الأخت نور تحكي قصة إسلامها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت أعيش في مجتمع غالبيته من اليهود، وإن كان فيه بعض من المسلمين والمسيحيين، وتلقيت تعليمي الابتدائي من الصف الأول للصف الرابع الابتدائي في مدارس عربية، ومن الصف الخامس إلى نهاية المرحلة الثانوية في مدارس يهودية، وذلك لأن المدارس اليهودية هنا أعلى في التحصيل، وفي المستوى العلمي.

لنا جيران مسلمين، ولي أيضاً بعض صديقاتي من المسلمات، ولا أخفى عليكم سراً بأن أقرب صديقتين لي مسلمتين أحداهما متدينة جداً، والأخرى عادية.

كنت دائماً أذهب إليهم في بيوتهم، اختلط بهم، وأرى عاداتهم عن قرب، كنت وقتها في المرحلة الثانوية، كنت أخفي إعجابي الشديد لهذا الترابط الأسري، وهذه الروح الجميلة التي أشعر بها حينما أدخل بيت أحداهما، وحدث لي يوم لن أنساه أبداً ما حييت قد يكون سبباً في تغيير مسار حياتي:

دعتني إحدى صديقاتي للإفطار معهم في البيت، وكان أحد أيام رمضان الكريم منذ ست سنوات مضت - فنويت أن أصوم في هذا اليوم بأن أمتنع عن الأكل والشرب طبعاً ليس لله ولكن احتراماً لصديقتي، ولمشاعر أهلها، فذهبت إليهم، وحانت ساعة المغرب، والتف الجميع حول مائدة الطعام العامرة بخيرات الله هذه حقاً لحظات رائعة، أنا سعيدة أنى معهم الآن لا أعرف مصدر السعادة ولكنى أتمنى لو أنظر إليهم دون أن أتناول لقمة واحدة - أنظر إليهم فقط -، حان وقت المغرب إنه الآن يرفع الآذان.. يا إلهى وجدت شيئاً أروع، الأب يجلس على رأس المائدة وزوجته وأولاده وأنا - نجلس على باقي المقاعد المتراصة حول المائدة - لقد فعلوا شيئاً عجيباً ما رأيته من قبل، لقد رفع الأب يديه إلى السماء، وأخذوا يدعون الله وكلهم بلا استثناء رفعوا أيديهم أيضاً، كلهم يدعون الله قبل أن يأكلوا، وأنا أنظر إليهم, رسخ هذا الموقف في ذهني فما نسيته، ولن أنساه ما حييت، كنت سعيدة حقاً، وعدت إلى بيتي سعيدة أيضاً، لقد رأيت شيئاً جميلاً أسعدني هذا الترابط الأسرى الجميل، وهذا الصيام، وهذا الدعاء، وكرم الضيافة الرائعº مع أني مسيحية، ولم يشعروني أني مسيحية، وكأني من أفراد الأسرة، وفي أحد أيام رمضان كنت أجلس أمام التلفازº إنها إحدى حلقات عمرو خالد، إنه يتحدث عن السيدة خديجة - رضي الله عنها -، وكيف ساندت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما تركه الناس، وكيف وقفت بجانبه، كانت حلقه جميلة ورائعة، أحببت هذه المرأة حباً شديداً، وتأثرت بها جداً، وأحببتها أكثر من أي مخلوق في الدنيا، ولكنه لم ينه الحلقة، وقال: نكملها غداً، ولكن غداً حدث لي شيء عجيب جداً منعني من أن أشاهد تكملة الحلقة.

كنت على موعد من مشاهدة باقي الحلقة، كنت أنتظرها طول اليوم، أريد أن أعرف كيف وصلت هذه السيدة العظيمة من حال وإلى أين وصلت، ولكن حدث ما لم أتوقعه مع أن بيتنا بيت علماني غير متدين، ولا يكون ارتباطه بالدين لازم، مع أننا جميعاً من المسيحيون، ونذهب إلى الكنيسة، ولكن ليس بصفة دائمة، ولكننا نذهب، مع كل هذه المتناقضات كنا نحترم بعضنا البعض، ولا نتناقش أبداً في الديانات أياً كانت، وما سمعت يوماً أبى يسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلاً - والله يشهد -، الأمر لا يعنينا كثيراً، الشيء العجيب الذي حدث ومع كل هذه الظروف في البيت من حرية لكل عضو فيه إلا أنها ولأول مره تنهرني أمي بسبب مشاهدتي لعمرو خالد، ولماذا أنا متأثرة به لهذه الدرجة، وكنت أبكى بالأمس في درسه عن السيدة خديجة، وضحت لها أنني أحب أن أراه واستمع إليه، منعتني، تركتها ولم أشاهد الحلقة، ولكن وكأن الله عوضني عن حلقة أخرى أجمل وأروع إنه يتحدث عن وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كان أسلوبه جميل، وكان يتكلم ويبكى، وكنت أبكى أنا أيضاً، انهمرت في حالة بكاء شديدة لا أعرف لماذا، وهناك حالة لا إرادية أصابتني لا أعرفها هذه الحالة هيا حالة حب شديدة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، نعم أحببته حباً شديداً وأنا لازلت مسيحية، تأثرت جداً لموته وكأنه مات الآن أمام عيني، من ساعتها قررت بيني وبين نفسي أن أشتري قرآناً، وفعلاً ذهبت للمكتبة واشتريت مصحفاً، ولكنى لم أقرأه بل نسيته تماماً، وحدث موقف لي غير مسار حياتي، ووجدتني أبحث عن هذا القرآن في كل مكان، وهو أنني كنت أنا وأبي نسير في إحدى الطرق السريعة بالسيارة، وكان الطريق متوقفاً فنزلنا من السيارة لنرى سبب هذه العرقلة الطويلة فوجدنا عجب العجاب، وجدنا سيارة مقلوبة ومدمره ومحترقة تماماً وداخلها أناس لا تعرف معالمهم، يا ألهى كان كل شيء مدمر تماماً، كل شيء أتت عليه النار لم تتركه، كل شيء، كل شيء إلا شيئاً واحداً فقط لم تمسه النار، ولم يلحظه أحد غيري إنه القرآن، نعم إنه مصحف مسكته بيدي كانت مقدمته ومؤخرته الجلدية قد احترقت، ولكن أوراقه كما هي، الكلام واضح، يا إلهي ما هذا.. أبي أنظر هذا الأمر لم يلفت انتباه أي أحد إلا أنا فقط ونبهت أبي إليه حينما عدت إلى البيت صدمت صدمه كبيرة، حينما عدت إلى البيت كنت أبحث عن هذا المصحف في كل مكان، ولكنى لم أجده، يا ألهى أين ذهب، بحثت عنه كثيراً ولكنه غير موجود، أريد أن أقرأ في هذا المصحف، أريد أن أعرف كيف كل شيء أتت عليه النار إلا هذا الكتاب لماذا؟ أكيد هذا الكتاب فيه أشياء رائعة لعلني سأجده، أو اشترى غيره، ولكن زاد فضولي أن أعرف الكثير عن الإسلام، لابد أن أعرف!!

شرعت في سؤال صديقاتي عن الإسلام، كانت أغلب أسئلتي لهن عن هذا اللغط الذي توطد في ذهني عن الإسلام: كيف الرجل المسلم يتزوج أربعة من النساء؟

وكيف تكون المرأة خاضعة له هكذا؟ وما هذه الأشياء التي تلبسها؟ أنها مما عفى عليها الزمن من حجاب، وتغطيه لوجهها أحياناً، ولا ترى أساليب الموضة الحديثة، ولا تتطور مع الزمن، لا لا لا أنا أرى أن كل هذه الأشياء رجعيه متأخرة مع كل إجاباتهم لم أقتنع، ولكن وجه إلي سؤال من أحداهن عجزت عن الإجابة عنه: من تعبدين؟ نعم!! أعبد الله طبعاً، أي إله؟ الله الذي خلقني.. الله الذي خلق كل شيء في هذه الدنيا.. الله الذي أرسل الرسل كلهم.. قالوا لي: لا عفواً هذا الله في الإسلام أنتِ من تعبدين؟ الأب أم الابن أم الروح القدس؟ وهل كلهم واحد؟ وكيف؟ إنما إلهنا إله واحد لا شريك له، ونصلى له، ونصوم له، وعبادتنا كلها خالصة لوجهه الكريم، لا نتقرب له من خلال أي وسيط آخر، ولا نرجو إلا رحمته هو فقط - تعالى- ،اسمعي ماذا يقول القران في المسيح وأمه، وأداروا التسجيل وخرج منه صوت جميل يقرأ قراءة رائعة أخذ يقرأ في سورة مريم، عرفت وقتها كيف كرم الإسلام مريم العذراء والمسيح - عليهما السلام -، ولفت انتباهى شيء رائع حقاً لو كان هذا القرآن من تأليف الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وليس من عند الله لماذا لم نجد سورة عائشة، أو سورة خديجة، أو سورة فاطمة - رضى الله عنهم جميعاً؟ - وهن من أحب النساء إلى قلبه كما علمت، وهناك سورة مريم، الشيء الأخر: ذكر الرسول محمد نفسه باسمه كان قليلاً جداً في القرآن كما علمت أيضاً في حين ذكر موسى مثلاً عشرات المرات، وكذلك المسيح عشرات المرات، كان رد الفعل من صديقتي ما توقعته!! قالوا لي: نحن نحبك ونخشى عليكِ ولو متي على هذه الحالة لن تخرجي من النار أبداً لأنكِ أشركتِ مع الله إلهاً أخر، لم لا توحدي الله؟ لم لا تقري بوحدانية الله، وأنه إله واحد ليس له ابن؟ لم لا تنج نفسك من نار وعذاب أليم لا ولن تتحمليه أبداً؟ فكري في هذا الكلام!!

وبالفعل بدأت أفكر كثيراً في هذا الأمر، وعدت إليهم بعد فتره وقلت لهم: لو أنكم تحبوني عرفوني كيف أكون مسلمه لا تتركوني هكذا، بربكم كيف أكون مسلمة؟ فذهبنا ثلاثتنا إلى أحد المساجد البعيدة وأنا أفكر في الطريق كيف سأنطق الشهادة، وماذا سيحدث لي بعدها؟ إنها أسئلة كثيرة، والطريق طويل، ولكن الحمد لله ها نحن قد وصلنا.. دخلنا المسجد وحينما رآني الشيخ قال لي شيئاً ما توقعته أبداً!! أرجعى إلى بيتك!! صراحة رد فعل ما توقعته من هذا الشيخ، أرجع إلى بيتيِ لماذا؟ أنا جئت هنا حتى أعلن شهادتي وإسلامي لماذا ترفضني؟ فرد علي بنبرة تملؤها الطيبة مهلاً يا ابنتي لإعلان الشهادة والدخول في الإسلام شروط، وعليكِ أن توفي هذه الشروط، عودي إلى بيتكِ واغتسلي وتطهري أولاً والبسي ملابس أكثر احتراماً تليق بفتاة مسلمة، وحينها سأعلمك وأساعدك على أن تكوني مسلمة.. حسناً يا شيخ سأفعل، وفعلاً عدت إلى البيت، واتجهت مباشرة إلى الحمام، واغتسلت غسلاً كاملاً، وبحثت في ملابسي حتى وجدت ملابس طويلة ومحترمة، ولكن وقعت في مشكلة أخرى ليس لدى غطاء للرأس يا إلهي ماذا سأفعل؟ لا مشكلة سأشترى في الطريق، اعترضت أمي طريقي وسألتني إلى أين أنتِ ذاهبة؟ أنا ذاهبة يا أمي إلى مشوار مهم جداً.. نظرت إلي ولم تعلق، وخرجت من البيت، وتوجهت مباشرة إلى أحد المحلات، وطلبت حجاب للرأس وأخذته (رفضت صاحبة المحل أن تأخذ ثمنه، وأعتقد أن أحدى صاحبتي أخبرتها) ارتديته، وخرجت مسرعة، وها أنا ذا على أتم استعداد للنطق بالشهادة، أعتقد أنه لا يوجد لدى الآن أي مانع، وصلنا إلى المسجد، وكان الشيخ في انتظارنا، ولقنني الشهادة، ورددتها خلفه، وأنا في حالة لا أعرفها، حالة من البكاء والفرحة، حالة من حشرجة الصوت الممزوجة بسعادة غامرة، ولما انتهيت عرفني ما هو الإسلام، وما هي أركانه، وما هي أركان الإيمان، ثم عرفني الصلاة وكيفيتها وشروطها كل ذلك وأنا أسجل خلفه في ورقه حتى لا أنسى، وانتهيت معه على وعد بتكرار الزيارة حتى يعينني في أمور الدين، وتلقيت التهاني الحارة، وعدت إلى البيت في لباسي الجديد، وصفحتي البيضاء، وقلبي الذي يطير من الفرحة، وحينما دخلت البيت وجدت أمي وأبى جالسين، فنظرا إلي بدهشة ثم نظرا إلى بعضيهما البعض أما أنا فقلت لهم سريعاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فاعتقدا وممكن وللوهلة الأولى أنني امزح أو أهرج، أو أن قلبهما رفض أن يقتنع بما رأته العين أو سمعته الأذن، أمي سألتني بنبرة حزينة خائفة: ما هذا؟ ما لك؟ أجبتها بكل ثقة: لقد أسلمت يا أمي، فانهمرت في حالة هسترية من البكاء والنحيب، أما أبي فضحك قليلاً ثم قال لي: تعالي أريد أن أتحدث إليكِ، فذهبت معه إلى غرفة أخرى قال لي: هل أنتِ تعي ما فعلتيه؟ نعم يا أبي!! هل عرفتِ الإسلام حتى تعتنقيه؟ ليس كله يا أبي ولكنى حتماً سأعرف مع مرور الوقت يا أبي أحببت الإسلام كثيراً!! يا ابنتى ربيناكِ على الحرية والصراحة، ولكن قبل أن تخطو قدماكِ خطوة عليكِ أولاً أن تقتنعي بها حتى لا يؤثر ذلك على مستقبلك كله، وتركني وعاد إلى أمي، وقال لها: اطمئني إنها حالة عارضة وتجربة وفترة قصيرة وسوف تعود إلى رشدها، دخلت إلى غرفتي فغيرت ملابسي ثم أغتسلت ثانية حتى أصلي المغرب (كنت أعتقد في بادئ الأمر أن علي أن اغتسل غسلاً كاملاً في كل صلاة)، وصليت المغرب في غرفتي وأنا ممسكة بهذه الورقة التي فيها كيفية الصلاة، والفاتحة وسورة الإخلاص، وحين فرغت من الصلاة أمسكت بالمصحف وشرعت في حفظ سورتي الفاتحة والإخلاص حتى أصلى بهما بعد ذلك دون الحاجة للاستعانة بهذه الورقة، وأثناء قراءتي في المصحف دخل علي أخي، لم يكن أخي هذا من الشخصيات العصبية، بل على العكس تماماً كان هادئ الطباع، كريم الخلق، كنت أقرب إنسانة له في هذه الدنيا، كان يحبني بشدة، ويخشى علي من أي شيء، وأنا أيضاً كان أقرب إلي من نفسي، تذكرت حين دخل علي هذه الحميمية الشديدة بيننا، تذكرت كيف كان يلعب معي كثيراً، تذكرت كيف كان يتحدث معي في خصوصياته دون أي أحد آخر من أفراد الأسرة، تذكرت الساعات الطويلة التي كنا نقضيها نتسامر ونضحك

حقاً إنه أخ مثالي، تذكرت كل هذه الأشياء في لمح البصر بمجرد أن دخل علي وأنا في يدي المصحف أقرأ منه، إنه لن يفعل بي شيئاً، نظر إلي وقال: ماذا تفعلين؟ أقرأ!! في أي شيء تقرئين؟ مصحف!! مصحف؟ نعم!! كتاب المسلمين؟ نعم!! لماذا؟ أنا أسلمت!! نعم!! ماذا قلت؟ قلت لك أسلمت، تغيرت كل هذه الأشياء في لمح البصر، انقلبت الصورة تماماً من النقيض إلى النقيض، أخي وحبيبي وصديقي تحول إلى شخص أخر يقترب منى رويداً، وأرى يديه ترتفع إلى السماء ويهوي بها على وجهي، يا آخى ماذا تفعل بي؟ ماذا فعلت لك يا ليتها اقتصرت على هذه الضربة بل توالت الضربات بيديه ورجليه في كل مكان في جسدي، أو يا ليتها اقتصرت على الضربات بل أنها وصلت لحد الشتائم والسب واللعن، ونعتي بأفظع الألفاظ منها أنى غير محترمة، وكان في زمرة هذه الثورة يقول لي: علمت اليوم أن أهلك لم يحسنوا تربيتكِ، وأنا هنا خصيصاً من أجل أن أعيد ترتيب الأوراق، من أجل أن أعلمك من جديد أصول الأدب والتربية!! لماذا يا أخي لماذا ضربتني يا أخي؟ لماذا ضربتني يا أخى؟ تأخر أبي كثيراً في الدخول علينا، ولكنه جاء وقف إلى أخي وبنظرة حادة تملؤها الغيظ والعصبية قال له: حذار أن تمسها بسوء مرة أخرى، حذار أن تمتد يدك إليها، إنها ابنتي أنا، وأنا المسئول عنها ما دمت على قيد الحياة حينما أموت إفعل بها ما شئت، والان تفضل إلى غرفتك، ما أرحمك بي يا أبي .. نظر إلي أبي وكان أخي قد انصرف، وجاءت أمي على صوت الصراخ، وقال لي: أنتِ حرة في تصرفاتك يا بنتي، ولكن لا نريد فتنة في هذه العائلة، ونظرت إلي أمي، وقالت: قد خربتي لنا البيت بغبائك، تغيرت تماماً علاقتي بأخي بعد ذلك، بعد كل هذا الحب لم يبق إلا الكره والاستهزاء، نعم كان لا يؤذيني بدنياً بعد تحذير أبي الذي لولا إياه لكان قد قتلني، إلا نظراته لي كانت كلها نظرات احتقار، كل نظرة كانت تقتلني، ما كان يتكلم إلي أبداً، كان إذا جاء على الطعام ووجدنى جالسة لم يجلس أبداً ليأكل، وإذا جئت أنا ووجدته جالس قام من فوره من الطعام، هكذا مرت هذه الأيام على هذا المنوال، حتى جاء يوم قررت أن أذيب جبل الجليد هذا الذي بيني وبين أخي، دخلت عليه غرفته، واستأذنته في الجلوس، ثم اخترت مكاناً فجلست ونظرت إليه وهو كأنه يريد أن يقنع نفسه بأني لم أدخل أصلاً، ثم قلت له: هل علمت علي في يوم أنى ارتكبت فاحشة أو كنت أمشى مع شباب؟ هل سمعت عنى يوماً شيئاً مشيناً أصابك أنت كأخ لي قبل أن يصيبني أنا؟ ألست أنا أقرب الناس إليك؟ الم أكن أحب إليك من نفسك هل نسيت؟ لماذا تعاملني هذه المعاملة؟ هل إسلامي أهدر كرامتك أو كرامتي؟ أجبني!! كان لا ينظر إلي وفجأة رفع عينيه إلي وقال: أنتِ بالنسبة لي الآن في عداد الأموات، فبكيت، وتركته وخرجت، ولكن مع كل هذه المعاملة الجافة والعنيفة منه إلا أنه بدأ يهدأ مع مرور الوقت، وبدأ يتحدث إلي ولكن ليس مثل ما مضى، وبدأ يعرف أن إسلامي لم يكن ليضر أحداً في كل هذه العائلة العريقة خاصة أنهم أخفوا هذا الخبر عن كل الناس، وفى هذه الفترة كنت مخطوبة لأحد الأطباء الأغنياء له سيارته وعيادته، ولكنه كان يقيم في مدينة أخرى كان علي أن أضع حداً فاصلاً في علاقتي به خاصة بعد أن أخبرتني صاحبتي أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم، وعلاقتي بهذا الخطيب يجب أن تنتهي، وفعلاً اتصلت به في الهاتف، رد علي معتذراً عن تأخره عني هذا الأسبوع لظروف عمله، ولكنى قاطعته قائلة: أريدك في موضوع هام لا يحتاج التأجيل؟ قال لي: حسناً حبيبتي سأمر عليكِ في المساء!! وجاء المساء، وطرقات خطيبي على الباب معاً، جاء خطيبي والمساء معاً كأنهم على موعد أن يطلا علي بوجهيهما معاً لا أعرف ما العلاقة ما بين خطيبي والليل، هل أنى شعرت أن كلاهما يكسو وجهه الظلمة؟ على أية حال كنت على استعداد لهذا اللقاء، ارتديت ملابسي الإسلامية الجميلة لأني علمت أنه أجنبي عني، ورآني بهيئتي الجميلة فلم يعلق، ثم بعدها جلست معه في الصالون وقلت له بكل هدوء: يشهد الله أني كنت أحبك، ولكن حبي للإسلام ملأ قلبي، أنا أسلمت، فهب واقفاً وقال لي بنبرة حادة، وبوجه ممتعض: هل جننت؟ ماذا تقولين؟ ماذا فعلت؟ ثلاثة أسئلة في سؤال واحد، أعتقد أنك سمعت قلت لقد أسلمت، وأنا لم أرسل في طلبك حتى أقول لك أني أسلمت، لأني اتخذت قراري بإرادتي، ولن يثنيني أحد عن قراري، وإنما أرسلت لك لأقول لك: إنك بهذه الحالة لا تحل لي فلك خياران:

إما أن تعلن إسلامك وبعدها تكون زوجي وحبيبي، وكل شيء لي في الدنيا.

أو كما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف، دون شوشرة أو فضايح.

انتهى كل ما عندي، ولك الخيار.

تركنى دون أن يعلق بكلمة واحدة، وأراه من هول الصدمة خرج مسرعاً إلى بيته، ثم اتصل بي بعدها مراراً وتكراراً متوسلاً مرة، ومعنفاً مرة، وراجياً مرة، وشاتماً مرة أخرى، وكلامي معه لم يتغير، وشرطي لم ولن أتنازل عنهما، حتى أنني اضطررت إلى تغيير رقم هاتفي، ولكنه جاء إلى البيت عندي يوماً وقال لي: حسناً أنا موافق على إسلامي على شرط أن نتزوج خلال شهر، لا أعرف لماذا لم أصدقه، لا أعرف كيف فتح الله علي بأن أرد عليه بعدها لو أسلمت نتزوج بعد سنة، حتى يطمئن قلبي أنك فعلاً أسلمت، وحسن إسلامك، فرفض طبعاً هذا الطلب، وصدق قلبي فقد كان يتلاعب، وبدأ في شتمي ولعني، وهم بالخروج فقلت له: انتظر ومن فوري أعطيته كل هداياه لي الرخيص فيها والنفيس، والحق يقال: ما أهداني رخيصاً أبداً، كل هداياه كانت إما مجوهرات، أو ذهب، ولكن كنوز الدنيا كلها لا تساوى عندي شيئاً إذا وزنت في كفه مع إسلامي لله.

طويت هذه الصفحة من حياتي وتركني بلا رجعه، والحمد لله، وأعتقد أنه عناداً لي، وإرضاء لكرامته تزوج بعدها بأخرى مباشرة، بدأت في تعلم ديني أكثر وأكثر، وكل أخت مسلمة تعلم أنى أسلمت تهديني كتاباً دينياً عن الصلاة، أو الصوم، أو العبادات، أو شريطاً مسجلاً فيه دروس أو قرآن، حتى اكتظت المكتبة عندي بالعديد من الكتب الإسلامية والشرائط وجزاهن الله خيراً جميعاً، وشرعت في الإطلاع والمعرفة أكثر وأكثر، وكلما قرأت شيئاً كلما ازداد حبي لهذا الدين العظيم، وتغيرت علاقة آخي بي رويداً رويداً من الفتور ونظرات الاحتقار إلى الكلام معي، والدخول إلى غرفتي كثيراً، وكان إذا دخل علي نظر إلى الكتب الكثيرة المتراصة عندي مستغرباً عناوينها، وبعادته المعروفة في الفضول يتصفحها، وينظر إلى داخلها بسرعة، ثم يترك الكتاب، ويمسك غيره، وأنا كنت أستغل هذه الفرصة وأحدثه عن الإسلام، وعن الموت، وعن الحساب والعقاب، وأحدثه عن فضل الله للموحدين، وعقوبته للمشركين، وكيف أنه واحد لا ثلاثة، وهو كان يستمع لي وكأنه غير منتبه لي بسبب الكتاب الذي في يديه، وينظر إليه، ولكنه أبصر المصحف بعينيه فأخذه بيده، وقرأ فيه قليلاً ثم تركه، قلت له: تحب تتصل بربنا؟ فاستغرب السؤال بشده وقال لي ماذا؟

قلت لك تتصل بالله هاتفياً هل تحب؟ لا بد أنكِ جننتِ!! جرب هتخسر حاجة؟ تأخذ رقمه تتصل بيه؟

لم يتكلم ولم يعقب، ولكنى سريعاً قلت له: على العموم الرقم هو 24434، جرب ولن تخسر شيئاً، وسوف ترى ربنا يستجيب لك لكن على فكره هذا الرقم هو عدد الركعات في الصلاة في الإسلام!! نظر إلي ولم يعقب، وخرج من الغرفة.

جارة لي كنت أحبها جداً قبل أن أكون مسلمة، وأحببتها أكثر بعد أن أسلمت، كانت زميلتي في الجامعة، وكانت مسلمة متدينة جداً، ومن بيت متدين، وأهل صلاح، والنقاب في هذا المجتمع الذي أعيش فيه شيء نادر وغريب، وملفت للأنظار، ولذلك كانت دائماً تتعرض لمضايقات كثيرة حتى إن حرس الجامعة كان كثيراً ما يعترضها، ويجبرها على خلع النقاب، وإظهار وجهها حتى يتأكدوا من هويتها، وهي ما تأثرت يوماً، أو فكرت في خلع النقاب.

بعد إسلامي تقربت منها وصاحبتها، وكنا نذهب سوياً إلى الجامعة إما عن طريق المواصلات، أو أخوها يوصلنا بسيارته، وأخوها كان لا يقل عنها تديناً، ولا أدباً، وفى يوم انتظرنا أخوها بسيارته خارج أسوار الجامعة، وخرجنا سوياً، وركبت بجوار أخوها، وركبت أنا في الخلف، وكأن الله قد قدر لهذا اليوم أن يكون ثاني أسعد يوم في حياتي حين انطلقت السيارة بثلاثتنا من الجامعة متوجهة إلى بيتينا المتجاورين، وحين وصلنا أبصرني آخي، وتوقعت أن يكون له رد فعل سلبي تجاهي أو تجاه صاحبتي وأخوها، ولكنه على العكس تماماً انفرجت أساريره، وصافح أخو صديقتي شاكراً له حسن معروفه، ورحب به أخو صديقتي بشدة، ودعاه لبيته حتى تتوطد العلاقة أكثر، وفعلاً توطدت العلاقة بينهم أكثر وأكثر، وذهب إلى بيتهم كثيراً، وأصبح من الأصدقاء المقربين له على الرغم من كون أخي مسيحياً وأخو صديقتي مسلم، ولكن سبحان مؤلف القلوب، ظهرت مرة أخرى شخصية خطيبي في حياتي بعد أن كنت قد طويت هذه الصفحة من حياتي، وبعدما كنت توقعت أنه تزوج وخرج من حياتي نهائياً، إلا أنه فجأة ظهر ثانية، وظهر في صورة أبشع، كنت في يوم خارجة من الجامعة أنا وصديقتي، وينتظرني هو خلف أسوار الجامعة بسيارته، وحينما رآني جاء إلي مسرعاً مخاطباً: أريد أن أتكلم معك في موضوع هام على انفراد!!

ليس لي معك كلام!!

اسمعي منى ولك الحكم بعدها!!

قلت لك: ليس لي معك كلام!!

تركته ومشيت فشدني من يدي وقال لي بصوت عال لفت انتباه المارة: هل أنتِ راضية بشكلك هذا؟ ماذا ترتدي على رأسك مثل المتسولين؟ هل نظرتي إلى نفسك في المرآة؟ تعجبت من موقفه جداً خاصة أننا في طريق عام، وقام بفعل ما توقعته، قام بنزع الحجاب عن رأسي وقذف به الأرض، فلم اشعر بنفسي إلا ويدي تطير في السماء، وتنزل على وجهه في لطمه أسمعت الناس أكتر من الصوت ما كان منه، هو أيضاً ضربني على رأسي ضربة بيديه فسقطت على الأرض مغشياً علي، ورأسي جريحة تنزف من الارتطام على الأرض، جاءت الإسعاف ونقلتني إلى المستشفى، وجاءت الشرطة وقبضت عليه، واستغل نفوذه وأمواله وخرج، في نفس الوقت قمت من غيبوبتي لأجد أمامي أمي وهى تبكى، وأبى وهو مذهول، وأخى وهو في قمة الغضب، وخرج أخي من فوره، وعرفت بعد ذلك أنه ذهب للشخص الذي أصبح صديقه المقرب أخو صديقتي ليبحثا معاً كيفية التصرف مع هذا الشخص، ورد كرامتي، واتفقا كلاهما ومعهم صديق ثالث على أن يعرفوا هذا الشخص مصيبته التي ارتكبها في حقي ولكن بطريقتهم الخاصة، تربصوا له ليلاً كما تربص لي قبل ذلك، وانهالوا عليه ضرباً شديداً، ووقع على الأرض غارقاً في دمائه كما حدث معي، وكما تدين تدان، والعين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم، ولم يستطع إثبات أن أخي وصديقيه هم الجناة لعدم وجود أي إثبات أو دليل، وانتهى الموقف بسلام، وتوطدت العلاقة أكثر وأكثر بين أخي وأخو صديقتي لدرجة أنهماً نادراً ما يفترقا طيلة اليوم، الآن ستعرفون لماذا هذا اليوم يوم لقاء أخي بصديقه أول مرة هو ثاني أسعد أيام حياتي، جاء إلى البيت في المساء أخي حاملاً في يديه بذلة العرسان فسألته: ما هذا قال لي: اليوم يوم عرسي!! ماذا قلت أخي؟ سأشرح لك أنا في عجلة من أمري، ودخل إلى الحمام، واغتسل وارتدى البذلة، وخرج مسرعاً وعاد في المساء وجهه كطلعة البدر يوم تمامه، تغير تماماً وكأن بياضاً شديداً دهن به وجهه وحكى لي، وقال ذهبت إلى صديقي وذهبت معه إلى بعض الأصدقاء، وذهبنا جميعنا إلى المسجد، وأعلنت إسلامي، وصليت معهم العشاء، واحتفل بي كل من في المسجد، وجئت إلى هنا هل هناك اعتراض؟

وانطلقت مني صرخات الفرحة الممزوجة بالدموع، وحملني أخي وطاف بي كل أرجاء المنزل، وأنا أهلل وأكبر، وهو يكرر خلفي مثل هذا اللاعب الذي حمله زملائه في الملعب حينما أحرز هدف الفوز، قلت له: لا بد لي من هدية، أنت فاهم هديه ثمينة، قال: هدية بس هدايا كثير - إن شاء الله -، ودخلت أمي على صوت صراخنا، وعرفت هذا الخبر السعيد المحزن جداً لها، فانهمرت في البكاء والعويل والنحيب مرددة (أنتوا عايزين تموتونى!)، حرام عليكم، ماذا فعلت أنا حتى أجد منكم كل هذا الجحود والعصيان وممن! من أقرب الناس إلى، من أولادي، هدئنا من روعها قليلاً، واستكملنا فرحتنا معاً في هدوء حتى لا تسمعنا، أما رد فعل العائلة الكبيرة فكانت محزنة، أعمامي كلهم قاطعونا من بعد علمهم بإسلامي، ومن بعدها إسلام أخي، وعلاقتي ببنات أعمامي لم تنقطع ولكن في الخفاء، وعن طريق الهواتف فقط، أما أخوالي فرغم غضبهم الشديد فإنه لم يكن مثل غضب أعمامي، ولم تصل لحالة الانقطاع الدائم، بل كانوا يأتون إلينا في الأعياد، وأذهب أنا أحياناً إليهم، وكان خالي إذا رآني بالحجاب قال لي: \"إخلعي الشوال اللى أنتِ لابساه ده\"، حدث لي اختبار من الله، اختبار ما تمنيت أن أقع فيه، ولكن الله وضعني في هذا الموقف ليثبتني على الدين، كان اليوم هو يوم الجمعة، ويوم رأس السنة الميلادية، وغدا امتحان لي في الجامعة، كنت أحس حينما استيقظت من نومي مبكراً أنني في حالة غير طبيعية، لا أعرف ما هذه الحالة حتى حان وقت الجمعة، فتوضأت وصليت الظهر، وقرأت قليلاً في كتاب الله، ولكنى أحس بأن هذا اليوم هو يوم مصيري في حياتي، لا أعرف ماذا سيحدث، ولكني على يقين من أنه سيحدث لي شيئاً قد قدره الله لي، وحدث ما كنت أتيقن بحدوثه، وجدت نفسي في منتصف النهار ارتدى ملابسي، وأهم بالخروج من البيت، ولا أعرف وجهتى حيث أراد الله، وقادتنى أقدامي إلى مكان ما توقعت أبداً أن أدخله بعد إسلامي .. الكنيسة، نعم دخلت إلى الكنيسة لا أعرف لماذا ولكن حدث لي أغرب وأعجب موقف حدث لي في حياتي كلها.

ما كنت أعلم أن قدماي ستقودني إلى هذه الكنيسة العتيقة الأثرية التي قلما ذهبت لها قبل إسلامي، ومع أن ذهابي لها لم يكن كثيراً قبل إسلامي إلا أن راهب الكنيسة يعرفني جيداً، وجاءت اللحظة الحاسمة، دخلت إلى الكنيسة بخطوات ثابتة، واخترت لنفسي مقعداً في منتصف الكنيسة، وجلست عليه، ونظرت ببصري في أرجاء الكنيسة فأبصرت بعيني مجموعه من السياح الطليان يتضرعون أمام إحدى الصور، وهذه مجموعه من الراهبات تشعل الكثير من الشموع في مقدمة القاعة، جدران الكنيسة العتيقة المصممة أساساً ضد القنابل والصواريخ تتزين جدرانها الداخلية بالزينات استعداداً للاحتفال برأس السنة، وأصوت الأجراس تتصاعد رويداً رويداً، وأصوت الترانيم يسمعها حتى من هو خارج الكنيسة، وسط كل هذا الخضم وأنا جالسة مكاني أشخص ببصري يمنة ويسرى وفجأة علت أصوات الأجراس، وعلت نبرات الترانيم، وعلا صياح الحضور متجاوبين مع الترانيم، وحينها سمعت نداء الحق هذا المسجد الصغير الذي يبعد كثيراً عن الكنيسة، ورغم كل هذه الأصوات التي يستحيل أن يخترقها صوت خارجي إلا أن صوت الحق ملأ أرجاء الكنيسة \"الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر\" فقمت من فوري واقفة وكل أعضائي ترتجف، ومرة أخرى قلت بأعلى صوتي \"الله أكبر الله أكبر الله أكبر\"، صوتي سمعه كل من في الكنيسة توقفت أصوات الترانيم، وسكت المرنمون والهامسون، الكل سكت وكأن على رؤؤسهم الطير، وتوجهت الأنظار إلي فتوجهت ناحية الباب وأنا أجري وأجري وأجري حتى وقفت في الحديقة الخارجية للكنيسة، وكان الراهب الذي يعرفني قد جرى خلفي، ولحق بي وقال لي بصوته الخافت دائماً الخبيث أحياناً: هدئي من روعك يا بنتي، فقلت له بنبرة عالية ممزوجة بدموع الحسرة: \"كله منكم\" أنتم من أفسدتم الشباب.. الله ينتقم منكم، وهم بضربي ضربه خفيفة في بطني، فقلت له: أبعد يدك عني يا نجس، وجريت بأقصى سرعة إلى البيت، وحينما وصلت توجهت مباشرة إلى الحمام، ومكثت اغتسل فترة طويلة وأنا أبكي أحسست أن على جسدي قذارة رهيبة لا بد أن أتخلص منها، فخرجت ومسكت المصحف، وقرأت سورة الكهف وأنا أبكي، وأدعوا الله أن يغفر لي ما حدث، وحينما حكيت لأحد الشيوخ بعد ذلك عن ما حدث لي في الكنيسة قلت له: أقسم بالله إن ذهابي إلى الكنيسة زادني إلى الله قرباً، وإلى الإسلام حباً.

أخي عاد من توه من رحلة دعوية مع بعض أصدقائه المسلمين من فرنسا يدعوا لهذا الدين الجديد الذي أحبه من كل قلبه، أما أنا فعكفت على تعلم أصول ديني من خلال الكتب والدروس المسجلة، وفى البيت عندنا هناك جهاز استريو مركزي في كل غرفة من غرف المنزل الكبير سماعة، فإذا قام أحدنا بتشغيل أي ماده سمعها كل شخص في البيت مقيم في أي غرفة، وطبعاً من الممكن أن يفصل سماعته ولا يسمع إن أراد، وكنت أنا دائماً أقوم بتشغيل قرآن وخاصة الطفل محمد البراك، فكنت أحبه جداً، والغامدي فكان صوته جميلاً وقريباً جداً من قلبي، وكأني أعرف صاحبه, أخي أو قريبي كنت كلما قمت بتشغيل أحداهما سمعه كل من في البيت، وكنت أرفع الصوت لأعلى درجاته حتى يسمعه كل من في البيت، وإذا اعترضت أمي أقول لها: يا أمي إن القران يطرد الشياطين من البيت، فتضحك دون أن تعلق، فكرت أنا وأخي في أمي، كنت أحس أنها قريبة من الإسلام، ولكن هناك شيء ما يمنعها، فكرنا أنا وهو أن يأتي بصديقه حتى يكلمها، فهو أعلم منا، وفي كلامه تأثير كبير على الناس، وفعلاً جاء صديقه إلى بيتنا، ورحبت به أمي، وكانت على أتم استعداد أن تسمع عن الإسلام، ولكن حدث موقف قلب كل الأمور رأساً على عقب، رحبت به أمي ومدت يدها لتصافحه فما كان منه إلا أن وضع يده على صدره دون أن يسلم عليها، وقال لها: مرحبا بك يا خالتي، فغضبت أمي أشد الغضب من هذا الموقف، وقالت: هل هذا هو إسلامكم، هل دينكم يعلمكم هذا، هل هذه المحبة في الإسلام، وتركت المجلس باكية إلى غرفتها، هذا الموقف صراحة أغضبني بشدة، ونهرت صديق أخي، وقلت له: كنت صافحتها وخلاص فهي من سن أمك، وبعدين مش مهم لو كنت أخذت سيئة ما دامت سوف تكون سبباً في إسلامها، وبكيت أنا الأخرى، وتركتهم ودخلت غرفتي، وفشل للأسف مخططي أنا وأخي في محاولة لدعوة أمي إلى الإسلام، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، مرض والدي الحبيب، وتم نقله إلى المستشفى وفي المستشفى حدث ما حدث، لم يكن مرض والدي بالشيء اليسير علي بل أنى تأثرت لذلك أشد التأثير خاصة أني كنت أحبه حباً شديداً، وتعلقي به شديد جداً، وطيبته معي وأيضاً لمعاملته لي باللين والحب على الرغم من إسلامي، ودفاعه عني في كل كبيرة وصغيره أمام أي أحد لا يمكن أن أنسى عطفه وحنانه وحبه لي، كم أحبه، مرض مرضاً شديداً، ونقل سريعاً إلى المستشفى حتى أننا ظننا أنه مرض الموت، وكنت أخشى عليه أن يموت على النصرانية، كنت أزوره يومياً بالساعات، وكان بالكاد ينطق بصعوبة، واتفقت أنا وأخي على أن نتناوب المكوث معه، ولا نتركه طول اليوم، هو بالليل وأنا بالنهار، نتناوب على رعايته وأيضاً استغلال الوقت لدعوته للإسلام لعل الله يشرح صدره، كنت أقول له: يا أبي أنا بدونك لا أسوى شيء، ولو حدث لك أي شيء أخشى على نفسي الضياع لولا يقيني بالله، قال لي: يكفيكِ الله، قلت له: أي إله يا أبي تقصد؟ سكت قلت: له يا أبي إني أحبك والله، وأخشى عليك، فقلت له قصة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما عاد يهودي مريض، وأمر ابن اليهودي أن يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله فنظر الطفل إلى أبيه فقال له الأب: أطع أبا القاسم يا بني، وفعل الطفل، وقلت له: يا أبي كان إذا يهودي أو نصراني أو مشرك مات على الشرك بكى عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقال: أبكي على نفس هربت مني إلى النار، يا أبي لما لا تقولها، يا أبي أرحني يا أبي، وأسلم لله وحده، قال لي: أنتِ لا تعرفي رد فعل أعمامك، وما الذي سيحدث منهم نحونا، فقلت له: يا أبي أنا لا أعرف إلا الله ورسول الله، كلما قال لي تعرفي كذا أقول: لا أعرف إلا الله ورسوله، فيقول لي تعرفي كذا فأقول لا أعرف إلا الله ورسوله، لا يعرف كنت أتكلم بلسان بليغ، وحجة قويه الكلام، كان يأتي إلي وكنت أتكلم بكل حجة، وكان يتكلم بصعوبة، وينطق بصعوبة، وفى خضم كلامي معه دمعت عيناه، فمسكت يده قبلتها وأنا أبكي، ونزلت على قدمه قبلتها، وأنا أبكي بكاء شديداً وقلتها له: يا أبي أخشى عليك والله أخشى عليك من النار، يا أبي قولها يا أبي قل أشهد أن لا اله إلا الله محمد رسول الله كلمه تنجيك من النار، قلها من قلبك يا أبي، يا أبي خسارة هذه اليد أن تدخل النار، فولى وجهه عني ودموعه لم تتوقف جاء في هذه اللحظة أحد أعمامي من غلاظ القلوب، فتركت مكاني وخرجت، وكان أخي قد جاء، فذهبت إلى البيت وأنا حزينة جداً، وفي المساء اتصل بي أخي هاتفياً وقال لي: \"تعالي الحقي تعالي بسرعة\" فسقطت السماعة من يدي، ولم أدر بنفسي إلا وأنا في المستشفى، وكان أخي على يميني، وأنا على يساره، فقال لي أخي أبانا رفض أن ينطق الشهادة إلا في وجودك، ونظرت إلى أبي والدموع تملأ عيني فقال بصوته الواهن: \"أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله\" فما كان منى إلا أني صرخت بأعلى صوتي: الله أكبر، الله أكبر، حتى سمعني كل من في المستشفى، وجاء الطبيب والممرضات متخيلين أن هناك أمر ما حدث لأبي، وانهلنا أنا وأخي تقبيلاً لأبي وهو في قمة سعادته الآن نحن ثلاثة مسلمين في البيت، وأبي خرج من المستشفى ولله الحمد أن كان ليس بطبيعته ولكنه يصلى إما جالساً على كرسي أو في فراشه بعد أن تعلم الوضوء والصلاة، ونعيش في استقرار وأمن ولله الحمد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply