الأب الشيخ والابن الشاب دون جدوى فلا يجدان بداً من الاستهام فيفوز سهم سعد فيعانق أباه ويودع أهل بيته وينطلق يلحق بركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وتمضي الأيام والأب الشيخ المؤمن لا يفتأ يدعو لابنه بخير أن يرزقه الله الجنة أو النصر.. ثم لا تلبث أخبار بدر تتوالى ويأتي لخيثمة من يبشره باستشهاد ابنه سعد فلا يزيد أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، صدقت الله يا سعد فصدقك الله وإني لأرجو أن تكون فزت بالجنة.
وتتوالى الأيام والليالي وخيثمة بن الحارث لا يفتأ يذكر ابنه سعداً شهيد بدر.
وينطلق في أجواء المدينة صوت منادي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يدعو المؤمنين للنفرة إلى أحد فيسارع خيثمة يلبي النداء، فيتلقاه الرسول القائد ببسمة مشفقة.
ولكأن خيثمة يدرك ما في نفس رسوله القائد من إشفاق على شيخوخته وضعفه فيقول:
يا رسول الله والله لقد كنت حريصاً أن أنفر معك إلى بدر لكن ولدي سعداً فاز فيها من دوني فرزقه الله الشهادة والجنة ولقد رأيته البارحة في نومي وهو على أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويلح علي يقول:
يا أبتاه إلحق بنا ترافقنا في الجنة فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً. وإني يا رسول الله قد أصبحت مشتاقاً إلى مرافقة سعد في الجنة وقد كبرت سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي فخل بيني وبين أحد وادع الله لي أن يرزقني الله الشهادة فأدخل الجنة وألحق بولدي سعد.
ويرق قلب الرسول القائد لخثيمة فيدعو له بما أراد.
وحين احتدمت المعركة كان خيثمة بن الحارث يصول ويجول كأنما هو في شرخ الشباب وما زال يثخن بالكافرين الجراح ويثخنون به الجراح حتى تغلبه الجراح فيخر شهيداً في سبيل الله ويلحق بإذن الله بولده سعد في الجنة يسرح في ثمارها وأنهارها - رضي الله عنهما وأرضاهما -..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد