الفنانة التائبة \ سحر حمدي \


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع موت والدتي وزلزال عام 1992م.. أيقنت أن الحياة إلى زوال.. ولابد من العمل لما بعد الموت

لم تتعرض واحدة من الفنانات التائبات لهجوم من الصحافة الصفراء والسوداء، مثلما تعرضت التائبة \"سحر حمدي\" ربما لأنها تتصف بشجاعة نادرة ووضوح شديد، ربما يعرضها في كثير من الأحيان إلى مشكلات قد تكون في غنى عنها.. خاصة في طريق الهداية، الذي يدخر المؤمن فيه كل لحظة، ليضع ثمرتها في الميزان يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

كانت من ألمع النجمات في دنيا الرقص الشرقي، حتى أطلقوا عليها لقب \"برنسيسة الرقص الشرقي\".. ثم تحولت بفضل الله - تعالى - من \"إميرة الرقص\" إلى \"إميرة النفس\" لتلحق بقافلة التوابين والمتطهرين.. والتفاصيل في هذا الحوار:

 

بدأت بشائر النور منذ فترة طويلة.. لكن الرؤية اتضحت تماماً مع بدايات عام 1990م، أي منذ خمسة عشر عاماً، والحمد لله رب العالمين.

 

قالوا عن نبأ اعتزالي في حينها إنه \"قنبلة الوسط الفني\"، بل إن كاتباً معروفاً كتب عنوان مقالة عني \"يوم القيامة في مصر\"، وأنا أتعجب إذا كانت التوبة \"قنبلة\" و\"يوم قيامة\"... !! فماذا تكون المعصية.. تكون \"ياسمينة\" و\"يوم فسحة\"؟! هذا كلام عجيب.

 

هناك ناس مرضى بحب الظهور، فكيف يظهر هؤلاء المرضى، إلا بالتعلق بأي موضوع أو شخص أو حدث مشهور؟! فمعظم هؤلاء جعلونا \"سلماً\" لهم.. وفي النهاية.. جزاهم الله ألف خير، لأنهم زادوا أجرنا، وثقلوا موازيننا، وأرسلوا إلينا بحسنات لا نعلم مصدرها.

 

قالوا فينا \"ما لم يقل مالك في الخمر\"، كما يقول الأثر، ولكن علينا أن نعلم أن المسألة \"حياة أو موت\".. حياة في طاعة الله.. أو موت على الغفلة والمعصية.. والقضية كانت واضحة جداً كالحي والميت والأعمى والبصير.

 

بالعكس، هذا الشعور يشحذ عزيمة الإنسان، ويعلي همته، ويعلمه تفويض الأمر لله، والصدق مع النفس، ويجعله يرى الحياة والحقائق بصورة كاملة الوضوح.

 

هناك من قال إنني تحجبت من أجل كذا.. ومن أجل كذا.. ولكن كل هذا غير حقيقي.. ونقطة التحول الأساسية كانت كامنة في قلبي.. ومستقرة في ضميري.. ولكن أطلقتها وفاة أمي - رحمها الله - فكان هذا الحدث بمثابة زلزال بالنسبة لي، أدركت من خلاله مدى تفاهة وعبثية وجهل الإنسان، عندما يكون بعيداً عن ربه، ثم تدرك المرء هذه اللحظة التي لابد منها لكل حي، ولا ينكرها إلا مجنون.. لأن الملحدين لابد أن يؤمنوا بالموت.. قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم (الجمعة: 8)، وحتى لو أنكروا البعث، فإنهم لا ينكرون الموت.. ومن آمن بالموت فإنه من قبله قد آمن بعملية \"الخلق\".. ومن آمن بمعجزة الخلق فلابد أن يؤمن بالبعث بعد الموت، كما بدأنا أول خلق نعيده (الأنبياء)، وهكذا بدأت مشوار التفكير والمراجعات.. إلى أن حدث زلزال عام 1992م المرعب.. ليزداد يقيني أن الحياة كلها بما فيها إلى زوال.. ولابد من العمل لما بعد الموت.

 

تصالحت مع الله

 

من أعظم من أثروا فيَّ أختي الحبيبة الحنونة الحاجة ياسمين الحصري.. ود. عمر عبدالكافي، وداعية العصر الشيخ محمد الغزالي، ود. يوسف القرضاوي فقيه الأمة.. ومجموعة من الدعاة الجدد، ولكن الذي يبدأ طريق العودة إلى الله، عليه أن يتزود من الجميع فكما أن وجبة الغذاء البدني يجب أن تكون منوعة.. كذلك فوجبة الغذاء الروحي يجب أن تكون منوعة.. حتى لا يتضخم الإنسان في جانب ويفتقر إلى جانب آخر.

 

أهم شيء أنني واضحة جداً مع نفسي، وصريحة جداً مع الآخرين، وهذا يسبب لي مشكلات مع بعض الناس.. فلا يمكنني أن أعيش بوجهين أبداً، ولا أستطيع أن أقوم بهذا الدور.. وأحب القول الجميل \"الصراحة راحة\"!!

 

أهم ما يضايقني في البعض، هو اغتياب الآخرين، أو جلسات النميمة والبهتان، أو الحقد والغل والحسد، أو تتبع عورة أحد.. فالمطلوب من المسلم أولاً: أن ينشغل بعيبه قبل عيوب الناس، وأن يبدأ بنفسه ثم يدعو غيره.

 

أوصي نفسي وغيري بالصبر على المكاره، والصبر في طريق الطاعة، والصبر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، فلا يستحق أن يولد، من عاش لنفسه فقط، وكما نعلم.. فالحياة مليئة بالمتاعب والجنة قد حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات.. فالصبر هو الزاد في هذا المشوار الذي يحتاج منا أن نصبر ونصطبر.

 

تعلم أن العلاقات في الوسط الفني ليست لها نهاية.. وشبكة التعارف ليس لها آخر.. وبالتالي.. فالإنسان إذا ترك نفسه كما كان، أو قريباً مما كان لن يجد وقتاً ولا هدوءاً ولا طعماً للطاعة.. ومراجعة النفس، والتقرب من الله - تعالى -.. فكما يعيد الإنسان النظر إلى نفسه فهو كذلك يعيد النظر إلى الآخرين.

 

قرار الحجاب بالنسبة لي، كان وارداً منذ فترة طويلة.. ولكن طريق الطاعة يحتاج إلى عزيمة من جديد.. ولم أكن أبداً أريد لنفسي أن أبدأ طرق الخير وأنا \"نص نص\"!!!

ثم إن لله إرادة لابد أن تنفذ في وقت محدد، وساعة محددة.. ومن هنا لما أراد الله.. أمدني بهذه الإرادة، واتخذت القرار الذي طال انتظاره.. وما أدراك ما توابعه.. وردود أفعاله.. وكأن أعداء الله قد أخذوا عهداً ألا يدخل أحد باب التوبة إلا بعد استئذانهم.

ومن هنا.. فإن الثبات على الطريق.. ربما يكون أصعب مائة مرة من اتخاذ القرار.. ولكن ربنا هو الذي يثبت... يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء 27 (إبراهيم: 27).

 

حروب الإغراء

حرب الإغراءت هذه.. لابد أن تكون متوقعة من الشيطان وأعوانه.. فيتم الإغراء بالعودة إلى العمل.. وللنجومية وكيف يتركها الإنسان.. وقمة الدنيا من وجهة نظرهم كيف يهبط الإنسان منها إلى زاوية مجهولة من زوايا الحياة.. وربما ينتهي عمره ولا يسمع به أحد؟! ولكن.. حب الظهور يقصم الظهور.. ومن عرف مذاق الطاعة والأنس بالله.. ومجالس العلم.. وصحبة الخير.. مهما كان فيها من تقصير أو هفوات، فهي أمتع وأجمل وأسعد للإنسان مليون مرة، من حياة تملؤها العبثية والتفاهة والانحطاط.

 

الحياة الشخصية ملك خاص لكل إنسان، لكن المفيد فيها هو الأمر المتعلق بمراجعة النفس، والذي يجب أن يهتم به كل إنسان، وينشغل به تماماً.. لأن الإنسان إذا لم يراجع نفسه فهو ضائع ضائع لا محالة.

 

طفت معظم دول العالم.. وعشت حياة الملوك والأمراء.. ولكن.. راحة البال.. والضمير.. والنفس.. شيء آخر.. وأنا من الناس الذي متعهم الله بالصراحة والشجاعة..

فكنت في صراع بين ضميري وواقعي، وكان عندي انشقاق وتمزق بين روحي وضميري وشخصيتي التي تحب أن ترضي الله وتسير في طرق الهداية.. وبين الوسط المغناطيسي.. الذي يسمى الوسط الفني وكان فضل الله عليَّ عظيماً.. بإعانتي على الخير.. وهدايتي لطريق الخير، وحياتي وسط صحبة الخير.

في بستان الرحمن

 

قافلة الخير بحمد الله - تعالى -.. كل يوم في زيادة.. ولا أحب أن أذكر قائمة الأسماء الطويلة.. فكلها أسماء مشهورة ومعروفة وهم جميعاً يمثلون زهوراً جميلة في بستان الرحمن.

 

قدمت عدداً من الأفلام السينمائية منها: \"المشاغبات في السجن\" و\"المشاغبون في نويبع\" و\"ننوسة\" وغيرها.. وكانت أمام أشهر النجوم مثل محمود الجندي وسعيد صالح وصلاح قابيل وغيرهم، وغنيت.. وقدمت الرقص الشرقي في طول الدنيا وعرضها.. ولكن وخز الضمير، وعذاب النفس، والإحساس بشقاء الروح.. والتعاسة الداخلية.. كل ذلك لم يتركني لحظة.. وكأنني كنت أقف أمام نفسي وأقول لها: \"اسلمي تسلمي\"..إلى أن جاء زلزالي أنا الخاص بوفاة والدتي، ثم الزلزال الحقيقي عام 1992م، ثم ارتديت الحجاب..وبدأ كل خير.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply