بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
اعلم أخي الكريم، أن التفكر في أهوال القيامة يجدد الإيمان واليقين ويحيي في قلبك الخوف من الله، والفرار إليه، ويهون في عينك الدنيا وزخرفها، فتحقر نفسك عيشها، وتضيق بك حتى ليخيل إليك انك مسجون.
وما نار جهنم إلا خاتمة العذاب، فكلها جحيم وشقاء، وصراخ وبكاء وحسرة وعناء، لهيبها يلفح الوجوه، وماؤها يقطع الأمعاء، وحرها يلكح أهلها، قد ملئت أغلالاً وأصفاداً، وسعرت فصارت سواداً..ماؤها حميم وظلها يحموم وعذابها دائم مقيم وفي الكتاب نستعرض إن شاء الله صفاتها وأحوال أهلها، تذكرة وتبصرة والله من وراء القصد.
صفة النار:
لربما تصورت أخي الكريم- إن نار جهنم في حرها كنار الدنيا التي نعلم، ولكن الأمر ليس كذلك فهي أشد فيحاً.وإنما نار الدنيا جزء قليل من جهنم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ناركم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من جهنم قالوا: يا رسول الله وإن كانت لكافية قال: فإنها فضلت بتسعة وستين جزءاً\" [البخاري ومسلم] بل إن شدة الحر التي نشكو منها في الدنيا، ونتقيها بما نملك من وسائل التبريد والتلطيف إنما هي نفس جهنم تتنفسه، كما أن البرد الذي نشكو زمهريره ورعشته إنما هو نفس جهنم، قال-صلى الله عليه وسلم-: \" اشتكت النار على ربها، فقالت رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير\" وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم\" [البخاري مع الفتح]
قال كعب الحبار: والذي نفس كعب بيده، لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ثم كشف عنها لخروج دماغك من منخريك من شدة حرها. يا قوم هل لكم بهذا قرار؟ أم لكم على هذا صبر؟ يا قوم طاعة الله أهون عليكم من هذا العذاب فأطيعوه.
أخي: لو لم يكن في النار إلا هذا الحر لكفى به واعظاً ورادعاً عن المعصية.. فكيف والأمر أشد وأعظم {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى{نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} (المعارج 15-16)
تشوه لحم الوجه وتنزع جلده فتفقده شكله وتسلبه حسنه، إنها قعر مليئة بالخنادق المكفهرة والجبال الحامية العلية، والحيات والعقارب والمقامع والغلال والأصفاد.. طعامها مرير، وماؤها حار حميم، وكلها ذل ومهانة وخزي وندامة وحسرة تعض منها الأنامل، ويود الكافر فيها لو كان تراب{يَوَدٌّ المُجرِمُ لَو يَفتَدِي مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ, بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ *وَمَن فِي الأَرضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} (المعارج 11- 14)
فهيء جواباً عندما تســمع الندا *** من الله يوم العرض ماذا أجبتـم
به رسلي لما أتوكم فمــن يكن *** أجاب سواهم سوف يخزي ويندم
وخذ من تقى الرحمن أعظم جنـــة *** ليوم به تبــــدو عياناً جهنم
وينصب ذاك الجسر من فوق متنها *** فهاو ومخـــدوش وناج مسلم
ولا تسل عن أكلها وشربها وفراشها ودركاتها فهي جحيم ولظى ونيران لا تفنى أعدها الله لكل جواظ عتل مستكبر، إذا ذكر لا يذكر، وإذا وعظ لم يتعظ، وإذا سمع آيات الله اتخذها هزواً ولعباً قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر\" [رواه البخاري ومسلم] وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا\" [السلسلة الصحيحة]
وقودها ودركاتها:
وقود النار: واحذر أخي الكريم- أن تلهيك الدنيا ويمينك سرابها فتكون وقوداً لجهنم، فإنما وقودها الناس والحجارة، قال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة} (التحريم 6) وقال –سبحانه- : {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكَافِرِين} (البقرة 24)
فالناس هم الوقود وهم المعذبون.. فسبحان الخالق القادر.
يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: \" وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار ويقال: إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها: سرعة الإيقاد وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا حميت\" [التخويف من النار] فالنار هذه حالها، وهذا شكلها، والكفار والفجار من الناس وقودها، أحق أن تتقى وأحق أن يعمل لاجتنابها واجتناب أهوالها، فكابد يا عبد الله- فغن الخطب جلل، وازهد في الحرام وابتعد عن الشبهات.
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طـــريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
قال - تعالى -: {اعلَمُوا أَنَّمَا الحَ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد