القصة في كتاب الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بنو إسرائيل من بعد سليمان عليه السلام

 

الحمد لله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فقد تقدِّم بنا الحديث عن ملك بني إسرائيل في عهد النبيين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام، ورأينا كيف مكَّن الله لهم واتسع الملك وازداد رخاءًا واستقرارًا في مدِّة حكم سليمان ونبوته التي امتدت قرابة عشرين عامًا، لكن ماذا حدث بعد موت سليمان عليه السلام ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال دراستنا لآيات سورة الإسراء التي يقول الله سبحانه فيها: \"وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا (4) فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا (5) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (6) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا (7) عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا\" [الإسراء: 4- 8]، وسننظر في الآيات السابقة على النحو التالي:

أولاً: معاني بعض المفردات:

1- «قضينا»: أخبرنا.

2- «الكتاب»: التوراة.

3- «الأرض»: بيت المقدس وما حوله من أرض فلسطين.

4- «جاسوا» الجوس: الطواف بالليل والطلب مع الاستقصاء.

5- «تتبيرا»: هلاكًا وتدميرًا.

6- «البأس» القوة والشدّة.

ثانيًا: نظرة في كتب التفسير، وهنا أحب أن أشير إلى أن المفسرين اختلفوا سلفًا وخلفًا في تعيين العباد المُسلطين على بني إسرائيل، ولكنهم اتفقوا على كونهم من الكفار، وكون ذلك كان قبل الإسلام، ولعل اختلاف المفسرين كان بسبب اختلاف الدولة اليهودية وانقسامها إلى قسمين بعد موت سليمان عليه السلام، وسننظر في أقوالهم نظرة هامة شاملة مختصرة في البيان التالي:

1- أَخبَرنَا بني إسرائيل:

في التوراة التي أُنزلت عليهم بأنه لا بد أن يقع منهم إفساد مرتين في «بيت المقدس» وما حوله، وسيكون إفسادهم بالمعاصي والظلم وقتل الأنبياء والعلماء والتكبر والطغيان والعدوان.

2- فإذا وقع منهم الإفساد الأول سَلَّطنَا عليهم عبادًا لنا ذوي شجاعة وقوة، قيل (سنمارين) الفارسي وقيل (بختنصر) البابلي طافوا بين ديار بني إسرائيل إهلاكًا وتدميرًا.

3- ثم رددنا لكم - يا بني إسرائيل - الغلبة والظهور على أعدائكم، وأكثرنا أرزاقكم وأولادكم وقويناكم وجعلناكم أكثر عددًا، وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله، وقيل ذلك كان بقيادة (العزير)، ولكنهم عادوا إلى الإفساد فعاد التسليط عليهم.

4- فإذا حان موعد الإفساد الثاني والذي سمَّاه القرآن «وعد الآخرة» سلَّط الله عليهم مرَّة أخرى، وكان هذا الإفساد الثاني بأمور بلغ قمتها قتل يحيى وزكريا - عليهما السلام -، ومحاولة قتل عيسى - عليه السلام -، \"وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم\" [النساء: 157]، وهنا سلَّط عليهم الله الرومان بقيادة هادريان ومن بعده... فساموهم سوء العذاب ودمروا كل شيء وأخرجوهم من ديارهم وشتتوهم في أنحاء الأرض.

5- وإن عدتم عدنا لم يتوقف اليهود عن الإفساد، فهو يسري في نفوسهم سريان الدَّم في العروق وتنتشر سمومهم انتشار النار في الهشيم في كل مكان ذهبوا إليه، وقد سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب في كل مرة، ففي جزيرة العرب أفسدوا فسلط الله عليهم الرسول الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين حتى الملائكة حاربوا مع المسلمين ضد اليهود وأُخرجوا من جزيرة

العرب.

وفي أوربا سلط الله عليهم هتلر وغيره، وها هم اليوم يعودون للإفساد مرة أخرى في أرض فلسطين، وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب تصديقًا لوعد الله القاطع، وفاقًا لسنته التي لا تتخلف ولا تتبدل.

والحقيقة التي يجب أن نعيها أننا نتعامل مع سنن الله الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدًا: \"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها\"، \"وإن عدتم عدنا\" وهذا الكلام ليس لليهود فحسب، بل هو قانون رباني عام لجميع الخلق، والله – سبحانه - عندما يقص علينا من أخبار السابقين إنما يريد منا أن نعتبر بها ونتعلم منها الدروس والعبر التي تنفع الأمة في مسيرتها أفرادًا وجماعات.

قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: وفي هذه الآيات التحذير لهذه الأمة من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم ما أصاب بني إسرائيل، فسنَّة الله واحدة لا تتغير، ومن نظر إلى تسليط الكفرة والظلمة على المسلمين، عرف أن ذلك بسبب ذنوبهم، عقوبة لهم وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله مكَّن لهم في الأرض، ونصرهم على أعدائهم. اهـ.

هذا، ولنا نظرة أخرى مع المؤرخين لا يتسع لها المجال في هذا العدد، ونتبعها بالفوائد والدروس، فإلى ذلك نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply