بسم الله الرحمن الرحيم
النار عذابها شديد، وفيها من الأهوال وألوان العذاب ما يجعل الإنسان يبذل في سبيل الخلاص منها نفائس الأموال {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}، وقال الحق في هذا المعنى: {إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم}، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب)، إنها لحظات قليلة تنسي أكثر الكفار نعيما كل أوقات السعادة والهناء. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقول: أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي)، إن شدة النار وهولها تفقد الإنسان صوابه، وتجعله يجود بكل أحبابه لينجو من النار وأنى له النجاة {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤيه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه، كلا إنها لظى، نزاعة للشوى}
تفاوت عذاب أهل النار :
لما كانت النار دركات بعضها أشد عذابا وهولا من بعض كان أهلها متفاوتون في العذاب، ففي الحديث الذي يرويه مسلم وأحمد عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أهل النار: (إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته)، وفي رواية إلى (عنقه). أما أخف أهل النار عذابا كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري أنه قال: (إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه)، وفي رواية أخرى في صحيح البخاري أيضاً {إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل في القمقم}، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن أدنى أهل النار عذابا ينتعل نعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه). وقد جاءت النصوص القرآنية مصدقة لتفاوت أصحاب أهل النار في العذاب كقوله - تعالى -: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)، وقوله: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)، وقوله: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون).
يقول القرطبي في هذا الموضوع: (هذا الباب يدلك على أن كفر من كفر فقط، ليس ككفر من طغى وكفر وتمرد وعصى، ولا شك أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون، كما قد علم من الكتاب والسنة، ولأنا نعلم على القطع والثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم وأفسد في الأرض وكفر، مساويا لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين، ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ضحضاح لنصرته إياه، وذبه عنه وإحسانه إليه؟ وقال ابن رجب: (واعلم أن تفاوت أهل النار في العذاب هو بحسب تفاوت أعمالهم التي أدخلوا بها النار) ثم ساق الأدلة على ذلك، وساق قول ابن عباس: (ليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض، ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك)، ثم قال ابن رجب: (وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أهل الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم بحسنات أخرى له أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد