النار النار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدث عبد الرحمن بن مهدي يوماً عن الإمام سفيان الثوري - رحمهما الله - فقال: \"ما عاشرت في الناس رجلا أرق من سفيان، وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة، فما كان ينام إلا أول الليل، ثم ينتفض فزعاً مرعوباً، ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ، ويقول على إثر وضوئه: اللهم إنك أعلم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، إلهي، إن الجزع قد أرقني، وذلك من نعمك السابغة علي، إلهي، لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين، ثم يقبل على صلاته. وكان البكاء يمنعه من القراءة، حتى أني كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه، وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياءً وهيبة منه\".

 

وحدث عنه إسحاق بن إبراهيم الحنيني - رحمه الله - فقال: \"كنا في مجلس الثوري، وهو يسأل رجلاً عما يصنع في ليله فيخبره، حتى دار على القوم، فقالوا: يا أبا عبد الله، قد سألتنا، فأخبرناك، فأخبرنا أنت، كيف تصنع في ليلك؟ فقال: لها عندي أول الليل نومة تنام ما شاءت، لا أمنعها، أما إذا استيقظت فلا أقيلها والله\".

 

النار النار..

 

لا ينام هاربها..

 

ولا يقيل خائفها..

 

ولا يأنس بشهوة، ولا يلتذ بمتعة، من أيقن بوجودها..

 

لقد أطار ذكرها.. الفرح والمتعة والطمأنينة والأنس من قلوب الأولين..

 

ولقد أسكن ذكرها.. قلوب السابقين الزهد بالدنيا ومتاعها، وكل ما فيها.. حدث أحدهم عن الثوري، فقال: \"لو لقيت سفيان، في طريق مكة، ومعك فلسان، تريد أن تتصدق بهما، وأنت لا تعرف سفيان، ظننت أنك ستضعهما في يده، وما رأيت سفيان في صدر المجلس قط، إنما كان يقعد إلى جانب الحائط، ويستند إلى الحائط، ويجمع بين ركبتيه\".

 

وحالفهم الحزن على مآلهم، والخوف من سوء عاقبتهم.. فها هو الثوري يقول، وهو يجود في نفسه: \"إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت\".

 

أخانا الكريم..

هذا شهر العتق من النار، فهل بادرت إلى عتق رقبتك منها؟!! وهلا بذلت في سبيل فكاكها ونجاتها، من وقتك وليلك وجهدك ومالك.. ما يليق بقدر ما تطلب له النجاة، وما تطمح بالفوز به والوصول إليه من رضوانه ورحمته؟؟!! واعمل بنهج الأولين، واسلك سبيلهم، وخذ بوصيتهم، فهذا داود الطائي - رحمه الله - يناديك، ويقول لك: \"انظر، لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفتقدك حيث أمرك، واستحيه في قربه منك، وقدرته عليك\".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply