لماذا فاطمة ؟ ( 2- 7 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس الثاني: العروس الزاهدة

كان شعار رسول الله في كثير من الأحايين: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة) وهذا من تعاليم القرآن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلٌّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ)) (آل عمران: 196، 197).

. ((وَلا تَمُدَّنَ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجاً مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدٌّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى)) (طـه: 131).

فبعون من الله، كانت الزهراء حقلاً قابلاً لغرس أبيها فصارت القناعة التي هي الكنز حقاً سجيتها فرضي الله عنها وأرضاها، يقول عمر - رضي الله عنه - بعد أن ذكر ما أصاب الناس من الدنيا: لقد رأيت رسول يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه) رواه مسلم.

(والدقل: أردأ التمر) ذاك حال البيت الذي تربت فيه الزهراء!!

فيا ترى أيتها الفتاة الفاضلة كم كان صداق بنت أفضل الخلق وأفضل نساء هذه الأمة، وما الذي أهداه إليها أبوها؟ وكم من ذهب وفضة وجواهر نحلها؟

إنها قد أعطيت أغلى من ذلك وأبهى..لقد أعطيت التربية الصالحة، والرعاية النبوية، والأخلاق الحميدة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليتسابق فيه المتسابقون والمتسابقات، لا في كثرة الذهب والمجوهرات، فاستمعي يا فتاة الإسلام كيف كان عرس الزاهدة القانعة، فقد تزوجها علي - رضي الله عنه - وليس له صفراء ولا بيضاء، فروى النسائي وأبو داود عن ابن عباس قال: لما تزوج علي t فاطمة - رضي الله عنها - قال له رسول الله r: أعطيها شيئا قال: ما عندي قال: وأين درعك الحطيمة [1] وهي من حديد، وعند ابن سعد أنها لما تزوجت بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحاءين وسقاءين [2] قارني يا رعاك الله بين مهر سيدة نساء العالمين وبين ما نحن عليه الآن من التفاخر في كثرة المهور..والشق على الراغبين في الزواج بكثرة الطلبات.. وإرهاقه بالمصروفات.. مما سبب عزوف الكثير من الشباب.. وبقي النساء عوانس في البيوت.. فالأم لا تريد أن تكون ابنتها على حد قولها أقل من فلانها.. بل لابد أن تضع لها حفلة لا تنسى.. وبعض الأمهات يتحملن جزءا من المسؤولية في الغلاء بالمهور.. لأنها هي التي تصر أحيانا على التغالي بمهر ابنتها.. ولو سار الناس على ما سار عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تزويج فاطمة لكان الحال على أحسن الأحوال.

وكانت الزهراء - رضي الله عنها - في بيت زوجها في شظف من العيش..

لما دخل النبي في على فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد دخلا في قطيفتيهما إذا غطيا رؤوسهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما بدت رؤوسهما.. هذه حال سيدة نساء العالمين.. وما ضرها ذلك.. فالدنيا معبر.. والآخرة مقر.. ما ضرها - رضي الله عنها - أن زهدت في هذه الحياة لتنال تلك المنزلة الرفيعة.. والمكانة السامية.. ويوم أن ملكت سلسلة من الذهب أخذتها من عنقها وقالت: لرسول الله r وهي مسرورة: هذه أهداها لي أبو الحسن، فقال: أيسرك أن يقول الناس هذه فاطمة بنت محمد وفي يدها سلسلة من نار؟

فماذا تتوقعين أيتها الكريمة ما تفعله قدوتك فاطمة الزهراء؟ إنها بإشارة بسيطة وكلمة رحيمة حولت سلسلة ذهبية إلى صدقة جارية اشترت بها غلاماً فأعتقته.

ولما رأى النبي على بابها ستراً موشياً (أي مزوقاً ملوناً) قال: (مالي وللدنيا) فامتنع من دخول بيتها فأخذته ووهبته لمن به حاجة [3] فرحم الله أمراً عمل لآخرته، وقمع شهوته، وتذكر ما بعد موته.

قد نادت الدنيا على نفسها *** لو كان في العالم من يسمع

 

كم واثق بالعمر أفنيتــه *** وجامع بـددت ما يـجمع

 

----------------------------------------

[1] ـ الحديث صححه الحافظ في الإصابة بعض طرقه.

[2] ـ روي بعدة طرق يبحث عن صحتها.

[3] ـ وحديث الذهب والستر صحيحان سيأتيان في الأخير.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply