قصة أخرى مفتراة على نبي الله يوسف عليه السلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة السادسة والستون

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت في معظم التفاسير المشهورة وتناقلها القصاص والوعاظ، وهي طعن في عصمة نبي اللَّه يوسف - عليه السلام -.

وهذه القصة تضاف إلى سلسلة القصص الواهية المفتراة على الأنبياء، والتي سبق تقديم البحوث العلمية الحديثية حولها، ومنها:

 

أولاً: متن القصة:

«قصة ابتغاء يوسف - عليه السلام - الفَرَجَ من عند غير اللَّه» عدد شوال 1424هـ رقم (39) رُوي عن السدي في قوله - تعالى -: ولقد همت به وهم بها قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك، قال: هو أول ما ينتثر من جسدي.

قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك. قال: هو للتراب يأكله. فلم تزل حتى أطمعته، فهمت به وهمَّ بها، فدخلا البيت، وغلقت الأبواب، وذهب ليحل سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت.

قد عض على أصبعه يقول: يا يوسف لا تواقعهاº فإن مَثَلَك ما لم تواقعها مثل الطير الذي في جَوِّ السماء لا يطاق.

ومَثَلك إذا واقعتها مثل الطير الذي في جو السماء إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه.

ومَثَلك إذا واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه.

فربط يوسف سراويله وذهب ليخرج يشتد، فأدركته فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط وطرحه يوسف واشتد نحو الباب. اهـ.

قلت: ولقد وضع الوضَّاعون قصة أخرى باطلة ترتبط بهذه القصة وتجعل نبي اللَّه يوسف - عليه السلام - يقر على نفسه بالسوء المذكور في القصة.

فقد رُوي عن ابن عباس قال: «لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن: حاشا لله ما علمنا عليه من سوء، قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق الآية.

قال يوسف: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال: فقال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت؟ فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.

 

ثانيًا: التخريج:

 

القصة أخرجها ابن جرير في «تفسيره» (7/200، 201) الخبر (19023) عن السدي، والقصة الأخرى أخرجها أيضًا ابن جرير في «تفسيره» (7/260) الخبر (19435) عن ابن عباس.

وأورد القصة الثعلبي في «قصص الأنبياء» (ص131). واشتهرت القصة في كتب التفسير، حتى قال القرطبي في «تفسيره» (ص3488): وقيل: إن همّ يوسف كان معصية، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القشيري أبو النصر، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم، قال ابن عباس: حلَّ الهميان وجلس منها مجلس الخاتن واستلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه، ولما قال: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟ فقال عند ذلك: وما أبرئ نفسي اهـ.

 

ثالثًا: التحقيق:

القصة واهية ومنكرة ولا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -º بل هي من الأخبار المقطوعة والموقوفة المنكرة، وهي من الأخبار التي أوردها ابن جرير - رحمه الله -، وقد أسندها، ومن أسند فقد أحال، وبهذه الإحالة يتحتم التحقيق لمن أراد أن يتكلم عن نبي اللَّه يوسف - عليه السلام -.

ومن التخريج تبين:

أ- أن جميع طرق القصة لم يوجد بها «الخبر الصحيح المسند». والمسند: هو ما اتصل مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال البيقوني:

والمُسنَدُ المُتصلُ الإسنادِ مِن *** راويه حتى المصطفى ولم يَبِن

ب- والأخبار والموقوفة الموقوفة جاءت بها القصة واهية منكرة ومضطربة. وإلى القارئ الكريم تحقيقها:

1- قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال: حدثنا أسباط، عن السدي. فذكر القصة.

والسدي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن.

قال الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (2/190/456): إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي أبو محمد القرشي الكوفي الأعور، سكن الكوفة، وكان يقعد في سُدَّة باب الجامع بالكوفة، فسمي السٌّدي، وهو السدي الكبير، روى عنه أسباط بن نصر الهمداني. اهـ.

قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (1/72): «إسماعيل بن عبدالرحمن بن أبي كريمة السدي، من الرابعة». اهـ.

قلت: وهي طبقة تلي الطبقة الوسطى من التابعين، جُلٌّ روايتهم عن كبار التابعين. كذا قال الحافظ في المقدمة. وبهذا يتبين أن الخبر الذي جاءت به القصة عن السدي مقطوع وليس بمرفوع. قال البيقوني:

وما أضيف للنبي المرفوع *** وما لتابع هو المقطوع

قلت: ومع أن الخبر لا أصل له مرفوعًا، فلم يصح أيضًا مقطوعًا بل هو خبر تالف، فقد أخرج الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/87/101) عن المعتمر بن سليمان قال: إن بالكوفة كذَّابَين: الكلبي والسدي.

وأخرج عن عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت الشعبي، وقيل له: إسماعيل السدي قد أُعطي حظًا من علم القرآن، فقال: إن إسماعيل قد أعطي حظًا من الجهل بالقرآن. اهـ.

وأخرج عن يحيى بن معين ذكر إبراهيم بن المهاجر والسدي، فقال: كانا ضعيفين مهينين.

ثم قال العقيلي: حدثنا داود، قال: حدثنا أحمد بن محمد، قال: قلت لأبي عبد اللَّه: السدي كيف هو؟ قال: أخبرك أن حديثه لمقارب وإنه لحسن الحديثº إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به أسباط عنه فجعل يستعظمه، قلت: ذاك إنما يرجع إلى قول السدي، فقال: من أين وقد جعل له أسانيد ما أدري ما ذاك. اهـ.

قلت: وأقر هذا الإمام الذهبي في «الميزان» (1/236/905)، ثم نقل عن الجوزجاني أنه قال: حدثت عن معتمر، عن ليث قال: «كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي».

ونقل عن الفلاس، عن ابن مهدي أنه ضعيف.

ثم قال الذهبي: وهو السدي الكبير، فأما السدي الصغير فهو محمد بن مَروان، يروي عن الأعمش، واهٍ, بمرة. اهـ.

ونقل الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (2/192) هذه الأقوال وأقرها، ونقل عن السعدي قال: السدي كذاب شتام.

ونقل الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (1/273) هذه الأقوال في السدي وأقرها.

 

وعلة أخرى:

أسباط بن نصر أبو يوسف الهمداني.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/332): أسباط بن نصر أبو يوسف الهمداني روى عن سماك والسدي. حدثني أبي قال: سمعت أبا نُعيم يُضَعِّفُ أسباط بن نصر وقال: أحاديثه عامية سقط مقلوبة الأسانيد.

ثم قال: أخبرنا حرب بن إسماعيل فيما كتب، إلى أن قال: قلت لأحمد: أسباط بن نصر الكوفي الذي يروي عن السدي كيف حديثه؟ قال: ما أدري - وكأنه ضعفه. اهـ.

وأورده الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (1/185)، ونقل عن الساجي قوله في «الضعفاء»: روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب. وعن ابن معين قال: ليس بشيء.

ثم بيَّن الحافظ أن لأسباط حديثًا في الاستسقا، ثم قال: وهو حديث منكر أوضحته في التعليق. اهـ.

قلت: وبهذا يتبين أن القصة واهية.

2- أما القصة الأخرى الباطلة التي ترتبط بهذه القصة تمام الارتباط كما بينا آنفًا وتجعل نبي اللَّه يوسف - عليه السلام - يقر على نفسه بالسوء فهذا هو سندها:

قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال فذكر القصة. وإلى القارئ الكريم تحقيق هذا السند:

نقل الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (4/204)، عن يعقوب بن شيبة، قال: قلت لابن المديني: رواية سماك عن عكرمة؟ فقال: مضطربة.

وقال زكرياء بن عدي، عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث. قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة يخطئ كثيرًا قد تغير قبل موته.

قلت: وهذه المسألة من دقيق فقه الأسانيد.

فرواية سماك بن حرب الذهلي، عن عكرمة أبي عبد اللَّه - مولى ابن عباس، عن ابن عباس، في الكتب الستة، عددها (29) حديثًا، كما هو مبين في «تحفة الأشراف» (5/136- 143) من (ح6103) حتى (ح6131)، لا يوجد منها حديث واحد في البخاري أو مسلم، وحتى لا يقول قائل: الحديث على شرط الشيخين أو أحدهما، قال محدث وادي النيل في «الباعث الحثيث» (ص21): قال الحافظ ابن حجر: ووراء ذلك كله: أن يروى إسناد ملفق من رجالهما، كسماك عن عكرمة، عن ابن عباس، فسماك على شرط مسلم، وعكرمة انفرد به البخاري، والحق أن هذا ليس على شرط واحد منهما. اهـ.

قلت: وهذا الإسناد الملفق لا يصح الخبر به والقصة واهية.

 

طريق آخر للقصة عن عكرمة:

قال ابن جرير في «تفسيره» (7/263) (ح19450): حدثنا القاسم، قال حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: قوله - تعالى -: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، قال المَلَكُ، وطعن في جنبه: يا يوسف، ولا حين هممت؟ قال: فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.

قلت: وهذا خبر مقطوع لا يصح، منكرº علته تدليس ابن جريج.

وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، أورده ابن حجر في «طبقات المدلسين» الطبقة الثالثة رقم (17)، وقال: وصفه النسائي وغيره بالتدليس، قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح. اهـ.

قلت: وابن جريج لم يصرح بالسماع عن عكرمة، وعنعن، فلا يقبل حديثه وتصبح القصة بهذا التدليس القبيح واهية.

طريق آخر يدل على اضطراب الخبر:

ففي الطريقين السابقين جعلوا القائل ليوسف: «ولا يوم هممت» جبريل.

وهذا الطريق يجعل القائل ليوسف - عليه السلام - امرأة العزيز، فأقر يوسف.

قال ابن جرير في «تفسيره» (7/263) (ح19451):

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: في قوله - تعالى -: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، قال: قاله يوسف حين جيء به ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله وأن اللَّه لا يهدي كيد الخائنين، فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال يوسف: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.

قلت: وهذا سند تالف من طريق أسباط عن السدي وقد فصلناه آنفًا، وهو خبر مقطوع والقصة واهية منكرة.

طريق آخر يدل - أيضًا - على اضطراب الخبر:

وهذا الطريق يجعل قائل ذلك يوسف لنفسه من غير تذكير مذكِّر، ولكن تذكر ما كان سلف منه في ذلك.

قال ابن جرير في «تفسيره» (7/263) (ح19451):

حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله - تعالى -: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين هو قول يوسف لمليكه حين أراه اللَّه عذره، فذكر أنه هم بها وهمت به، فقال يوسف: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.

 

التحقيق لهذا الطريق:

أولاً: محمد بن سعد: هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة أبو جعفر العوفي من بني عوف بن سعد - فخذ - من بني عمرو بن عياذ بن يشكر بن بكر بن قاسط بن وهنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. قاله الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/322).

قلت: ذكرت اسمه ونسبه حتى أستطيع أن أقف على اسم أبيه وجده وجد أبيه.

1- محمد بن سعد قال الخطيب فيه: كان لينًا في الحديث.

2- أبوه: سعد بن محمد بن الحسن العوفي أورده الحافظ في «اللسان» (3/24) ترجمة رقم (3650) وقال: روى عن أبيه وعمه الحسين بن الحسن، وروى عنه ابنه محمد وغيره، قال أحمد فيه: جهمي، قال: ولم يكن هذا أيضًا ممن يستاهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعًا لذاك. حكاه الخطيب. اهـ.

3- عم أبيه: هو الحسين بن الحسن بن عطية أبو عبد اللَّه العوفي، أورده ابن حبان في «المجروحين» (1/246) وقال: منكر الحديث، يروي عن الأعمش وغيره أشياء لا يتابع عليها كأنه كان يقلبها، وربما رفع المراسيل وأسند الموقوفات، ولا يجوز الاحتجاج به.

4- جد أبيه: الحسن بن عطية أورده الذهبي في «الميزان» (1/503) تراجم (1889) وقال فيه: «الحسن بن عطية العوفي، عن أبيه، وعنه ابناه حسين ومحمد، قال البخاري: ليس بذاك. وقال أبو حاتم: ضعيف». اهـ.

5- جد جده: عطية بن سعد بن جنادة العوفي، أورده ابن حبان في «المجروحين» (2/176) وقال: يروي عن أبي سعيد الخدري، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بكذا، فيحفظه وكنَّاه أبا سعيد ويروي عنه فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيدº فيتوهمون أنه أبو سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثهº إلا على جهة التعجب. اهـ.

قلت: فهذا الطريق مسلسل بالعوفيين وهم ضعفاء كما بينا، وهو إسناد ساقط لا يساوي عند أهل الحديث شيئًا، وهذه السلسلة - سلسلة العوفيين - فهي سلسلة العجب، وبهذا تصبح القصة بهذا الطريق واهية وتصبح جميع طرق القصة لا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والطرق موقوفة أو مقطوعة سلاسلها: إما سلسلة مضطربة، أو سلسلة عجب، أو سلسلة لا يخلو رواتها من كذابين أو متروكين أو مدلسين، فهي طرق تزيد القصة وهنًا على وهن.

 

رابعًا: قرائن تدل على أن القصة واهية:

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (15/148- 150): يوسف - عليه الصلاة والسلام - لم يذكر اللَّه - تعالى -عنه في القرآن أنه فعل مع المرأة ما يتوب منه، أو يستغفر منه أصلاً، وقد اتفق الناس على أنه لم تقع منه الفاحشة، ولكن بعض الناس يذكر أنه وقع منه بعض مقدماتها، مثل ما يذكرون أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الخاتن ونحو هذا، وما ينقلونه في ذلك ليس هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مستند لهم فيه إلا النقل عن بعض أهل الكتاب، وقد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم، كما قالوا في سليمان ما قالوا، وفي داود ما قالوا، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم لم نصدقهم فيما لم نعلم صدقهم فيه، فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه، والقرآن قد أخبر عن يوسف من الاستعصام والتقوى والصبر في هذه القضية ما لم يذكر عن أحد نظيره، فلو كان يوسف - عليه السلام - قد أذنب لكان إما مصرًا وإما تائبًا، والإصرار ممتنع، فتعين أن يكون تائبًا، والله لم يذكر عنه توبة في هذا ولا استغفارًا كما ذكر عن غيره من الأنبياء، فدل ذلك على أن ما فعله يوسف كان من الحسنات المبرورة والمساعي المشكورة، كما أخبر اللَّه عنه بقوله - تعالى -: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

وإذا كان الأمر في يوسف كذلك: كان ما ذكر من قوله: إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إنما يناسب حال امرأة العزيز، لا يناسب حال يوسف، فإضافة الذنوب إلى يوسف في هذه القضية فرية على الكتاب والرسول، وفيه تحريف للكلم عن مواضعه، وفيه الاغتياب لنبي كريم، وقول الباطل فيه بلا دليل، ونسبته إلى ما نزهه اللَّه منه، وغير مستبعد أن يكون أصل هذا من اليهود أهل البهت الذين كانوا يرمون موسى بما برأه اللَّه منه، فكيف بغيره من الأنبياء؟ وقد تلقى نقلهم من أحسن به الظن وجعل تفسير القرآن تابعًا لهذا الاعتقاد. اهـ.

2- قال الإمام ابن القيم في «تفسيره» (ص316): قول اللَّه - تعالى -ذكره: وما أبرئ نفسي [يوسف: 53]، فإن قيل: فكيف قال وقت ظهور براءته: وما أبرئ نفسي؟

قيل: هذا قد قاله جماعة من المفسرين، وخالفهم في ذلك آخرون أجل منهم، وقالوا: إن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف - عليه السلام -.

والله من وراء القصد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply